العدد 9 - العالم
 

لدى النظر إلى المراجعات التي تناولت أداء إدارة أوباما في الموضوع العربي-الإسرائيلي خلال الأشهر الثلاثة عشر الأخيرة، يتضح أن الكثيرين قد أعطوا للإدارة علامات عالية في ما يخص الانتباه والجهد، لكن تلك المراجعات منحت تقييماً أقل كرماً بكثير حين تعلق الأمر بالنتائج التي تمخض عنها ذلك.

كان الرئيس قد ابتدأ بخلق آمال عريضة بفضل ما دافع عنه. ورغم صعوبة الوقوف على ما كانت نواياه بالضبط، فإن الحقيقة هي أنه اختار يوم أدائه قسمَ تولّي المنصب في العشرين من كانون الثاني/يناير 2009، أن يذكر اسمه الأوسط «حسين». وفي خطاب تنصيبه، ألمح بوضوح للمسلمين في كل أنحاء العالم، بأن الولايات المتحدة، تحت إدارته، ليست معنية باستكمال مسار سلفه الميال إلى شن الحروب أو احتلال البلدان في أنحاء العالم، وإنما ستكون أكثر تركيزاً على الانفتاح، ومد اليد، والاتصال بالعالم المسلم على أساس الاحترام المتبادل. وقد أوحت نبرة ذلك الخطاب بفكرة مصادقة الجماهير التي لديها مخزون كبير من الهواجس جرّاء كلمات إدارة بوش وأفعالها طوال فترة امتدت ثماني سنوات.

من المنظور العربي والإسلامي، بدا أوباما كأنه يقول الأشياء المناسبة، للجمهور المعنيّ، وبالطريقة الصحيحة. وساد الافتراض بأن إدارته سوف تقرن كلماته بالأفعال على الأرض.

وفي اليوم الثاني من إدارته، عمد أوباما إلى تسمية السيناتور السابق جورج ميتشيل ليكون مبعوثاً خاصاً للشرق الأوسط. ميتشيل، الذي لم يكن سيناتوراً سابقاً يحظى باحترام الأطراف كافة فحسب، وإنما كان شخصاً قادراً على دفع أطراف عملية السلام في إيرلندا الشمالية إلى توقيع اتفاق يوم الجمعة العظيمة العام 1998، بدا تعيينه مبشّراً بالخير لأولئك الذين تعبوا من الصراع وسعوا إلى إحلال السلام في المنطقة ومن أجلها.

ثم قام أوباما نفسه بجولة في الشرق الأوسط، وزار مصر وتركيا. وقد استضافته جامعة القاهرة وجامعة الأزهر، التي قال إنها ظلت على مر التاريخ «منارة للتعليم الإسلامي». وقد تضمنت كلمته في جامعة القاهرة في حزيران/يونيو 2009 بعنوان «بداية جديدة»، رغبته في إعادة تعريف العلاقة بين الولايات المتحدة والمسلمين في العالم. وسوف تقوم البداية الجديدة على «المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل، وعلى حقيقة أن أميركا والإسلام ليسا حصريين، ولا ينبغي أن يكونا في حالة تنافس».

أوضح أوباما بجلاء أنه يتحدث بوصفه ابناً لرجل كيني تضم عائلته «أجيالاً من المسلمين»، وقال إن أميركا والإسلام يتقاسمان مبادئ مشتركة حول العدالة والتقدم والتسامح وكرامة الإنسان. وقد عكست نظرته العالمية التي أعرب عنها في القاهرة، تلك السنوات التي قضاها في إندونيسيا، حيث كان يسمع دعوة المؤذن إلى الصلاة في الفجر والغروب. وكان هذا رئيساً أميركياً يعتز بالإسهام الذي قدمه الإسلام إلى العالم، واعتقدَ أن الإسلام جسّد بالأقوال والأفعال «إمكانيات التسامح الديني والمساواة بين الأعراق».

