العدد 9 - الملف
 

أطفال وشباب في عمر الزهور، يتوزعون على جنبات الشارع لالتقاط كل داخل إليه يبدو غريباً. إنه شارع «الباطنية» في سحاب الذي يتوسط المدينة، وقد أطلق عليه هذا اللقب نسبة إلى «حي الباطنية» في القاهرة، الحي الذي يعدّ وكراً للمخدرات.

«باطنية» سحاب لا يكاد يختلف عن «أخيه» في القاهرة، فمنذ لحظة الدخول إليه تشعر كأنك في منطقة خارج الاردن. «ز.ع»، 45 عاماً، أحد سكان الشارع وصاحب محل فيه، أكد أنه يتم في هذا الشارع العديد من صفقات بيع المخدرات والأسلحة، وأنه يتم عرض بيع الحشيش، والمهربات بأنواعها، وبخاصة «الدخان» على المارة دون التعرف إلى هوياتهم.

ومن أجل اجتذاب الزبون، يتوزع أطفال وشباب لالتقاط أي غريب يدخل الشارع لكي يعرضوا عليه شراء الحشيش أو المهربات. أما الصفقات، فهي تتم خارج الشارع، حيث يؤخذ الزبون إلى مكان تواجد البضاعة في حال بيع «الحشيش»، فيما تباع المهربات مثل الدخان، وأجهزة الاستقبال، والألعاب النارية بكل سهولة ويسر داخل المحال في الشارع ، وخاصة تلك التي تخلو من البضائع.

ويكمل «ز.ع» أن هذا الشارع الذي تربى فيه، وقع فيه العديد من المشاكل والمشاجرات وجرائم القتل، والتي كان أبرزها ما حدث مطلع العام 2009، مقتل شاب عمره 23 عاماً بعيار ناري بسبب الاختلاف مع القاتل على أسعار بيع الحشيش. أما الجريمة التي كانت أكثر إيلاماً للأهالي فهي مقتل طفل في السادسة عشر من عمره طعناً بسكين من قبل شاب عشريني، على أثر مشادة كلامية بين القاتل والمغدور لا سبب ظاهرياً لها. وما أن استدار المغدور مبتعداً عن المكان حتى أسرع القاتل بتوجيه طعنة له في ظهره، وتبين لاحقاً أن القاتل كان تحت تأثير المخدرات.

هذا الشارع وأحياء أخرى مثل «الدخلة» و«الطيارة» و«النهر» و«الدوار»، هي أهم المواقع «الساخنة» في سحاب، المدينة التي ألحقت منذ العام 2007 بأمانة عمان الكبرى، وتعدّ أكبر منطقة صناعية تنموية في الأردن، إذ تبلغ مساحتها 12 كم²، أي ما نسبته 0.7 في المئة من مساحة أمانة عمان الكبرى، وبعدد سكان يتجاوز مئة الف نسمة.

وتعد سحاب أكثر بؤرة ساخنة في المملكة، وتكمن خصوصيتها، كما أكد مواطنون لـے طلبوا عدم ذكر أسمائهم، في الاتجار بالمخدرات وبشكل خاص «الحشيش» دون غيره، واقتناء الأهالي المبالغ به للسلاح.

كما تتميز سحاب بأنها «منطقه حرة»، حيث يستطيع أي شخص شراء ما يرغب من سلع مهربة بأسعار مغرية جداً. غير أنه من المفارقات أنه لا تسجل فيها حالات سرقة سيارات وتغيير ملامحها، كما يحدث في مناطق مجاورة لسحاب وفق تأكيدات المواطنين أنفسهم.

يحيى المحارمة، رئيس نادي سحاب سابقاً وعضو الاتحاد الإردني لكرة القدم، يعزو تدهور الأحوال في سحاب، وتحول بعض ساكنيها إلى تجار مهربات، ومروجي مخدرات أو متعاطين لها، إلى موقعها الجغرافي الذي لعب دوراً في ما آلت إليه، كونها مفترق طرق بالإضافة لقربها من التجمعات الصناعية والجمرك، علاوة على أن الأغلبية الساحقة من «المهربين» ليسوا من أهالي البلدة الأصليين، بل من القادمين الجدد إليها، هذا فضلاً عن «تحول سحاب من منطقة ريفية ذات مجتمع متماسك إلى منطقة صناعية يدخلها ناس كثيرون للعمل»، يضيف المحارمة الذي يرى أن «الفقر والبطالة وضعف الإنتاجية ورغبة بعض الناس في الثراء السريع» هي أيضاً من الأسباب التي تفسر السمات التي اكتسبتها المنطقة.

ويرى أكاديمي طلب عدم ذكر اسمه أن المناطق الصناعية التي هي مصدر للتشغيل وتوليد فرص العمل، لا تخلق تلقائياً مشكلات ذات طبيعة أمنية. ويضيف أن ما يجعل من سحاب منطقة أمنية ساخنة هو «تكاتف جملة ظروف تبدأ بتفكك المجتمع ودخول أعداد هائلة من خارج المنطقة إليها، مروراً بتفشي البطالة والفقر، وانتهاءً بضعف الأجهزة الأمنية فيها وغياب سلطة القانون».

سحاب عُدّت لفترة طويلة منطقة «عصية» على الأمن العام. وكان قبل بدء الحملة الأمنية الموسعة الأخيرة، قد قتل فيها ثلاثة من الشرطة وأصيب رابع في الفترة من 11 تشرين الثاني/نوفمبر إلى 23 كانون الأول/ديسمبر 2009.

