العدد 9 - رياضي
 

رغم ظروفهم الاقتصادية الصعبة، ومكافآتهم القليلة عن المباريات التي يديرونها، إلا أن الحكام الأردنيين مطاردون بأرزاقهم تلك، عبر طلبات تتقدّم بها أندية لاستقدام حكام من الخارج لإدارة مبارياتها.

«مأكولون ومذمومون»، هكذا ينظر كثيرون إلى حكام كرة القدم في الأردن، فرغم كونهم قضاة الملاعب الذين توكل إليهم إدارة المباريات، والتي لا يمكن لرياضة كرة القدم أن تستوي من دونهم، إلا أنهم أول من يُشْتَمون في سياق غياب «الرياح التي تشتهيها السفن».

لعل الأمر لا يقف عند حدود الشتم، أو التعرض إلى الضرب والاعتداء في الملاعب من قبل «جمهور غاضب على النتيجة»، ولكن يتعداه نحو التشكيك بنزاهة حكام وحياديتهم، وذلك من خلال الطلب من اتحاد كرة القدم الأردني استقدام حكام من خارج الأردن لإدارة مباريات معينة، بخاصة مباريات الفيصلي وشباب الأردن والوحدات، فالفرق الثلاثة تقدمت، وفي أوقات متفرقة، بطلبات مشابهة.

آخر الطلبات تقدم بها النادي الفيصلي الذي أرسل خطاباً للاتحاد في تشرين الأول/أكتوبر 2009، يطالب فيه باستقدام حكام من الخارج لإدارة مبارياته مع فريقي الوحدات وشباب الأردن.

اتحاد اللعبة لم يوافق على طلب الفيصلي، وأوكل المهمة إلى «طاقم حكام محلي أدار المباراة بنجاح»، بحسب رئيس دائرة الحكام في الاتحاد سالم محمود.

وفي لقاء آخر بين الفيصلي وشباب الأردن، وافق الاتحاد على استقدام حكام مصريين لإدارة المباراة، مما يضع المرء في حيرة، لغياب سياسة ثابتة للاتحاد في هذا المجال.

محمود يرى أن «مهمة الحكم الرئيسية هي إيصال الحق لأصحابه والعمل على إمتاع الجمهور بإخراج المباراة بأحلى صورة ممكنة عن طريق قيادته للمباراة بشكل سلس، واتخاذه القرارات الصحيحة». ويؤكد: «دائرة الحكام تثق بحكامها، وهم قادرون على قيادة أي مباراة محلية، فهم من خيرة الحكام في المنطقة».

الأمين العام لاتحاد الكرة خليل السالم يبدي ثقة مطلقة بقدرات الحكم المحلي، ويقول: «لدينا ثقة بقدراتهم على إدارة أي مباراة بالبطولات المحلية، وأحيانا نرسلهم إلى خارج الأردن عند الطلب، وهذا دليل على كفاءة حكامنا».

يعود أبو إبراهيم الخمسيني، بذاكرته إلى ستينيات القرن الماضي، مستعرضاً التنافس بين المدارس حينها، ففي الوقت الذي تقترب فيه المباراة من نهايتها، يبدأ جمهور الفريق الخاسر بالهتاف: «يا حكم بدنا جول»، مطالباً الحكم بـ«التدخّل شخصياً»، لاحتساب مخالفة ضد الفريق الآخر، ويفضّل أن تكون ضربة جزاء «بانالتي».

يعلو صوت أبي إبراهيم بالضحك وهو يؤكد: «في حكام ما كانوا خيّابين»، في إشارة منه إلى أن حكاماً كانوا يستجيبون إلى نداء الجمهور، ويتحيزون ضد الفريق الآخر، بخاصة إذا كان الحكم هو مدرّس الرياضة في مدرسة فريق الجمهور، أو أحد أبناء المدينة نفسها.

دائرة الحكام تقوم بتنظيم دورات نظرية وعملية لحكامها لإطلاعهم على آخر مستجدات قانون اللعبة الذي يحدّثه الاتحاد العالمي لكرة القدم باستمرار، كما تقوم بإجراء تحليل لبعض المباريات العالمية والمحلية لإطلاع الحكام على الأخطاء التي يقع فيها حكام المباريات، وكيفية معالجتها، إضافة للقيام بعمل اختبارات بدنية للحكام للوقوف على جاهزيتهم البدنية.

إلا أن محمود يطرح مسألة غاية في الأهمية بالنسبة إلى الحكم الأردني، تتمثّل في عدم تفرغه للمهنة، ويقول «الحكام غير متفرغين، ويمارسون أعمالا مختلفة لكسب رزقهم»، كاشفا عن أن هناك حكاما «يأتون من عملهم مباشرة إلى الملعب لكي يديروا مباراة، وقد يكون الحكم مرهقاً لطبيعة عمله».

المكافأة التي يتقاضاها الحكم الدولي الأردني عن إدارته لمباراة في دوري الممتاز للمحترفين تبلغ 100 دينار، ولمباريات الدرجة الأولى 70 ديناراً، في حين يتقاضى الحكم في دولة الإمارات 1200 دولار عن كل مباراة، وفي الدوري الإنجليزي يتقاضى الحكم 2000 دولار، أما في بطولة دوري أبطال أوروبا فيتقاضى 5000 يورو.

