العدد 9 - الملف
 

«إذا تريد سيارتك تعال إلى منطقة (...) ومعك 1700 دينار». هذه خاتمة لحوار مع أصحاب «صنعة» جديدة: يسرقون السيارات ويتفاوضون مع أصحابها مقابل مبالغ مالية تقل عن ثمنها الحقيقي بعد تجريدها من محتوياتها الثمينة. هذا بعض ما تتعرض له سيارات مسروقة بلغ عددها 2593 سيارة العام 2009، حسب مصادر الأمن العام.

ضحايا سرقات السيارات يقولون إن «تلك العصابات تستهدف السيارات الحديثة والفارهة»، ويؤكد بعضهم الآخر معرفة السلطات بأماكن وجود تلك السيارات دون أن تتمكن من إعادتها إليهم، رغم أن اللصوص موجودون بشكل منظم في مناطق معروفة لأفراد الأمن العام.

مصدر أمني طلب عدم الكشف عن اسمه، ألمح إلى وجود «تحالفات بين أفراد تلك العصابات فيما يتعلق بإخفاء المسروقات وكيفية تصريفها وبيعها»، فضلاً عن «مساعدة بعضهم بالتواري عن الأنظار».

مدير مكتب أشغال الحسا، عبد الحميد الطراونة بيّن أن إحدى دوريات الأمن العام ألقت القبض في شباط /فبراير 2010 على سارق سيارة حكومية نوع فورد، موديل 2006، تعود للمؤسسة التي يديرها.

وذكر أن «يقظة» أفراد الدورية مكّنتهم من الاشتباه بأمر المركبة عندما حاول سائقها تغيير مسار الطريق الذي يسلكه في منطقة الحسا، جنوب المملكة، بعد منتصف الليل، لتتم مطاردته، وليتبين فيما بعد أن المركبة مسروقة ومعممٌ عليها.

المسؤول نفسه فوجئ أن المركبة غير مرخصة، ولم يفهم السبب إلا بعد أن كشفت التحقيقات الأولية أن اللصوص استبدلوا بـرقمَي محرك المركبة والشاصي رقمَين آخرين، بهدف تغيير ملامح المركبة وهو ما كشف عنه مختصون بعد إلقاء القبض عليها، دون أن يتضح مزيد من التفاصيل سوى أن سائقها السارق الذي يقيم في إحدى محافظات الوسط، مطلوب في العديد من القضايا الجرمية.

طالب عربي يدرس في جامعة خاصة تقع على طريق جرش، فوجئ عندما عاد إلى مسكنه في منطقة الجبيهة بسرقة سيارته اليابانية، موديل 2004، يوم 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2009.

يقول الطالب لـے: «تلقيت اتصالاً هاتفياً صباح اليوم التالي للحادثة من شخصٍ لا أعرفه؛ يبلغني أنه اشترى سيارتي من أشخاص بمبلغ 1700 دينار، وهو لا يعلم أنها مسروقة، وسيحاول أن يسترد ماله منهم»، كاشفاً له عن مكان وجود السيارة.

وأضاف: «بعد فترة بسيطة اتصل بي مرة أخرى وقال «إذا تريد سيارتك تعال إلى منطقة سحاب ومعك 1700 دينار أردني»، مشيراً إلى أنه قام على الفور بإبلاغ المركز الأمني في منطقته بما حدث؛ لتكون إجابتهم: «لا نستطيع الذهاب إلى هناك، وأخبر من اتصل بك أن يحضر إلى عمّان».

وتابع الطالب: «اتصلت بمن طلب مني المال وأخبرته بأنني لا أستطيع الذهاب إلى سحاب، واقترحت عليه الحضور إلى عمّان فرفض رفضاً قاطعاً»، وقلت له: «إذا كنت تريد المبلغ فليكن لقاؤنا في عمان، وإلا فلا».

وذكر الطالب صاحب السيارة أنه عاش لحظات صعبة في ظل التقاعس عن الكشف عن هوية السارق الذي كان يحدّثه عن طريق الهاتف دون أن يستطيع أن يفعل شيئاً.

عضو في مجلس الأعيان السابق، أكد في حديثه لـ ے أن إحدى هذه العصابات قامت بسرقة سيارتين له من أمام منزله في منطقة خلدا؛ الأولى في منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2008، وهي من نوع مرسيدس E200، موديل 1999 حيث تمت إعادتها في اليوم الثاني بعد أن قدّم شكوى لإدارة الأمن الوقائي، ليجد مركبته في إحدى مناطق محافظة البلقاء، من دون أن يتم القبض على السارق.

أما السيارة الثانية، دبل كبين، موديل2007، فقد تمت سرقتها، من قبل العصابة ذاتها.

وذكر انه أجرى مفاوضات مع أفراد العصابة لتسليمهم مبلغاً من المال يصل إلى 1500 دينار لقاء استعادة المركبة التي يزيد ثمنها على 15 ألف دينار.

وفي الحي الشرقي بمدينة إربد، تعرضت ثلاث عشرة سيارة دفعة واحدة في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2009، إلى تهشيم زجاجها وسرقة محتوياتها من مسجلات ومبالغ مالية ومقتنيات شخصية، كما روى أحد المواطنين ممن تعرضت مركباتهم للسرقة بعد أن لحقت بها أضرار.

