العدد 9 - إبداع
 

صادق الخواجا خبير في البحوث والتدريب، مدير المركز الأردني للبناء المعرفي «سرت». وُلد في الكويت، وأنهى دراسته الثانوية فيها العام 1978. نال شهادة البكالوريوس في الاقتصاد والإدارة المالية في جامعة ريتشموند في المملكة المتحدة العام 1986.

أنتج مركز البناء المعرفي 40 دليلاً تدريباً في مختلف المجالات، ومن البرامج البارزة التي نفذها خلال 2007-2009، منح دبلوم في إدارة وتسويق العقار بالتعاون مع الجامعة الأردنية وشركتي تعمير الإماراتية وعبدون العقارية، وصدر عن المشروع كتاب شكّل إضافة مهمة للمكتبة العربية. ومنها أيضاً تنفيذ برنامجين كبيرين مع طلبة كليات مجتمع على تغيير التوجهات المسلكية نحو حقوق الإنسان والمشاركة السياسية شملت 500 طالب وطالبة، وتنفيذ برنامج آخر في كلية مجتمع الكرك استهدف تطوير أساليب التعليم لدى أعضاء هيئة التدريس.

حاوره: حسين أبو رمّان

ے: بدأت مشوارك الفكري بإنتاج كتاب «العقيدة والإنتاج المعرفي»، هل لك أن تعرّف به؟

- هذا الكتاب المنشور العام 2007، هو بحث في العلاقة بين العقيدة العربية والإنتاج المعرفي منذ القدم حتى 2500 قبل الميلاد. وتوصلتُ فيه إلى أن الإنتاج المعرفي لمجتمعٍ ما منسوج بعقيدة هذا المجتمع، ما يعني أن تحديد الإطار المعرفي لأي حضارة، يستلزم تحديد عقيدتها. فحين نكون أمام كم هائل من المعلومات في مجالات مختلفة، فإن تحديد عقيدة منتِج هذه المعرفة، يساعد في تحديد الأطر التي يتحرك فيها هذا الإنتاج. هذا يشكل في ما يخص الواقع العربي الراهن، مدخلاً للإجابة عن السؤال: لماذا لم يعد العرب يسهمون في الإنتاج والبناء المعرفي الإنساني؟

ے: ما الفرق بين «العقيدة» التي قصدتَها في الكتاب، والدِّين؟

- مفهوم الدِّين في الحضارة العربية يختص بشكل عام بتوضيح العلاقة بين الخالق والمخلوق، يؤكد ذلك أن كلمة دِين لا تختلف في مكّونها اللغوي عن دَين، هناك إذاً علاقة مديونية يكون فيها المخلوق «مديوناً» للخالق وعليه أن يسدّد هذا الدَّين، ومن هنا يأتي مفهوم العبودية لله. أما العقيدة فهي التي توضح التعليمات والالتزامات لكيفية سداد الدَّين، وهي مشتقة من كلمة العَقد. بهذا المعنى تكون العقيدة إنتاجاً إنسانياً بحت يعبّر عن فهم الناس لدينها، وهنا يقع الاجتهاد في العقيدة. وإذا نظرنا إلى حجم الالتزامات التي يحددها الفقه لوجدنا أنها أضعاف مضاعفة لما هو موجود في القرآن، لذلك هناك دِين إسلامي واحد وعقائد إسلامية متعددة.

ے: أنت تدير «المركز الأردني للبناء المعرفي» وقد اخترتَ له الاسم المختصر «سرت»، فما المقصود بهذا الرمز؟

- «سِرْت» في التاريخ العربي القديم هي الرَّبّة عشتار، وهي مؤنث كلمة «سِرْ». وعشتار تمثل الأم الكبرى التي تحنو وتعطف على أولادها من جهة وتعاقبهم من جهة أخرى. استعرتُ مفهوم الأم الكبرى لعشتار وعكسته على المعرفة. فجعلت المعرفة هي الأم الكبرى، واخترت أحد رموز عشتار شعاراً لمركز البناء المعرفي، وهو عبارة عن شعلة محبة يحميها حيوانان مجنَّحان.

ے: برأيك، ما مفتاح هذا التغيير في المجتمع؟

- مفتاح التغيير هو وضوح الهدف من التغيير. والتغيير غير التغيّر، تماماً كالفرق بين التفكير والتفكّر، وبين التعليم والتعلّم. فالياء عندما تدخل على الكلمة تفرض وجود منهجية وخطة معينة لتحقيق أهداف محدّدة. المنهجية والخطة يتم نسجهما بوحي من عقيدة ما، فإذا لم تكن هذه العقيدة هي السائدة في المجتمع، بمعنى الحاكمة للسياسة المتبعة، لا بمعنى تمسك الجميع بها، ستفشل عملية التغيير. ونحن نشهد في الحياة العربية خلطات عَقْدية عجيبة تسعى مثلاً للجمع بين ما هو محافظ وما هو ليبرالي، فيكون مصيرها الفشل.

ے: أين تكمن أبرز معيقات التغيير الاجتماعي؟

- تكمن في عدم وضوح الأهداف العليا. فأي إنسان غربي يرى رسالته في الديمقراطية والحرية الفردية، بينما لا يجد العربي ما يقدمه للعالم، وحتى المسلم ماذا لديه ليقدمه؟ وحين تغيب الغايات العليا لدى الناس، يفتقدون الرسالة التي يسترشدون بها، ويحصرون أنفسهم في القضايا الشخصية، فيفتقدون الدافع للعمل من أجل المجتمع. والشعارات العامة الكبرى المطروحة بين مرحلة وأخرى، لا تبدو مقنعة. بهذا يحتاج التغيير الاجتماعي إلى توضيح أهدافه، وصياغة رسالته، كما أن طرح أية غايات ليعمل المجتمع على تحقيقها، بحاجة إلى أن تكون منبثقة من ثقافة المجتمع أو يتم تأصيلها حتى لا تبقى غريبة.

