العدد 9 - محلي
 

«إذا اتضح أني راسب، فإن على وزير التربية دفع ثمن الكنافة التي وزعتها»، هذا واحد من مئات التعليقات التي انهالت على مواقع إخبارية محلية رصدت، وعلى امتداد أسبوع، تفاعلات قضية الأخطاء في النتائج الإلكترونية للثانوية العامة للدورة الشتوية 2010.

تلك الأخطاء دفعت الوزارة إلى سحب النتائج الإلكترونية بعد ساعة من إعلانها، صبيحة 6 شباط/فبراير 2010، على عشرات المواقع الإخبارية، وهي نتائج رسب فيها ناجحون ونجح راسبون، ونجح فيها طلبة في مواد لم يتقدموا إليها، في حين سقطت مواد امتحنوا فيها.

ردود أفعال الطلبة وأهاليهم لم تكن بالمستوى نفسه من الهدوء والظرافة الذي تمتع بها صاحب التعليق السابق، فقد نُظّمت اعتصامات علت فيها هتافات تدعو إلى سقوط وزير التربية إبراهيم بدران، وشهدت مديريات التربية في المحافظات تواجداً أمنياً مكثفاً لمنع جموع الطلبة وذويهم من دخولها، بل إن مديرية الامتحانات في العبدلي شهدت محاولة اقتحام أفشلتها قوات الأمن العام.

العنف لم يكن سمة ردة الفعل الأولى، فعلى أثر الاعتراف بوجود أخطاء اقتصر الأمر على تجمعات قلقة ومترقبة للطلبة وذويهم أمام مديريات التربية، لكن القلق سرعان ما تحول إلى غضب، غذّاه سريعاً ارتباك الوزارة في التعاطي مع الأزمة، على الأقل في بدايتها.

فبعد سحب النتائج عن المواقع الإلكترونية والاعتراف بوقوع أخطاء، أعيد إعلان النتائج في اليوم نفسه حصراً على موقع الوزارة الرسمي، ليصار بعد ساعات إلى سحبها مرة ثانية بعدما اتضح أنها ما زالت تتوافر على أخطاء.

في السياق نفسه، أكد الوزير منذ بداية الأزمة أن الخطأ وقعَ فقط في النتائج الإلكترونية، وأن الكشوف الورقية التي وُزعت على مديريات التربية بما فيها كشوفات الدراسة الخاصة، صحيحة، لكن مدراء تربية صرحوا لصحف محلية بأن الوزارة وجهت إليهم كتباً رسمية طلبت منهم فيها سحب هذه الكشوف، إضافة إلى حدوث تضارب في التصريحات بين الوزير والناطق الإعلامي للوزارة، ما أدى إلى إيقاف الأخير، وحصر التصريحات بشخص الوزير.

بدران، وفي لقاء مع ے، حمّل الإعلام مسؤولية إرباك الناس، وقال إن «المواطنين في البداية كانوا متفهمين، لكن الصحافة صنعت من خطأ فني محض قضيةً كبرى، وخلطت بين المصطلحات، إما عن تسرّع أو عدم دقة أو رغبة في الإثارة»، فمصطلح «نتائج» يعني «ما أسفرت عنه عملية تصحيح الامتحانات»، وهذه كانت صحيحة تماماً، والدليل هو أن جميع النِّسَب كانت حول معدلاتها السنوية المعتادة، لكن الخطأ كان في «البيانات الإلكترونية»، وهو المصطلح الذي كان على الصحف استخدامه.

الخطأ كما شرحه وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مروان جمعة، في مؤتمر صحفي عُقد في أعقاب الحادثة، 7 شباط/فبراير، «خطأ فنّي بحت»، وحدث كما قال، أثناء عملية نقل البيانات إلى الأقراص المدمجة، منوّهاً إلى أن «البرمجيات التي تستخدمها وزارة التربية والتعليم قديمة جداً».

قيام الوزارة بتصحيح الخطأ لم يُنْهِ تفاعلاته على الفور كما أمِلَ المسؤولون فيها، فالتوجيهي الذي ظل وعلى امتداد عقود يتمتع بثقة صلبة وراسخة، بدا وكأنه تزعزع بين ليلة وضحاها، ورغم التأكيدات المستمرة من الوزير بأن الخطأ لم يطَلْ عمليات التصحيح ورصد العلامات على الدفاتر والكشوف الورقية، إلا أن الاعتصامات تواصلت بعد إعلان النتائج الإلكترونية النهائية، حيث طالب كثيرون بمراجعة دفاتر إجاباتهم، وهو أمر يقول بدران إنه تمّ لما يقارب ألفَي طالب و«لم يثبت وجود خطأ واحد».

