العدد 9 - الملف
 

ملامح عقيدة أمنية جديدة بدأت تتبلور لدى أصحاب القرار الأمني في التعاطي مع البؤر الساخنة، تتمثل في جانبها المباشر في تفعيل مبدأ «الأمن الناعم» بالقبض على المطلوبين الخارجين على القانون من خلال التعاون مع الأهالي وتضييق الطوق حولهم، ومن خلال استمرارية الحملة حتى تحقيق أهدافها وفرض سيادة القانون.

فقد شنت قوات الأمن العام والدرك حملة على نطاق واسع شملت المناطق «الساخنة» المستهدفة، وهي بمجملها على أطراف العاصمة عمان باستثناء منطقتي الشونة الجنوبية ومعان، في عملية سعت إلى فرض القانون وهيبة الدولة في تلك المناطق واعتقال عدد كبير من المطلوبين فيها.

قوات الأمن والدرك نفذت الحملة الأمنية الجديدة بفرضها أطواقاً أمنية على المناطق المستهدفة، وتشديد إجراءات التفتيش على مداخلها ومخارجها. وكانت الحملة قد سبقتها لقاءات تمهيدية مع وجهاء تلك المناطق قبل المباشرة بالبحث عن المطلوبين واعتقالهم، بعيداً عن الأضواء ومتابعة وسائل الإعلام .

الأمن العام ما زال يميل حتى كتابة هذا التقرير إلى التهوين من الطابع «الاستنفاري» للحملة الأمنية، وإلى تحاشي استخدام مصطلحات المناطق أو البؤر «الساخنة»، بهدف تقديم هذه الإجراءات الأمنية ضمن خطط الأمن العام واستراتيجيته الاعتيادية التي تنفذها مديريات الأمن في سائر المحافظات.

ففي تصريح صادر من المكتب الإعلامي التابع لمديرية الأمن العام لوكالة الأنباء الأردنية بترا في 3 شباط/فبراير 2010، ورد أن الحملة الأمنية مستمرة وهي ذات طابع روتيني ولا تقتصر على منطقة دون غيرها، وأشار التصريح أيضاً إلى أن نتائج هذه الحملات إيجابية تجاه تسليم الأشخاص المطلوبين إلى مصادر طلبهم.

وبرغم التأكيد على الطابع الروتيني للحملة، فإنها تختلف بقوة عما شهدته البلاد في فترات سابقة من مشكلات أمنية امتدت إلى أحداث عنف عشائرية في عدد من محافظات المملكة، وإلى التطاول على الأمن العام وإيقاع ضحايا في صفوفه.

الحملة الأمنية الأخيرة، بحسب أرقام وزارة الداخلية، تمكنت حتى ساعة إعداد هذا التقرير، 23 شباط/فبراير، من اعتقال 826 مطلوباً موزعين على محافظات المملكة كالتالي: إقليم العاصمة: اعتقال 384 شخصاً؛ إقليم الوسط: اعتقال 106 أشخاص؛ إقليم الشمال: اعتقال 84 شخصاً؛ وإقليم الجنوب: اعتقال 133 شخصاً؛ أما البادية فتم فيها اعتقال 199 شخصاً؛ وجميع هؤلاء مطلوبون في قضايا مثل الاتجار بالمخدرات والسلاح والسرقة وغيرها.

وزير الداخلية نايف القاضي ومن منطلق مسؤوليته السياسية عن الجانب الأمني، كان أكثر وضوحاً، إذ صرح في لقاء خاص بـے أن الحملة الأمنية انطوت على توجهات كان أبرزها إلقاء القبض على المطلوبين من الخارجين على القانون «بأبسط الطرق ودونما حاجة إلى استخدام القوة»، ومراعاة عدم إلحاق الأذى بالآخرين، أو إثارة الأهالي وترويعهم.

