العدد 3 - حريات | ||||||||||||||
«كيف لي أن أحافظ على وظيفتي؟ هل هناك صاحب عمل يقبل بمغادرتي العمل مرتين كل يوم، في كل مرة لأكثر من ساعة، بانتظار دوري لإثبات وجودي في مركز الأمن»، يقول مهند شعبان، شاب سجُلت بحقه قيود أمنية لتناوله الكحول في أماكن عامة ومشاركته في شجارات في أحياء. رغم مرور سنوات على إقفال سجل القيود الأمنية لمهند، 31 عاماً، التزم خلالها بعدم ارتكاب أيّ سلوك مخلّ بالقانون، إلا أن ذلك لا يمنع من توقيفه إدارياً عند كل مشكلة أو شجار يحدث في منطقته، ليوضَع عليه قيد أمني جديد يفرض إثبات حضوره يومياً في مركز أمن فيلادلفيا صباحاً، وفي مركز أمن وسط المدينة عصراً. تُطبق مديرية الأمن العام القيد الأمني، بوصفه إجراءً تمهيدياً للتوقيف الإداري، بهدف حماية المجتمع ممن «يشكلون خطراً عليه أو تهديداً لأمنه»، بحسب إدارة الأمن العام. وهم عادةً ممن سبق أن ارتكبوا سلوكات مخالفة للقوانين. هذا القيد يلازم صاحبه لسنوات، كسجل تراكمي لا تُلغى فيه القيود السابقة. وبناء عليه، يحق للأمن العام استدعاء أيٍّ من أصحاب القيود عند التحقيق في أيّ قضية تقع في المنطقة التي يقطن بها. رغم وقف العمل بالقوانين العرفية في الأردن منذ العام 1992، إلا أن الحكام الإداريين استعانوا بأحكام قانون منع الجرائم للعام 1954، لتطبيق «القيد الأمني» الذي يهدف إلى «حماية المجتمع من الخطيرين أمنياً». «هذا القيد يهدف إلى الضبط والربط الأمني للخارجين عن القانون»، يوضح المحامي عادل الطراونة، مدعي عام سابق في محكمة الشرطة، ومقرر حالي للجنة الحريات في نقابة المحامين. يتابع الطراونة: «في قانون العقوبات نصَّ المشرع على عقوبة مشددة في حال تكرار ضروب الاحتيال وإساءة الأمانة والسرقة. وتوضع القيود في صحيفة المشتبه به المقدَّمة للقاضي أو المدعي العام ليتعرف إلى سوابقه الأمنية، وهنا تكمن أهمية القيد الأمني». متهم في كل جريمة وسام نصار، 31 عاماً، ارتكب «سرقات صغيرة» قبل سنوات، لكنه، كما يؤكد لـ«ے»، «تاب» عن السرقة، ويحاول الالتزام بعمله وكسب المال بشكل قانوني، غير أنه يرى أن استمرار توقيفه بين فترة وأخرى، يدفعه للتفكير في السرقة مجدداً. عند حدوث عملية سرقة أو سطو في المنطقة، يُجلب وسام إلى المركز الأمني، ويخضع للتحقيق، ثم يُحتجز كمشتبه به. يقول: «أتألم من المشاعر الدونية التي يسببها لي رجال الأمن. يضعونني دائماً موضع الاتهام والمذنب رغم أني بريء، وكأن المطلوب مني أن أتحمل مسؤولية كل جريمة أو سرقة تقع في وسط البلد». ملف وسام في المراكز الأمنية مليء بعشرات القيود الأمنية، ويعتقد أنه ليس عدلاً أن يحاسَب بناءً على قيود سُجلت بحقه قبل عشر سنوات. يُفرض على وسام عدم التجوال بعد السادسة مساء، والالتزام بالتوقيع في سجلات مركز أمن فيلادلفيا ظهراً. وهو يروي واحدة من الحوادث التي جرت معه: «قُبض علي في منطقة الأشرفية، غير المنطقة التي أواظب فيها على إثبات وجودي، وتم اقتيادي إلى وسط المدينة، واعتُبرت حالتي: تغيير اتجاه، وكأني سيارة تكسي خارج العاصمة، هل هذه إنسانية؟». يخضع صاحب القيد الأمني إلى التوقيف الإداري في حال ثبت تورطه في قضية ما، وعندها يُقرَّر توقيفه لأسبوع أو شهر أو لمدة غير محددة، أو إخضاعه لإثبات وجوده يومياً، وفق ما يراه الحاكم الإداري. يبرر الطراونة تطبيق القيد الأمني، بقوله إنه ينظم القيود الجرمية الجنائية. «يلجأ القاضي إلى القيد الأمني بعد ثبوت تهمة تكرَّرَ فعلها، وأصدر بحقها عقوبة». ويتحدث عن تعديلات مطروحة على قانون أصول المحاكمات الجزائية، بحيث يأخذ القاضي بمبدأ السّجل العدلي إذا كان الشخص محكوماً، وأن لا تخفَّض عقوبته عن الحد الأعلى، وهذا يتعلق بالقضايا الجنائية. لـ«الخروج من عنق الزجاجة»، يبين الطراونة أنه يمكن لصاحب القيود الأمنية الملتزم بالقوانين أن يلجأ لقانون «إعادة الاعتبار»، ويتقدم للمدعي العام بطلب شطب قيوده الأمنية، بشرط أن يكون ملتزماً لمدة عام أو عامين، وفقاً لنوع الجرم، بعدم ارتكاب أيَّ جرم مخل بأمن المجتمع. تُعدّ تكلفة الطعن التي تصل إلى 500 دينار، من العوائق التي تقف أمام صاحب القيد الأمني. وتوضح رئيسة قسم مراكز الإصلاح والتأهيل في المركز الوطني لحقوق الإنسان، نسرين زريقات، أن قانون منع