ے: كيف ترى علاقة النظام التربوي ببناء الجيل الجديد؟

- النظام التربوي بكلّيته من البيت إلى المدرسة فالجامعة ثم العمل، نظام مدمر. فهو مبني على إطاعة التعليمات، على حساب بناء الشخصية المستقلة، والقدرة على صنع القرار. لذا نجد أن الجيل الجديد غير قادر على التعبير عن نفسه، وعاجز عن البحث والتطوير. وعندما يواجه الشاب مشكلة يتعامل معها بمستوى متدنٍّ من المهارة، ويفضَّل الاستعانة بمن يساعده بدل أن يبحث عن الحل. ويتجنب الشباب كل شيء بحاجة إلى مجهود، لأن الأولوية هي للبحث عما هو جاهز، فنحن لم نتربَّ على تجهيز الأشياء بأنفسنا. على صعيد المعلم، فالتحدي الذي يوضع أمامه هو كيف يلتزم بتعليمات الوزارة في التعامل مع الخطة، أكثر من الاهتمام بأسلوب التدريس، وبالبيئة الصفيّة.

ے: كيف تبني برامجك التدريبية؟

- المدخل أو المقاربة في بناء برامجنا التدريبية، يتمثل في تغيير السلوك تجاه موضوع التدريب. لذلك نخصص 70 في المئة من البرنامج نحو تغيير التوجه المسلكي، و20 في المئة للمهارات الجديدة و10 في المئة لتقديم معلومات جديدة. هذا في حين أن الهمّ الأساسي في الوطن العربي هو إكساب المتدرب مهارات ومعلومات جديدة، ظناً أن الموظف سيبدأ بالتنفيذ بمجرد أنه اكتسب المهارة. وفي تجربتنا الأردنية فإن المعيق الأساسي في تعظيم نتائج التدريب هو انتشار توجهات مسلكية سلبية تعيق تحسن الأداء الوظيفي، وهذا يجعل نظرة الشاب الخريج، مثلاً، ضيقة، فهو يبحث في مؤسسته عن التقدير وترجماته المادية، بدل أن يعطي الأولوية لإتقان عمله الذي يبني له سمعة جيدة. لذا يكون استعداد هذا الشخص لتطبيق مهارات جديدة محدود، ومع ذلك تجده في حالة إحباط «لا يعجبه العجب»، إذاً هناك مشكلة عند الفرد وكيف يصنع قراره. الشباب يجب أن يطوروا قدراتهم ويثبتوا جدارتهم في عملهم، ودائماً هناك فرص أمامهم، لأن المجتمع لا يستطيع أن يضع سياسات على «هوى» الأفراد الأقل جدارة، هذه تكلفة لا يحتملها. وكما هو شائع أيضاً لدى العاملين في مجال التدريب، فإن غالبية الموظفين تنظر للتدريب على أنه فرصة للترقية أو إجازة من العمل، أو فرصة للتمتع بخدمات فندقية، وليس سعياً وراء تطوير أنفسهم أو مؤسساتهم، فهذا آخر الاهتمامات.

ے: كيف تفسر ذلك؟

- يعود السبب إلى أن البرامج التدريبية لا تخاطب احتياجاتهم الحقيقية، بينما علينا أن نضمن استعداد المتدرب على تفعيل المهارات الجديدة قبل تقديمها إليه، وهذا يتطلب تغييراً في التوجه المسلكي تجاه موضوع التدريب من شقّين؛ أولاً أن يتخذ المتدرب قراراً بتغيير سلوكه تجاه الموضوع التدريبي؛ وثانياً أن يتم بناء بيئة مساندة للتغيير المطلوب على صعيد المؤسسة، أي إحداث تغيير في بيئة العمل حتى تكون مساندة حقاً للتغيير المطلوب.

ے: لقد عملتم على تقديم برامج مجانية للقطاع الحكومي، هل تشرح لنا أحد هذه البرامج التي استهدفت الجانب السلوكي؟

- نفذنا مشروعاً مع وزارة تطوير القطاع العام استهدف العاملين في خدمة الجمهور في مديريات دائرة الأراضي والمساحة. وطورنا لذلك أداة خاصة لقياس التوجه السلوكي نحو خدمة الجمهور لتحديد المشكلة وتصميم البرنامج التدريبي الملائم، فاكتشفنا أن أبرز مظاهر الخلل تكمن في نظرة الموظف لعمله. فرغم أنه يعمل في وظيفة مضمونة، إلا أنه ينظر إليها أساساً بوصفها مصدر رزق، ويتناسى صلتها بخدمة الجمهور. لذلك لا يشعر بتأنيب ضمير إذا قصّر. البرنامج التدريبي يراجع الآلية التي أدت بالموظف لصناعة قراره على هذا النحو، فيكتشف وجود الثغرات في نمط تفكيره وقراره، وعند ذاك يتولد لديه الاستعداد لتغيير سلوكه. لكن الموظف يحتاج إلى رعاية حتى يترسخ سلوكه الجديد، ما يتطلب وجود بيئة مساندة تذكره باستمرار بالتغيير المطلوب، وتحسسه أن الإدارة العليا مهتمه بهذا التغيير، وهذه عملية تعبوية يتقنها الجيش والأمن العام ولا تتقنها الدوائر الحكومية المدنية بالقدر نفسه.

الخواجا مدير «البناء المعرفي»: الأهداف العليا غائبة ونظام التعليم مدمِّر
 
01-Mar-2010
 
العدد 9