بشكل أكثر تحديداً، وعلى الجبهة العربية-الإسرائيلية، راعى أوباما عواطف كلا طرفَي الصراع وآمالهما، ومثل الكثيرين من أسلافه، شدّد على قوة الرابطة الأميركية-الإسرائيلية، واصفاً إياها بأنها «غير قابلة للفصم»، وقال إن تهديد إسرائيل بالدمار أمر «خاطئ بشكل عميق».

وعلى الناحية الأخرى، كما قال، عانى الفلسطينيون في سعيهم نحو إقامة وطن، وهم يستمرون في تحمل الإهانات اليومية الناتجة عن الاحتلال، مما يجعل وضعهم غير قابل للتسامح بشأنه. وأكد أن أميركا لن تدير ظهرها لتطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة من أجل تحقيق الكرامة، وإقامة دولته الخاصة.

مع ذلك، ورغم التوجه الإيجابي الذي انطوى عليه تجاه المنطقة، ورغبة التواصل التي عبّر عنها ببلاغة بالكلمات، أعطيت لأوباما علامات منخفضة، بل و«رسوباً» صريحاً، كما يقول بعضهم في ما يخص معالجة إدارته للصراع العربي-الإسرائيلي. ونتيجة لذلك، يتساءل بعضهم عن السبب في أن الرئيس، المعروف بمقاربته الجادة والذكية والمثابرة للقضايا المعقّدة، وبعنايته بالتفاصيل في تحضير واجباته قبل مواجهة أي تحدٍّ، قد سمح لإدارته بأن ترتكب سلسلة من الأخطاء على الجبهة العربية-الإسرائيلية، التي يمكن النظر إليها بوصفها تَراجُعاً أكثر من كونها تقدماً، بخاصة أن مرور الزمن ليس في صالح السلام.

لا شك في أن أوباما قد ورث وضعاً لا يُحسد عليه على الجبهة الداخلية، مع خلفية من التحدّيات الإضافية على المستوى الدولي.

فعلى المستوى المحلي، كان الاقتصاد هو المشكلة الأكثر وطأة التي تواجهه أمام ناخبيه عبر أميركا بكاملها. وعلى الصعيد الدولي، بدا الإرث الذي تركته إدارة بوش عندما تولى أوباما المنصب، يمثل عبئاً كبيراً على كاهله. فقد تمكنت إدارة جورج بوش الابن من تغيير سمعة أميركا وصورتها حول العالم. وكانت المهمة الصعبة الأولى لأوباما هي تغيير ما أصبح علامة مخجلة لأميركا عالمياً. وبإمكانه القيام بذلك مستخدماً الفعل والقول معاً.

وفي منطقة الشرق الأوسط، حيث للرمزية وزنها، نجحت كلماته وأطروحاته في بناء قدر ملموس من النوايا الطيبة تجاهه كرئيس. وقد هتف أحد المستمعين بينما كان الرئيس يلقي كلمته في القاهرة: «باراك أوباما، إننا نحبك».

مع ذلك، وبينما يصح القول إن أوباما قد سهّل وصوله إلى المنصب بصناعة الأمل في الوطن، والنوايا الطيبة والآمال الكبيرة في العالم العربي، فإن الإدارة لم تمتلك بالضرورة، كما يقول خبراء، إدراكاً كافياً لما يمكن أن تكون عليه طبيعة المقايضات. وكان أوباما قد قال إن الحل الوحيد للصراع العربي-الإسرائيلي هو «الوفاء بتطلعات كلا الطرفين من خلال إقامة دولتين». وفي القاهرة، أفصح عن نيته السعيَ، شخصياً، إلى تحقيق تلك النتيجة «بكل الصبر والإخلاص اللذين تقتضيهما المهمة».