الحملة الأمنية في سحاب، بدأت بتطويق مداخل المدينة، ونشر العديد من الدوريات الثابتة للأمن العام والدرك على مداخل المدينة ومخارجها. وفيما برّرت دورية للأمن في المكان هذه الإجراءات بالحاجة إلى محاصرة المطلوبين والإسراع في إلقاء القبض عليهم، وصف بعض الأهالي ممن التقتهم ے منطقة سحاب بأنها «أصبحت كالسجن»، وذلك على خلفية الإجراءات الأمنية التي باتت تشمل التدقيق على السيارات الداخلة إليها والخارجة منها.

وبسبب تطويق الأمن العام والدرك للمنطقة، بدأت عملية مداهمة بيوت المطلوبين حسب قائمة عرضها الأمن العام على وجهاء سحاب تشتمل على 108 مطلوبين في قضايا مختلفة.

الأمن العام تسلح في دخوله إلى البيوت لإلقاء القبض على المطلوبين بقانون أصول المحاكمات الجزائية لسنة 1961، والذي يستثني بعض حالات دخول أحد أفراد الشرطة أو الدرك إلى المنزل دون مذكرة تفتيش، وهي على سبيل الحصر ملاحقة المجرمين أو الإجابة لطلب النجدة من أحد المواطنين.

غير أن الأهالي في سحاب منقسمون حول تقييم الحملة والمداهمات. فقد عبّر مواطنون عديدون عن استيائهم من الحملة الأمنية، واصفين تفتيش المنازل بأنه غير قانوني. ابن أخ أحد المطلوبين الذي حضر تفتيش بيت عمه، قال إن عمليات التفتيش تتم بطريقة عشوائية، وإن رجال الأمن ألحقوا ضرراً ببعض ممتلكات البيت، بعد أن «نفّلوا البيت تنفيلاً»، مضيفاً أن الكلاب البوليسية المرافقة لرجال الأمن سببت الأذى لممتلكات البيت، وأخافت الأطفال.

بالمقابل قال رجل من سحاب وهو شقيق شخص مطلوب ألقي القبض عليه وفُتّش منزله، إن ما يقوم به الأمن العام هو «للحفاظ على الأمن وحماية أبنائنا من سموم المخدرات»، عاداً ذلك بمثابة واجب وطني، مضيفاً أنه يرحب برجال الأمن العام، وأن بيته مفتوح لهم في أي وقت، ونفى وجود مضايقات أو مخالفات من رجال الأمن العام للأهالي خلال عملية التفتيش.

بعض المواطنين رحبّوا بالحملة الأمنية على أمل أن تساعد بإزالة ما يلحق بهم من معاناة، وما لحق بسمعة المنطقة من أذى. ثائر أبو عودة طالب في كلية الإعلام بجامعة اليرموك، ذكر أنه يتكرر على مسامعه أنه ابن منطقة تكثر فيها المشكلات. حتى إن بعض الدوريات على طريق إربد- عمّان والتي توقف الحافلة التي يركبها أحياناً ضمن عمليات تفتيش روتينية، تنظر إليه «نظرة فيها تشكيك» عندما ترى أنه من أبناء سحاب. ولذا يقول «إن سحاب أصبحت عبئاً على أبنائها، وأصبحت بالنسبة إلينا مذمة».

وحول الموقف من الحملة الأمنية، يعتقد المحارمة أن أهالي سحاب «يرحبون دوماً بالأمن العام»، فسحاب «جزء من المنظومة الأردنية وواجب الأهالي مساعدة الأمن العام في الحفاظ على أبنائنا من الوقوع في المشاكل والمخالفات»، وطالب بأن يستمر قيام الأمن العام بهذه الحملات للحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة.

الزميل عمر صبرة من صحيفة الدستور، وهو من أبناء سحاب، يؤيد ما ذهب إليه المحارمة، مؤكداً أنه سمع الأهالي يقولون مراراً وتكراراً في الحديث عن الحملة، «أهلاً وسهلاً، وحياهم الله». وأعرب صبرة عن اعتقاده أن الحملة الأمنية حققت جزءاً كبيراً من أهدافها «كما هو واضح من تغيرات في أجواء سحاب»، مؤكداً وجوب استمرار الحملة الأمنية لكي يتم القضاء على ظاهرة الخروج على القانون.

وللوقوف على الأحوال في سحاب بعد الحملة الأمنية، زارت ے عدداً من الأحياء، فلاحظت اختفاء العديد من المظاهر السابقة مثل تجمع السيارات على دوار سحاب، وتجمع أعداد كبيرة من الشباب لفترات متأخرة في الشوارع.

صاحب مقهي شعبي، شكا من أنه لا يدخل المقهى عدد يذكر من الزبائن. وفي إشارة ذات دلالة أيضاً، قال صاحب محل تجاري أنه لم يعد هناك من يطلب شراء «ورق الأتومان» الذي يستخدم للف «الحشيش».

أطفال من سحاب قاموا بتوزيع الورد على رجال الأمن العام في كل مكان تواجدوا فيه، وذلك بمبادرة ودعم من «منتدى نشامى سحاب» الذي أسسه شباب مثقفون، ومن أهدافه تغيير الصورة النمطية السلبية المشكلة عن مجتمع سحاب.

سحاب على «مفترق طرق» الحملة الأمنية
 
01-Mar-2010
 
العدد 9