العدد 3 - حريات
 

إقرار مجلس النواب لمشروع قانون الجمعيات لم يحسم المعركة بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني على خلفية المشروع، إذ بدأت جولة جديدة بين الطرفين، في ضوء إصرار ناشطين وحقوقيين على الصمود أمام قانون يرون أنه لا يلبي الحدّ الأدنى من المعايير الدولية، بل هو «تراجع جديد ضمن تراجعات أخرى سجلتها الحكومات الأردنية في مجال حقوق الإنسان»، وفقاً لرئيس منظمة عدالة لحقوق الإنسان، المحامي عاصم ربابعة. أو هو بحسب المديرة التنفيذية بالوكالة لمنظمة «شركاء الأردن»، رجاء الحياري، «قانون عقوبات جماعي».

الجدل الذي تواصل على امتداد العامين الأخيرَين بدأ عندما قدمت حكومة معروف البخيت أواخر أيامها في تشرين الثاني/نوفمبر 2007، مشروع «قانون الجمعيات الخيرية»، الذي جاء ليكون بديلاً عن قانون «الجمعيات والهيئات الاجتماعية» للعام 1966، والذي طُبق لأكثر من أربعين عاماً، لكن حكومة الذهبي، التي ورثته، سحبته سريعاً تحت ضغط منظمات المجتمع المدني المحلية التي رأت أن القانون يمثل خللاً تشريعياً فادحاً، إذ اختص بالجمعيات الخيرية، وترك بقية مؤسسات المجتمع المدني دون مرجعية قانونية.

لكن قانون العام 2008، الذي أجازته حكومة الذهبي بعد جولات ماراثونية من المفاوضات بينها وبين منظمات المجتمع المدني، أثار هو أيضاً معارضة عنيفة، ليس فقط من هذه المنظمات، بل ومن منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش، والشبكة الأوروبية - المتوسطية لحقوق الإنسان، اللتين وجهتا في أيار/مايو 2009 رسالة إلى الحكومة، انتقدتا فيها القانون الذي «يفرض سيطرة حكومية كبيرة على المنظمات الأهلية»، وطالبتاها بـ«سحب المشروع، واستبدال مشروع جديد لقانون الجمعيات للعام 2009، به، يلتزم تماماً بالقانون الدولي لحقوق الإنسان».

بل إن هيومن رايتس ووتش، لوّحت بإمكانية قطع المساعدات المالية عن الأردن، عندما قالت على لسان رئيسة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فيها سارة ليا ويتسن، إن على «الدول التي تقدم المال للأردن أن تشرح لدافعي الضرائب من مواطنيها لماذا تسمح للأردن بالتراجع عن احترام حقوق الإنسان من دون أن تعلن احتجاجها، في الوقت الذي تستمر فيه برفع قيمة المساعدات لها بشكل غير مسبوق».

التجاوزات بحسب المعارضين تمثلت في أن القانون الجديد، بتعديلاته التي تمت العام 2009، أبقى على التقييدات نفسها التي حفل بها قانون العام 1966، ومشروع العام 2007، فالجمعيات مطالبة بالحصول على الموافقة المسبقة على تأسيسها، وللوزير الحق في رفض الطلب دون إبداء الأسباب. ورغم أن القانون الجديد أعطى الجمعيات الحق في الطعن في قرار الوزير أمام محكمة العدل العليا، لكن هذا ليس حلاًّ، كما تقول الحياري، إذ إن «محكمة العدل العليا تستند في أحكامها إلى القانون، والقانون يمنح الوزير صلاحية الرفض دون إبداء الأسباب».

الاعتراض الآخر يدور حول إحكام البنوك قبضتها على المعاملات المالية للجمعيات، فإضافة إلى أن حسابات الجمعيات في البنوك «لا تتمتع بأيّ سرية مصرفية»، فقد أُلزمت الجمعية بأن «تعلن في تقريرها السنوي عن أي مِنح أو تبرعات حصلت عليها من أشخاص أردنيين»، وأن تحصل على موافقة مسبقة من مجلس الوزراء إذا رغبت الحصول على «أي تبرع أو منحة أو تمويل مهما كانت صورته من أشخاص غير أردنيين».

كانت مناقشات حامية دارت في مجلس النواب في تموز/يوليو 2008، أثناء مناقشة المادة 17 من القانون، والتي اشترطت موافقة الوزير المختص لقبول التمويل، وذلك عندما طُرحت مسألة التمويل بوصفها تهديداً لـ«السيادة الوطنية»، فقد اقترح نوابٌ المزيد من التشدد في هذا المجال، عندما صوّتوا لصالح استبدال موافقة مجلس الوزراء بموافقة الوزير، ذلك أن «التبرعات الأجنبية» بحسب النائب عبد الكريم الدغمي أمر «يتعلق بالسيادة، والسيادة لمجلس الوزراء، وسياسة الدولة يقررها مجلس الوزراء، ولا يقررها وزيرٌ وحده». الأمر الذي أفضى فعلاً إلى تعديل المادة.