الوزير أوضح أن الحملة «بدأت في معان»، قبل أن تنتقل إلى الشونة الجنوبية والمناطق الأخرى، ونجحت في القبض على «عدد هائل» من المطلوبين. وأشاد بتعاون الأسر المعانية، مبرزاً مفارقة طريفة هي أن «الجيب» في معان كان يعدّ عبئاً على الأمن في السنوات السابقة بصفته «خارج السيطرة الأمنية في مرات كثيرة»، بينما اكتشف الأمن العام أن الناس هناك هم الأقرب إلى القبول بالإجراءات الجديدة. كما استشهد الوزير بأمثلة أخرى في الشونة الجنوبية وغيرها من تعاون الأهالي وتشجيعهم.

الكاتب الصحفي فهد الخيطان في يومية العرب اليوم، تطرق في مقال له في 3 شباط/فبراير إلى الرؤية الجديدة التي رافقت حملة اعتقال المطلوبين، إذ تحدث عن دور مدير الأمن العام مازن القاضي الذي أخذ على عاتقه تنفيذ حملات أمنية في عدة مناطق للقبض على المطلوبين، واستبق كل حملة باجتماعات مع الأهالي لكسب دعمهم وتشجيعهم للحملة.

وأثنى الخيطان في المقالة ذاتها على حرص المجموعات الأمنية المعنية بتنفيذ الحملات في تجنب إراقة الدماء عند ملاحقة المطلوبين وجلبهم أمام العدالة، مدللاً على ذلك في تنفيذ عملية أمنية على مقربة من الحدود الأردنية السورية للقبض على مطلوب بسجل جرمي طويل كان يحاول الهرب خارج البلاد حيث امتنعت القوة الأمنية عن اقتحام المنزل الذي كان يتحصن فيه المطلوب إلى حين إخلاء سيدة وطفلها كانا في الغرفة المجاورة لغرفة المطلوب المسلح ببندقية رشاش .

الاجتماعات التي تمت مع وجهاء ومخاتير في المناطق الساخنة لتوضيح أهداف الحملة وكسب تأييدهم لمواجهة ما يمثله الخارجون عن القانون من خطورة، إضافة إلى فرض طوق أمني على مداخل ومخارج تلك المناطق، حقق تشجيعاً كبيراً من المجتمع المحلي في تلك المناطق للأسلوب الذي تعامل به رجال الأمن مع المطلوبين.

يومية الغد نشرت في عددها الصادر يوم 19 كانون الثاني/يناير 2010 خبراً على لسان مصادر، مفاده أن مدير الأمن العام مازن القاضي طلب من إدارات البحث الجنائي والأمن الوقائي ومكافحة المخدرات، تفعيل العمل الاستخباري في ملاحقة المطلوبين، مؤكدة أن حملة البحث عن المطلوبين «ستبقى قائمة حتى إشعار آخر».

وحول المعالجة ذات الطابع الإستراتيجي للمناطق الساخنة والخارجين على القانون، أوضح وزير الداخلية أن هذه المسألة موضع اهتمامهم، وأن العلاج هو من طبيعة تنموية، بحيث يستعيض أي شخص عن الاعتماد على تجار المخدرات وعصابات المهربين أو على اتجاهات التعصب والتطرف، والعيش بكرامة. وأضاف أن خطط اللامركزية ستشهد أدوراً جديدة للمحافظين في متابعة خطط التنمية.

أسلوب التعامل الأمني في المناطق الساخنة يختلف بشكل جذري عن أساليب أمنية لدول مجاورة في التعامل مع المطلوبين وأساليب القبض عليهم. ففي الوقت الذي اتسمت فيه الحملة في الأردن بالسلمية التامة كانت في بعض الدول عنيفة واستخدمت فيها القوة المفرطة تجاه المطلوبين.

ملاحقة المطلوبين: عقيدة أمنية جديدة يجري تنفيذها
 
01-Mar-2010
 
العدد 9