ابنة وزير سابق كشفت أنها تعرضت في تموز/ يوليو 2009 لسرقة سيارتها أثناء دخولها أحد الأسواق، بعد أن قامت بإعطاء مفاتيح سيارتها لـالفاليه المعني بصف السيارات؛ لتفاجأ بأنه قادها خارج منطقة المول و«شحط» بها؛ قبل أن يُلقى القبض عليه بالصدفة من قبل دورية للشرطة. وقدم والد الفتاة شكوى «سوء ائتمان بحق هذا الموظف» .

وعودة إلى المصدر الأمني نفسه؛ فإن مديرية الأمن العام كانت قد فرضت أطواقاً أمنية على مناطق متعددة في المملكة خلال الفترة الماضية للقبض على «مجرمين خطرين»، وتركزت الأطواق الأمنية حول: سحاب، اللبن، السلط، الأغوار، الزرقاء، الأزرق، البقعة، إضافة إلى ثلاث مناطق في الشمال. وقال إن «البؤر الساخنة كانت تستغل من قبل المطلوبين في قضايا المخدرات والاحتيال وسرقة السيارات، الأمر الذي أصبح يشكل خطراً على أبناء تلك المناطق».

وكشف عن المباشرة بتنفيذ حملة للقبض على المطلوبين الخطرين وتحديداً في قضايا سرقة السيارات وقضايا المخدرات في سائر محافظات المملكة، والقرى النائية والمناطق المحيطة بتلك المحافظات.

المصدر الأمني، الذي طلب عدم نشر اسمه، أقرّ بوجود «عصابات مسلحة» متخصصة في سرقة السيارات، وبيعها لأصحابها أحياناً بعيداً عن أنظار الشرطة، مستدركاً أن الأجهزة الأمنية تعالج مثل تلك القضايا «بطرق استخباراتية بعيداً عن المواجهات المسلحة».

ولفت إلى أن سرقة السيارات تتم في المحافظات المكتظة، وتحديداً في العاصمة عمان، من قبل أشخاص متخصصين، حيث يقوم الواحد منهم بسرقة السيارة، وبيعها لأشخاص أو وسطاء، بثمن بخس يتراوح بين 200-400 دينار، ومن ثم يقوم الوسيط ببيع المركبة المسروقة في خارج مراكز المحافظات.

وأشار المصدر إلى أن هؤلاء الأشخاص يتواجدون في مناطق متعددة، ومنهم من يحوز أسلحة أتوماتيكية، حيث يعملون على تغيير أوصاف السيارة في ورشات لتصليح السيارات تكون في قرى نائية، ومن ثم تباع السيارة على أنها «فلت»، بعد أن يتم تغيير رقم الشاصي الخاص بالمركبة المسروقة، وتغيير ملامحها الخارجية من خلال تغيير لون المركبة، وإدخال تعديلات على الهيكل الخارجي.

وبيّن المصدر أن بعض المواطنين الذين تتعرض سياراتهم للسرقة «يتعرضون أحياناً لعمليات ابتزاز من قبل السارقين»، مقابل إعادة سياراتهم إليهم.  

الناطق الإعلامي في مديرية الأمن العام الرائد محمد الخطيب اوضح أن مجموع السيارات التي اكتشفت بعد سرقتها العام 2009 بلغ 2263 سيارة من مجموع 2593 سيارة، لافتاً إلى أن التحقيق ما يزال جارياً للكشف عن 330 سيارة.

وأكد الخطيب أن نسبة اكتشاف سرقات السيارات في الأردن هي 87 في المئة، عاداً إياها «أعلى نسبة في العالم».

وذكر أن إدارة البحث الجنائي ولمتابعة قضايا سرقة السيارات تحديداً، شكلت فريقاً خاصاً لملاحقة ومتابعة سارقي السيارات، مؤكداً أن هذه الظاهرة يتم السيطرة عليها ومتابعتها بشكل كبير من قبل الجهات المعنية.

ودعا الخطيب المواطنين ممن تتعرض سياراتهم للسرقة سواء كانت سرقة كاملة أو تفكيك جزء منها إلى الإسراع بالتبليغ عن الحالة في قسم إدارة البحث الجنائي والذي يوجد في داخل كل مركز أمني؛ لاتخاذ الإجراءات اللازمة.

كما دعا المواطنين إلى تفعيل جانب الوقاية بوضع سياراتهم في أماكن آمنة مثل «الكراجات» الخاصة بالعمارات السكنية إلى جانب وضع أجهزة إنذار بداخلها. ومع أنه يترتب على ذلك تكلفة مادية، إلا أنه يسهم في أن يكون للمواطن دور في تقليل حوادث السرقات.

من جانبه أكد مؤيد الكرمي مدير عام إحدى شركات وساطة التأمين الاردنية أن «التأمين الشامل للمركبات يشمل التأمين ضد السرقة»، موضحاً أن «شركات التأمين تتحمل قيمة 50- 100 مركبة سنوياً، جراء تعرضها للسرقة».

وبين أن شركات التأمين تدفع لصاحب المركبة القيمة السوقية للمركبة أو القيمة الواردة في نص عقد التأمين - أيهما أقل- شريطة وجود تقرير من المدعي العام يؤكد مرور 6 أشهر على اختفاء المركبة.

يفاوضونكَ على سيارتك وأنت صاحبها!
 
01-Mar-2010
 
العدد 9