العدد 9 - الملف
 

أحدث ضحايا الاستخدام الفالت من عقاله للسلاح، طفلة مادباوية لم تبلغ من العمر سوى سنة وثمانية أشهر، لقيت حتفها يوم 20 شباط/فبراير على أثر إصابتها بعيار ناري طائش في الرأس، بينما كانت تلعب مع أختها أمام المنزل. وتنقل الصحف الأردنية بانتظام قصصاً مؤلمة عن أشخاص وقعوا ضحايا إطلاق الرصاص عشوائياً في الأعراس وغيرها من المناسبات.

السلاح الذي يقتنيه المواطنون نوعان: نوع مسموح به أو مرخص قانونياً، ونوع آخر غير مرخص، مصدره التهريب وتجار بيع الأسلحة غير المرخصين.

ضابط متقاعد في الأمن العام طلب عدم ذكر اسمه، تحدث لـے عن مناطق الانتشار الكثيف للأسلحة في المملكة، مشيراً إلى أن «أهمها في معان، واللبن، وسحاب»، حسب تأكيده، لافتاً أيضاً إلى أن من بين أماكن انتشار الأسلحة «المناطق التي يغلب فيها الوجود العشائري»، مفسراً ذلك بمكانة السلاح في ثقافة الأردنيين وعاداتهم كرمز للرجولة والشجاعة. لكن الضابط المتقاعد أكد أن «معظم السلاح المهرّب يذهب إلى الدول المجاورة وخصوصاً السعودية حيث يباع فيها بأسعار عالية جداً».

يجيز قانون الأسلحة رقم 34 لسنة 1952 وتعديلاته للمواطنين، ممن تنطبق عليهم شروط الترخيص، اقتناء مسدسات وبنادق صيد فقط. أما الأسلحة الأوتوماتيكية الرشاشة، فلا يسمح بترخيصها إلا في أضيق حدود، وتتطلب قراراً من وزير الداخلية شخصياً، فيما تتولى مديرية الأمن العام ترخيص الأسلحة الأخرى.

المطلوبون للأمن بتهم حيازة أسلحة غير مرخصة أو الاتجار بالسلاح هم من الفئات الرئيسية التي تشملها الحملة الأمنية في كافة مناطق المملكة منذ أواخر العام 2009،

«تاجر أسلحة» غير مرخص، رفض الكشف عن هويته لأسباب واضحة، أعرب لـے عن قناعته بعدم وجود تجارة حقيقية للسلاح في المملكة، رغم وجود أسلحة غير مرخصة تقليدية مثل المسدس وبندقية الصيد، وأخرى أوتوماتيكية، موضحاً أن «الأردن ليست سوقاً مفتوحة للسلاح نظراً لأن معظم السلاح الذي يدخل إلى البلاد مهرباً، يعاد بيعه في دول مجاورة»، مؤكداً ما ذهب إليه ضابط الأمن المتقاعد.

وزير الداخلية الأسبق سمير الحباشنة، أكد أن تجارة السلاح هي كباقي أنواع التجارات موجودة في الأردن، وجزء كبير منها «يخرج إلى جهات غير معلومة خارج البلاد»، مؤكداً أن الأجهزة الأمنية الرقابية على الحدود تتمتع بقدرة عالية من الجاهزية، ولذا فإن وجود السلاح غير المرخص في الأردن لا يعني ضعفاً في الرقابة بقدر ما يعكس تطوراً متسارعاً في أساليب التهريب.

«تاجر الأسلحة» المذكور يختلف مع الحباشنة في تقييم فعالية الرقابة الحدودية، مؤكداً وجود ضعف في الرقابة، ويستدل عليه بعمليات التهريب سواء استقرت الأسلحة في البلاد أو أخرجت منها، مضيفاً أن «عمليات تهريب عديدة تنجح بمساعدة متنفذين»، دون مزيد من الإفصاح.

«وسيط» لتجارة السلاح، حسبما وصف نفسه، اشترط عدم التعريف بهويته، بدعوى «ما بدي تخربوا بيتي»، تردد كثيراً قبل أن يتحدث إلينا عن أنواع الأسلحة المتداولة في السوق، وأوضح أن أغلب الأسلحة الموجودة والتي تباع في أنحاء مختلفة من المملكة، هي «المسدسات بأنواعها وبنادق الصيد، وبعض الأسلحة الأوتوماتيكية مثل الكلاشينكوف، وإم 16، ورشاش 500، وبعض المتفجرات محدودة التداول مثل قاذف آر. بي. جي، والقنابل اليدوية».

وأضاف «الوسيط» أن القسم الأكبر مما يدخل البلاد من أسلحة يذهب إلى الخارج، لافتاً إلى «الارتفاع الكبير في أسعار السلاح في الآونة الأخيرة لازدياد الطلب عليه خارج البلاد»، مشدداً على أن الجهات الأمنية والقضائية لا تفرق بين من يتاجر بالسلاح غير المرخص، وبين من يضطر إلى بيع قطعة سلاح يقتنيها.

«تاجر السلاح» يرى أنه «لا وجود لتصنيع السلاح في الأردن، وأن ما يتم تداوله محلياً هو جزء بسيط من الأسلحة المهربة أو المسروقة. أما أغلب الأسلحة المباعة، فهي للاقتناء الشخصي، حيث يفضل أغلب الناس حيازة السلاح في منازلهم لتوفير الحماية والإحساس بالقوة ورفعة الشأن، ولاستخدامها أيضاً في الأفراح، بحسب ما أفاد به «تاجر السلاح».

«الوسيط» يعزو للفقر الذي كما يقول «سبب كل علّة» عمله في هذه «المهنة» الخطرة. ويضيف بأن ما دفعه في هذا الاتجاه هو «الحاجة وقلة العمل»، مؤكداً أنه لم يجد عملاً طوال خمس سنوات، إلى أن وجده في هذا الشغل المريح والذي يدر عليه ربحاً وفيراً رغم خطورته.

وفي سياق آخر، فإن محامياً يترافع في قضايا جرمية طلب عدم الكشف عن اسمه، قال «إن المنع الذي تقوم به الأجهزة الأمنية على السلاح هو منع صوري»، مدعياً بأن أغلب الأسلحة الموجودة غير مرخصة قانونياً، الأمر الذي أسهم في زيادة أعداد الجريمة في الآونة الأخيرة بنسبة 4.9 في المئة عام 2008، حسب تقديره، داعياً إلى إعادة النظر في تشريعات حيازة الأسلحة وتشديد مراقبة الحصول على السلاح بين يدي الأفراد.

وفي هذا الاتجاه، أكد الحباشنة أنه «يجب أن يكون هناك دور أقوى للقانون في مثل هذه الحالات»، داعياً إلى وقوف كافة مؤسسات الدولة الرقابية جنباً إلى جنب للحد من انتشار وتوسع هذه التجارة للقضاء عليها كلياً، ولافتاً إلى أن هذه التجارة المتعلقة بالتهريب ترتكز على الاحتراف العالي، ما يتطلب من المؤسسات المعنية زيادة التدريب والتطوير والتحديث لمواكبة هذا النوع من الحرفية.

تجارة السلاح: التهريب يمدّها بالحياة
 
01-Mar-2010
 
العدد 9