الجرائم يمنح الحكام الإداريين صلاحيات قضائية تتمثل بالقرارات الإدارية، وأي مواطن يفكر بالطعن لدى محكمة العدل العليا، سيتحمل الرسوم، وهو ما يشكل عائقاً أمام كثيرين. احتجاز إداري من دون تهمة واحد من بين خمسة أشخاص في السجون يخضع للاحتجاز الإداري، نتيجة تراكم قيوده الأمنية، وفق منظمة هيومن رايتس ووتش التي طالبت الحكومة الأردنية في تقريرها الأخير (2009) بضرورة إلغاء قانون منع الجرائم. قبل ذلك، طالب المركز الوطني لحقوق الإنسان في تقريره الخامس، العام 2008، بإلغاء قانون منع الجرائم، لما يشكله من انتهاك لحقوق الإنسان. يسمح قانون منع الجرائم لسنة 1954 للحكام الإداريين، باتخاذ إجراءات بحق الأشخاص الذين «على وشك ارتكاب أي جرم، أو المساعدة على ارتكابه»، ومن «اعتاد» اللصوصية أو إيواء اللصوص أو المساعدة على إخفاء الأموال المسروقة، أو كل من كان في حالة تجعل وجوده طليقاً بلا كفالة «خطراً على الناس». ويتبين من أحكام للمحاكم ومقابلات أجرتها هيومن رايتس ووتش، أن الحكام الإداريين يلجأون، في أغلب الأحيان، إلى التذرع بالفقرة الأخيرة من القانون. وفقاً للمنظمة، فإن الحكام الإداريين «يطبقون قانون منع الجرائم بأساليب تخرق الإجراءات الواردة في ذلك القانون». كريستوف ويلكي، الباحث الأول في المنظمة، يرى أن الانتهاكات تبدأ عندما يجري التوقيف الإداري لقضايا أصولها جزائية. يقول لـ«ے»: «هناك أمر غريب في تطبيق القانون، حيث يتم توقيف أشخاص لكونهم ارتكبوا جريمة، والأصل أن يحوَّلوا إلى القضاء، لا إلى الحاكم الإداري». تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان المشار إليه، تناولَ جملة انتهاكات وقعت بحق مواطنين طوال العام 2008 كان سببها ذلك القانون. وأقرّ رئيس المركز عدنان بدران، خلال إعلانه عن التقرير، بـ«تطور سلبي» طرأ على بعض القوانين، مثل استمرار العمل في قانون منع الجرائم. صلاحيات فضفاضة للحاكم الإداري بدران كان أكد في المؤتمر الصحفي الذي عُقد للإعلان عن تقرير المركز الوطني، أنه «لا بد من وضع ضوابط لقرارات الحكام الإداريين». يتوافق موقف المركز مع تقرير هيومن رايتس ووتش التي رأت في تقريرها المشار إليه أن أحكام قانون منع الجرائم «فضفاضة»، وتطبيقها «تعسفي» على السواد الأعظم من الحالات. «من الناحية العملية ليست هناك رقابة قضائية حقيقية على قرارات الحكام الإداريين، بسبب ارتفاع الرسوم»، تقول زريقات التي ترى أن هذا يساهم في تجاوزات يسببها القيد الأمني ومسوغاته «الفضفاضة جداً». «عدم اتباع الأصول القانونية في قانون منع الجرائم يتسبب في حدوث أخطاء»، تقول زريقات، وتسجل في هذا السياق مخالفات، من بينها قيام الحاكم الإداري بإصدار إقامة جبرية بحق مواطن دون إصدار مذكرة حضور. يكشف تقرير المركز الوطني عن «توقيف أشخاص دون مراجعة الحاكم الإداري، بناء على تنسيبات من بعض الأجهزة الأمنية»، ويرى التقرير أن «الإقامة الجبرية بناءً على تنسيبات من الأجهزة الأمنية، هي صلاحيات كبيرة جداً، وتتناقض مع معايير حقوق الإنسان». يستمر الحكام الإداريون –وفق التقرير- بإبعاد الموقوفين إدارياً إلى مناطق بعيدة عن مكان سكن عائلاتهم، رغم توزع السجون في معظم المحافظات، وبما يرتب تكلفة مالية ومعنوية إضافية على أسرهم، بخاصة عندما لا تُخطَر أسرهم مسبقاً بنقلهم بشكل مفاجئ من سجن لآخر، أو من مركز توقيف لآخر. يرى المركز الوطني لحقوق الإنسان، في قبْض الضابطة العدلية على المشتكى عليهم، وحجز حريتهم، خرقاً لقانون أصول المحاكمات الجزائية والمعايير الدولية للحرية والأمان الشخصي، يتمثل في: عدم التقيد بالضوابط والقيود القانونية الخاصة بمدة القبض التي حددتها المادة 100 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، ولجوء الأجهزة الأمنية إلى حجز الأشخاص بعد الإفراج عنهم بالتنسيب إلى الحكام الإداريين. في العام 2008 وصل عدد المحتجزين إدارياً في البلاد إلى 11870 حالة، حُوّلت غالبيتها بأوامر من حكام إداريين، بما يشكل خرقاً لحقوق الإنسان. بينما تعلن منظمة هيومن رايتس ووتش عن وصول عدد الموقوفين إلى 14053 موقوفاً إدارياً في العام نفسه، لكن هذا الرقم أقل مقارنة مع العام 2006 الذي بلغ عدد الموقوفين فيه 20071 موقوفاً. |
|
|||||||||||||