العدد 9 - نبض البلد
 

«كل ما في الأمر أني (أتهقش) على قوائم الحنين، يأخذني سيق الذكرى الجنوبي عبر صخر الزمان، حيث خزنة الغصّات الكثار».

بهذه الكلمات تفتتح الكاتبة والفنانة التشكيلية هند خليفات فيلمها الوثائقي «عاطفة الصحراء»، جاعلةً من صوتها خلفية لمشهد صحراء مترامية، وفلاحين يغازلون أشجار الرمان ويبثون عشقهم لوادي موسى وشمسه التي تبتلعها الجبال عند الغروب فتغفو عيون المها الجبلي وتظل البترا مستيقظة تحرس الذكريات.

يصور الفيلم على مدار نصف ساعة وادي وموسى والبترا، وقد أنجز بعد «الخيبة الشعبية التي انتابت المشهد الاجتماعي والسياحي عقب انتخاب البترا أعجوبة عالمية جديدة» بحسب خليفات التي تُبرز عبر لقاءاتها مع باحثين وأكاديميين من أبناء المنطقة، الحس الوطني الذي يمتلكه ابن الوادي، وشعوره بالفخر لقناعته أنه من «نسل الأنباط العرب العظام». يعرض الفيلم قصة نجاح بيت الأنباط الذي يمثل نموذجاً لمؤسسة غير حكومية وغير ربحية أكدت أن المبادرات الفردية والمحلية لها تأثير لا يقل أهمية، عن أهمية المؤسسات الحكومية، بل قد يزيد عليه.

تلتقي كاميرا خليفات بسعيد الطويسي من جامعة الحسين بمعان، الذي يتحدث عن الأنباط وتاريخهم وإدراكهم أن القوة الاقتصادية هي السبيل الأمثل لتحقيق المدنية والحياة المستقرة، ويلفت الطويسي إلى أن الأنباط أدركوا أيضاً أهمية مشاركة المرأة ومنحها حقوقها في الميراث والتملك، وهو ما تؤكده النقوش والمسكوكات النبطية القديمة. تلك النظرة التي امتدت عبر الزمن وحافظت عليها المرأة في وادي موسى اليوم، إذ تشارك الرجلَ في الأعمال الاقتصادية، وتندمج في القطاعات المختلفة وأبرزها السياحية، بأسلوب يحافظ على التقاليد الاجتماعية المتعارَف عليها.

ويتحدث محمد النصرات عن حضارة الأنباط، والشعور القومي العربي لديهم، وإسهامهم في الفتوحات الإسلامية ضد الدولة البيزنطية. ويشير إلى أن معظم الاكتشافات الأثرية الحديثة لا تغطي سوى 15 في المئة من تاريخ الأنباط، لذا ركّز بيت الأنباط على نشر حضارة الأنباط وتاريخ الأردن والمشرق العربي لسد الفجوة المعرفية لدى القارئ، فكان أن أصدر دراسات تاريخية جادة، منها: هندسة الري، عهد الملك الحارث الرابع ومملكة الأنباط: التاريخ السياسي.

وتلتقي خليفات بأحمد الحسنات، من بيت الأنباط «الهيئة العربية للثقافة والتواصل الحضاري». والهيئة تهتم بالتراث الحضاري الأردني، وتعمل على إبراز الهوية الثقافية العربية من خلال الأبحاث والدراسات، والعناية بحركة الترجمة، وعقد المؤتمرات العالمية التي تُعنى بالحضارة النبطية ومنها «ملتقى علماء الاجتماع العرب»، وتنظيم الندوات، وتنفيذ مشاريع من مثل مشروع دار شقيلة للأزياء، ومشروع التأليف والنشر. كما تسعى الهيئة بحسب الحسنات، إلى التواصل مع أبناء المجتمع وتفعيل دورهم في الحركة الثقافية، وتخصيص جائزة للطلبة المبدعين في مجالات الأبحاث العلمية.

كذلك، يتحدث الفيلم عن مريم النصيرات، أول امرأة تنضم إلى بيت الأنباط وتُنتخب عضواً في هيئته الإدارية، وتتجول الكاميرا في بازار سياحي، وتلتقي مستثمرين في هذا القطاع، يطالبون المؤسسات الرسمية والخاصة، بتوجيه الدعم والاهتمام لمشاريعهم، لكونها تندرج في إطار تطوير السياحة الوطنية. يوافقهم في ذلك محمود الطويسي، وهو مغترب عائد من أبو ظبي، يقول: «رغم اختيار البترا من عجائب الدنيا السبع، إلا أن منطقتها تفتقر لمنجزات تنموية حقيقية، أو تسويق سياحي من الجهات الرسمية، لا يوجد غير جمعيات وجهات متطوعة تبذل ما بوسعها للتعريف بالأنباط وتاريخهم».

وبين الأصالة والمعاصرة تلتقط خليفات «كمشة» حكايا وأساطير ما زالت حية في ذاكرة «العجايز المعفّرات بحكمة السنين والصبر»، وتستمع لأحلام طفلة بحدائق وجنائن خضراء، ومشاريع وأفكار كبيرة يغلّفها عمرها الصغير.

يشتمل الفيلم في خلفية المشهد البصري المتحرك، على أغنيات مختارة لفيروز ونصري شمس الدين عن بترا وشعب الأنباط العظيم.

«عاطفة الصحراء» تنبض بزهو نسل الأنباط
 
01-Mar-2010
 
العدد 9