لعلّ هذه الأرقام هي ما يدفع محمود إلى التمني أن يصل الأردن إلى مبدأ «احتراف الحكام أسوة ببعض الدول المتقدمة كروياً»، مبيناً أن قانون الاحتراف الذي تم تطبيقه مؤخراً «جعل كل أطراف المباراة محترفين؛ اللاعبين، المدربين، وأحياناً الإداريين، ما عدا الحكام».

مهمات الحكم خلال عمله من داخل الملعب عديدة، تبدأ بتوقيت المباراة، وإعطاء الفرصة لمعالجة أي لاعب حتى لو اضطر لإيقاف المباراة إذا تطلب الأمر ذلك، إضافة لتطبيق قانون اللعبة وحماية اللاعبين من اللعب العنيف عن طريق التنبيهات الشفوية أو منح البطاقات الصفراء أو الحمراء.

التعليقات والانتقادات التي يتعرّض لها الحكام يرى محمود أنها «عادة ما تصدر من جمهور وإداريي ومدربي ولاعبي الفريق الخاسر، أما الفريق الرابح فيقول: إن الحكم كان موفّقاً بإدارة المباراة».

ويبين أن دائرته تنظم زيارات للأندية، تقوم خلالها بإطلاع المهتمين واللاعبين على مواد القانون وشرحه لهم بشكل مبسط، وعرض بعض مباريات هذا الفريق والتعليق عليها، ما يسهل مهمة الحكام بإدارة المباريات.

الأمر لا يخلو من أخطاء، بحسب محمود، الذي يؤكد أن دائرة الحكام تقوم بتطبيق مبداْ الثواب والعقاب لحكامها، حيث تقوم بتكليف الحكم الناجح بإدارة المزيد من المباريات، بينما تقوم بمعاقبة الذين لا ينجحون بإدارة المباريات من خلال تقارير من مراقبين من الدائرة يتابعون المباريات، ويبين إن دائرة الحكام قامت قبل شهور بإيقاف طاقم حكام مباراة البقعة والجزيرة في الدوري الممتاز، «الذين لم يوفقوا بإدارة المباراة كما يجب».

وحول وجود أمور معينة تأخذها دائرة الحكام بعين الاعتبار لدى اختيارها حكام المباريات، يؤكد أن ذلك يتلخص في «أهمية المباراة، وإن كانت للتنافس على مركز متقدم أو للهروب من شبح الهبوط، إضافة إلى معرفتنا بالحكم وقدراته ولياقته البدنية».

المدرب الوطني نهاد صوقار الذي يشرف على تدريب النادي الأهلي يرى أن أركان اللعبة الأربعة؛ الجمهور، اللاعبون، المدربون والحكام، ويجب تطويرهم معاً لرفع المستوى التنافسي.

ويركز صوقار على أن من مهمات المدربين تطبيق قواعد سلوكية منضبطة في المباراة، وأن يحترموا قرارات الحكام إن كانت سلبية أم إيجابية، مبدياً رضاه عن مستوى الحكام الأردنيين، وأنه «مستوى يتناسب مع اللعبة».

صوقار لا يرى ضرورة للاستعانة بحكام من الخارج، مؤكداً أن ذلك «يضعف الثقة بالحكم الأردني، وهو تدمير للطاقات التحكيمية»، داعياً في الوقت نفسه إلى رفع الضغط عن الحكام، بخاصة من الفريق الخاسر الذي «يعلّق أحياناً سبب خسارته على حكم المباراة».

الصحفي الرياضي صلاح الدين غنّام، يؤكد أن قدرات الحكم الأردني لا تقلّ عن مستوى نظرائه العرب. لكن غنّام يقرّ أن هناك فِرقاً ظُلمت نتيجة التحكيم، وهو أمر لا يضعه في خانة الخطأ، بقدر ما يضعه في خانة التحيّز.

اللاعب الدولي السابق في المنتخب الوطني ديان صالح، يرى أن لا ضرورة للاستعانة بحكام خارجيين، مبيناً أنه يتابع الكثير من المباريات الدولية، ويشاهد وقوع الحكام بأخطاء متنوعة، لكن ذلك لا يقلل من النظرة إليهم، ولا يتم التشكيك بانحيازهم أو نزاهتهم.

لكن مدرب النادي الفيصلي والمنتخب الوطني سابقاً محمد أبو العوض، يدافع عن فكرة الاستعانة بحكام خارجيين، وهو الأمر الذي يراه «حقاً لأي نادٍ»، مبيناً أن دولاً كثيرة تتخذ هذا الإجراء، ومنها الاتحاد المصري الذي يستعين بحكام من الخارج لإداراة مباريات القطبين؛ الأهلي والزمالك.

«يا حَكَم بدنا جول»: قضاة الملاعب «مأكولون ومذمومون»
 
01-Mar-2010
 
العدد 9