بدران لا يرى في الاحتجاجات التي تلت تصحيح النتائج، مؤشراً على تزعزع الثقة بالتوجيهي، ويقول إن قراءة الأرقام تثبت ذلك، فالامتحان تقدم له نحو 130 ألف طالب، رسب منهم 65 ألف تقريباً، «لو وجد 10 في المئة من هؤلاء في الخطأ الذي حدث فرصة لتبرير رسوبهم أمام ذويهم فإن المحصلة هي 6500 طالب يمكنهم أن يثيروا ضجة كبيرة».

لجنة تحقيق شُكّلت في يوم الإعلان عن النتائج، بأمر من رئيس الوزراء، لكن الملاحَظ أن ردود الأفعال المطالبة باستقالة الوزير استبَقت نتائج لجنة التحقيق، ففضلاً عن الاعتصامات التي طالبت الوزير بالتنحي عن منصبه، حشد عشرات الكتّاب في الصحف والمواقع الإخبارية في هذا الاتجاه، ورأوا في استقالة الوزير «تحمّلاً لمسؤوليته الأخلاقية»، أما الأصوات التي طالبت بالتريّث والتحقق مما حصل فقد كانت قليلة وخجولة.

وقد ذكّر ذلك إلى حد كبير بمشهد كان سائداً في الغرب الأميركي قبل رسوخ دولة القانون، عندما كانت الجماهير الغاضبة تقتاد من يُشتبه بارتكابه جريمة، وتعلّقه على شجرة دون تحقيق أو محاكمة.

بدران لم يكن قد أكمل الشهرين في الوزارة عند اشتعال القضية، وأشارت الدلائل الأولية إلى أن الخطأ فني، ووقَعَ في سياق منظومة متّبعة قبل تولي بدران مهامه بسنوات طويلة، الأمر الذي أكده وزير الاتصالات في المؤتمر الصحفي عندما انتقد عدم اتباع الوزراة آليةً متطورة لضبط الجودة.

ما حدث يثير التساؤل حول ضرورة إرساء معايير للمطالبة باستقالة الوزراء، أولها على الأقل الانتظار حتى ظهور نتائج لجنة التحقيق.

الكاتب ياسر أبو هلالة يرى أن لا معايير صارمة عالمياً تحدد استقالة الوزراء، لكن في حالة الأخطاء «الجسيمة» فإن الوزير وبصرف النظر عن ملابسات الخطأ الذي يقع في وزارته هو «المسؤول الأول أخلاقياً وسياسياً»، وعليه أن يتحمّل هذه المسؤولية بشجاعة أدبية ويستقيل.

الكاتب باتر وردم يعزو تعالي الأصوات المطالبة بالاستقالة قبل ظهور نتائج لجنة التحقيق، إلى وجود حالة من عدم الثقة لدى الناس تجاه لجان التحقيق بشكل عام، ووجود قناعة بأن من يقدَّم في النهاية بوصفه المسؤول، يكون في العادة «الحلقة الأضعف في السلسلة»، أي «كبش فداء».

لكن الأمر بحسب وردم، أكثر شمولية من لجان التحقيق ونتائجها، إنه يكمن في أن يكون للناس مشاركة حقيقية في صنع القرار السياسي، ففي الدول الديمقراطية التي تنتخب حكوماتها، يكون للوزير قاعدة شعبية قد لا تطالبه بالاستقالة بالضرورة، بل تحميه في حالة وقوع خطأ وتدافع عن بقائه، في حين يتركز الهجوم عليه من المعارضة، أما لدينا وفي ظل حالة «التباعد» بين الناس وأصحاب القرار، فإن الجميع عند وقوع خطأ «يتحوّلون إلى معارضة»، ويكون ذلك في الأساس «تفريغاً لشحنة الغضب الكامنة لديهم».

النقاش حول الموضوع توقف، ومن الواضح أن صفحة أخطاء التوجيهي والمطالبة باستقالة الوزير قد طُويت، ولكن ما يجب أن لا يتوقف النقاش فيه، هو كيفية التأسيس لنهج يكفل تشكيل لجان تحقيق نزيهة وشفافة تخرج بنتائج تصف فعلاً ما حدث، تُتَّخَذ بعدها قرارات جريئة يُعاقَب فيها المخطئ والمقصّر، والأهمّ هو استمرار النقاش حول كيفية التأسيس لقواعد تمنع تكرار الخطأ.

الخطأ وقعَ في النسخة الإلكترونية فقط نتائج التوجيهي: ارتباك في التعاطي مع الأزمة كاد يطيح بالوزير
 
01-Mar-2010
 
العدد 9