وهناك، أشار إلى الالتزامات التي كانت الأطراف نفسها قد وافقت عليها في خارطة الطريق، وبدا أنه يشير إلى المناطق التي ستتوجه إليها أولى جهود إدارته: «حتى يأتي السلام، فإن الوقت قد حان حتى نتحمّل (الأطراف المعنية)، ونحن جميعا، مسؤولياتنا».

ويعتقد المحللون أن التحدي على الجانب العربي يكمن في اعتقاد العرب أن ثمة حاجة إلى معرفة ما يمكن أن تنتهي إليه المفاوضات، من خلال التزام أميركي واضح. ويمكن أن يتوازى التحديد الأوضح لملامح نهاية اللعبة مع ما كان الرئيس بيل كلينتون قد اقترحه قرب نهاية فترة إدارته. أما العنصر المفقود في «معايير كلينتون»، أي المكوّن الإقليمي، فيمكن تضمينه في العملية من خلال المبادرة العربية للسلام. وإذا ما تم تحديد معايير نهاية اللعبة، فسيكون بالوسع صياغة التفاصيل، مع تفعيل خبرة ميتشل في حل النزاعات المستعصية في سياق أكثر إيجابية. ومن دون معرفة ما يقع في نهاية النفق، فإن الجانب العربي لن يكون راغباً بالانخراط في «إجراءات بناء الثقة»، بخاصة وأن العرب كانوا قد فعلوا ذلك في الماضي من دون تحصيل شيء يعرضونه لمواطنيهم أو يقدمونه لهم.

وكما كان واضحاً لبعض المحللين، فقد فات على الإدارة إدراك أن العودة إلى طريقة التدريج والبناء التراكمي لن تسفر عن النتائج المرجوة. وقد تم تجريب ذلك لأكثر من 18 عاماً، بدءاً من مؤتمر الشرق الأوسط للسلام في مدريد العام 1991، من دون الوصول إلى حل شامل للصراع. وفي العالم العربي، كان هناك القليل من الرغبة في العودة إلى «تدريجية» الإدارة السابقة.

وخلال زيارته إلى السعودية، أثار أوباما قضية إجراءات بناء الثقة، وتفاجأ عندما كان رد الفعل أقل حماسةً مما توقَّع. أما فكرة الطلب إلى الحكومة الإسرائيلية تجميد الاستيطان في مقابل فتح المجال الجوي السعودي أمام الجوية الإسرائيلية، فكان واضحاً أنها لا تشكل نقطة انطلاق مناسبة لكلا الطرفين، ما يجعل المرء يتساءل عما كانت الإدارة تفكر فيه عندما اقترحت هذا الأمر.

ما جعل الأمور أكثر صعوبة، حقيقة أن الإدارة تراجعت عن مطلبها منذ البداية بتجميد الاستيطان، مما أدى إلى تراجع مصداقية البيت الأبيض، وجعل من المستحيل سياسياً على الفلسطينيين العودة إلى المفاوضات، قبل تجميد الاستيطان. وقد بدت الإدارة كأنها قد حشرت نفسها في زاوية. وبينما ظنت واشنطن أنها تنتقل خطوة للأمام مع الفرقاء، انزلقت الأمور فعلياً إلى الوراء، بخاصة أن عنصر الوقت كان يحول دون التوصل إلى حل. وقد تبخرت النوايا الطيبة التي سادت في المنطقة عشية تنصيب أوباما، في بلدان المنطقة، حكوماتٍ وشعوباً. ويبدو أن القوة الخطابية لأوباما ويده الممدودة للصداقة والاحترام، لم تُفْضِ سوى إلى القليل من التقدم الملموس على الأرض.

السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي سيفعله البيت الأبيض من أجل تحريك المفاوضات إلى الأمام؟ وبما أن النهج التدريجي لم يسفر عن أي نتائج ملموسة، فهل ستستمر إدارة أوباما في محاولة تطبيق ذلك النهج في المنطقة، أم إنها ستغير المسار والإستراتيجية؟ إلى أي مدى تبدو الإدارة راغبة في تحديد خطوط نهاية اللعبة، والبوح بالمعايير والإجراءات التي يمكن للأطرف أن تصل بها إلى هناك؟

هناك من يروّج في واشنطن لفكرة إصدار الإدارة رسائل ضمانات للفرقاء. ويصبح السؤال عندئذ: هل ستكون تلك الرسائل شبيهة برسائل ضمانات جيمس بيكر التي أعطيت للفرقاء وهم يستعدّون لمؤتمر مدريد، والتي كانت تقول فعلياً لكل طرف ما يريد أن يسمعه؟ أم أن مثل هذه الرسائل ستفي حقاً بمطالب الفرقاء المعنيين؟

ثمة عنصر آخر مهم، هو مستوى الانخراط الذي ترغب الإدارة في الإعراب عنه والالتزام به. هل سيظل الصراع العربي-الإسرائيلي يدار من جهة ميتشيل وفريقه، أم أننا سنرى انخراطاً نشطاً من جانب وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون والرئيس نفسه، كما كان الأخير قد وعد في القاهرة؟ هل يمكن أن يكون تفكير الرئيس هو أنه سينخرط فقط في حال أخفق فريقه في إنتاج شيء على مستوى ميتشيل؟ وإذا ما وضعت الإدارة موضوع إصلاح نظام الرعاية الصحية في أميركا خلفها، هل سيكون أوباما راغباً في تخصيص مزيد من الوقت لعملية صنع السلام في الشرق الأوسط؟

هناك من يخمّن أن أوباما يشعر بالاستياء من أداء فريقه، أو بالأحرى، من إخفاق الفريق في خلق تقدم ملموس حتى اليوم. وربما يكون أوباما مدركاً لحقيقة أن نهج «الحل التدريجي» الحالي لم ينفع، وأن الوقت قد حان لوضع إستراتيجية يكون من شأنها تغيير الناتج في المنطقة، ورفع درجة تقديره إلى علامة أعلى تكون مرغوبة أكثر في شهادته الدولية.

أخيراً، ثمة عنصر في المسرح السياسي بواشنطن، يبدو أكثر وضوحاً مما كانت عليه الحال عندما كان أسلاف أوباما في المنصب؛ إن عناصر مهمة في المجتمع الأميركي اليهودي وفي الكونغرس، أصبحوا يشعرون الآن أن حل الدولتين لا يشكل تهديداً لإسرائيل، وإنما يشكل مصلحتها نفسها. وقد أصبح هذا التوجه واضحاً أكثر في واشنطن، مما يؤكد حاجتها إلى تبني نهج أكثر فعالية للتأثير على حل إنجاز دولتين، وأن لا تركن إلى مزيد من الانتظار. ويمكن للرئيس أن يستفيد جيداً من ذلك الوضع لمنحه دعماً سياسياً إضافياً ودعماً في داخل واشنطن، بخاصة في حال قرر التدخل شخصياً، وبشكل مناسب، وترجمة كلماته في القاهرة بأفعال في واشنطن، وأن لا يقبل بـ«لا» كإجابة من أيٍّ من الفرقاء.

إذا كان أوباما يرغب في محاولة التأثير على التغيير في الشرق الأوسط، وأن يعطي لصنع السلام دفعة جدية، فإنه سيحتاج إلى إثبات أنه يضع ثقله بكامله وراء الجهد، من أجل ترجمة كلماته إلى نتائج، وأن يضع معايير كلينتون ومبادرة السلام العربية على المائدة، وأن يضغط على الفرقاء في حال عدم تجاوبهم. وسيفعل الرئيس حسناً إذا ما جسّد ما ينبغي فعله في هذه الفترة من إدارته، بدلاً من الانتظار، كما فعل أسلافه، حتى آخر سنة لهم في المنصب.

أوباما والشرق الأوسط: سنة مرّت بلا تغيير فإلى متى الانتظار؟
 
01-Mar-2010
 
العدد 9