التمويل الأجنبي بصورته الحالية في الأردن لا يشكل، بحسب ربابعة، تهديداً لمبدأ السيادة الوطنية، لأن «التمويل هنا يأتي، في العادة، من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ويتم في إطار اتفاقيات ترعاها الحكومة».

من جهته، يطالب الناشط في مجال حقوق الإنسان سليمان صويص الحكومةَ أن «تكون قدوة في هذا الجانب»، وذلك تعليقاً على مسألة ربط التمويل بالسيادة. يقول: «تتلقى الحكومة مبالغ كبيرة جداً كمساعدات، ولا أحد يمكن أن ينكر أن هذه المساعدات لا تؤثر في صياغة السياسات، فما التهديد الذي يمكن أن تشكله مبالغ مثل 20 ألف أو 30 ألف يورو تأتي من الاتحاد الأوروبي مثلاً للجمعيات؟». مع ذلك، فإن الحل وفقاً لصويص، هو «وضع معايير وضوابط واضحة لقبول المنح تتوافق عليها المنظمات مع الحكومة، وتلتزم المنظمات بالتعامل وفق مبدأ الشفافية، بحيث تخضع بعد ذلك إلى المساءلة إن انتهكت القانون»، لكن الحكومة، في رأيه، ليست جادة في حلّ المسألة، لأنها ترغب في إبقاء التمويل «سيفاً مسلّطاً على رقاب المنظمات، فتمنح موافقتها لمن يتفق معها، وتمنعها عن الجمعيات التي يمكن أن ترفع صوتها بالمعارضة».

في هذا السياق، يلفت ربابعة إلى أن مشروعَ قانونٍ تقدمت به مجموعة من منظمات المجتمع المدني العام 2007، إلى ديوان التشريع، في إطار مفاوضاتها مع الحكومة آنذاك، كان قد اقترح فعلاً معايير وضوابط تتعلق بمحاسبة الجمعيات، وإلزامها بالشفافية، وبذلك فإن المنظمات لا ترفض مبدأ المراقبة والمحاسبة، لكنها ترفض مبدأ المراقبة المسبقة، وتطالب بمراقبة لاحقة قائمة على «قواعد واضحة، يكون فيها القضاء هو الفيصل بين الطرفين».

المشروع المذكور كانت تقدمت به منظمة «شركاء الأردن»، بالتعاون مع منظمة «عدالة»، بمشاركة عدد من الخبراء، ومنظمات المجتمع المدني، ولكن الحكومة، كما تقول الحياري، لم تكتفِ بتجاهل معظم المطالب الجوهرية التي تضمنها المشروع، بل عملت على «اجتزاء وتشويه ما نفذته من مقترحاته».

«سجل الجمعيات» مثال على ذلك بحسب الحياري، وهو هيئة اقترحتها المنظمات في محاولة لتخفيف سيطرة وزارة التنمية الاجتماعية على الجمعيات. الهيئة المقترَحة تتمتع باستقلالَين مالي وإداري، وتناط بها مهام تسجيل المنظمات وإشهارها مراقبة عملها، وتوفير الدعم لها، على أن تتشكل من تمثيل حكومي ومدني متوازن، لكن القانون نصّ على أن يتولى «سجلَّ الجمعيات» مراقبٌ يُعيَّن بقرار من مجلس الوزراء بتنسيب الوزير ويرتبط به، ليُفقده بذلك أيَّ استقلال.

رئيس مرصد الإنسان والبيئة، المحامي طالب السقاف، يؤكد ما ذهبت إليه الحياري، ويضيف أن هيئة «سجل الجمعيات» مكونة من 7 ممثلين عن وزارات الدولة، و3 من العاملين في العمل العام، يُعيَّنون بقرار من مجلس الوزراء، ولا يُشترط أن يكونوا من العاملين في منظمات المجتمع المدني».

هذا ما يجعل من «سجلّ الجمعيات» كما تقول الحياري «هيئة حكومية أخرى، تساهم في توسيع رقعة البيروقراطية في البلد».

«صندوق دعم الجمعيات»، مثالٌ آخر كما يرى السقاف، على التشويه الذي تعرضت له مقترحات منظمات المجتمع المدني، فهو أيضاً كان يُفترض به أن يكون هيئة مستقلة مالياً وإدارياً، تتغذى من الموازنة العامة، ومن التبرعات، لكنه في القانون صار جهة تتبع بالكامل لوزارة التنمية التي «تتحكم في موارده المالية، وتقرر من يستحق الدعم من الجمعيات، ومن لا يستحق».

بعد إقرار مجلس النواب للقانون في دورته الاستثنائية الأخيرة، يؤكد نشطاء أنهم لن يستسلموا، بل سيواصلون، كما يقول ربابعة «العمل من أجل التوصل إلى قانون يلتزم فعلاً بحقوق الإنسان».

قانون عقوبات جماعي للجمعيات والهيئات
 
01-Sep-2009
 
العدد 3