العدد 9 - محلي
 

في خطوة غير مألوفة، وجّه مجموعة من القُضاة انتقادات علنية لسياسة وزارة العدل في تعاطيها مع المؤسسة القضائية، وطالبوا في رسالة رفعوها إلى الملك عبد الله الثاني باستقلال إداري ومالي للجهاز القضائي.

الرسالة وجهها القُضاةُ إلى الملك في أعقاب المؤتمر القضائي الثاني الذي عُقد في البحر الميت يومي 15 و16 شباط/فبراير 2010، ودُعي إليه إضافة إلى قضاة أردنيين، وزراء عدل ورؤساء وقضاة محاكم عليا وخبراء من دول عربية وأجنبية، وتمّ فيه إطلاق «إستراتيجية تطوير القضاء» للأعوام 2010-2012.

احتجاج القُضاة تركّز على ما عدّوه «تهميشاً» لهم في المؤتمر الذي انعقد، كما كتبت القاضية إيناس الخالدي في موقع عمون الإخباري، بـ«مبادرة وإشراف ومتابعة وأفكار وتوقيت وزارة العدل»، دون أن يكون لأعضاء الجهاز القضائي «دور أو صوت»، حيث فوجئ هؤلاء بدعوتهم لحضور الفعاليات، دون أن يكون لهم فيها «أدنى مشاركة أو مساهمة». وهو أمر يؤكده قاضٍ حضر المؤتمر وطلب عدم ذكر اسمه.

القُضاة بحسب ما صرّح به هذا القاضي لـے، فوجئوا بمحتوى إستراتيجية تطوير القضاء التي تلاها في جلسة الافتتاح وزيرُ العدل أيمن عودة، والتي تضمنت الكثير من النقاط الخلافية، دون أن تتاح لهم فرصة مناقشتها، فالدعوة إلى المؤتمر وُجهت للأغلبية الساحقة من القُضاة لحضور حفل الافتتاح وتناول طعام الغداء، بينما اكتُفي في الجلسات التي نوقشت فيها أوراق العمل بدعوة عدد محدود منهم. ولفت هذا القاضي إلى أن الجلسة المغلقة التي جمعت القُضاة بوزير العدل ورئيس المجلس القضائي «لم تزد على أربعين دقيقة».

الشعور بأنه تمّ «انتقاء» قُضاة من غير المعارضين لسياسة وزير العدل لتقديم أوراق عمل في المؤتمر، كان كما يقول المحامي والكاتب في صحيفة الرأي محمد الصبيحي «شعوراً غالباً». ويدلل على ذلك باستثناء رئيس النيابات العامة من تقديم ورقة عمل تتعلق بنظام النيابة العامة، وتكليف قاضي تمييز بها، واستثناء مدير التفتيش القضائي من تقديم ورقة عمل في نظام التفتيش القضائي في الأردن وتكليف مدير المعهد القضائي بها. الحادثة الأخيرة كما يقول الصبيحي أثارت استغرابَ كبير مفتشي القضاء السعودي الذي قال في الجلسة أمام الحضور: «نحن نتحدث عن التفتيش القضائي في الأردن ولا نرى مفتشين».

السياسة التي اتبعتها وزارة العدل في إدارتها لأعمال للمؤتمر، فجّرت كما يبدو احتجاجات كامنة لدى القُضاة على سياستها تجاه المؤسسة القضائية بشكل عام، فطالبت الرسالة بالاستقلال المالي والإداري «الكامل والمطلق» للجهاز القضائي، وعدم منح «أي صلاحيات لوزير العدل من شأنها المساس باستقلال القضاء»، ومن بينها إلغاء دور الوزارة في التنسيب للوظائف القضائية، كما دعت إلى «إنشاء إدارة خاصة بالمحاكم تتولى الشؤون المالية والإدارية للقضاة والموظفين العاملين في المحاكم»، على أن تتبع هذه الإدارة المجلسَ القضائي كما هو معمول به في كثير من دول العالم، ودعت الرسالة أيضاً إلى إلحاق المعهد القضائي بالمجلس القضائي و«إنهاء تبعيته للوزارة وسيطرتها عليه».

قاض آخر فضّل عدم ذكر اسمه، قال لـے إن اعتراضات القُضاة هي في الأساس على المادة 16 من قانون استقلال القضاء، والتي يمكن بموجبها إحالة القاضي على التقاعد أو الاستيداع أو حتى إنهاء الخدمات دون إبداء أي سبب، ما حرمَ القضاة من «الأمن الوظيفي»، وجعل الأغلبية الساحقة تصمت عن النقد، حتى لا يحدث لها ما حدثَ لبعضهم ممن «دفعوا حياتهم المهنية ثمناً لموقف».

مطالب القُضاة كما يقول القاضي ثائر العدوان «قديمة»، لكن الجديد أنها خرجت بهذه القوة إلى العلن، وهو أمر يجب أن «لا يشكّل مأخذاً عليهم»، لأن «الانفتاح المنضبط على الإعلام» بحسب ما صرّح به العدوان لـے، جزء من حق الاستقلالية التي يطالبون به.

بموازاة الرسالة العلنية، وُزّع «منشور» في مبنى قصر العدل حمل عنوان «بيان قُضاة الأردن: يا وزير العدل كفاك استخفافاً بعقول قضاة قادرين على إدارة شؤونهم». البيان المغفَل من التواقيع حمل انتقادات شديدة النبرة لسياسة وزير العدل، الأمر الذي يعدّ سابقةً في هذا السياق.

وزارة العدل لم يصدر عنها أيُّ تعقيب على انتقادات القُضاة لها. ے اتصلت مرتين بمكتب وزير العدل لمعرفة رد الوزارة على هذه الانتقادات، وكان يتمّ التأكيد أن المكتب سيعاود الاتصال بـے، لكن ذلك لم يحدث حتى ساعة إعداد هذا التقرير، 26 شباط/فبراير 2010.

لكن رئيس المجلس القضائي راتب الوزني ردّ بحدّة على هذه الانتقادات، إذ رفض في تصريح أدلى به إلى وكالة الأنباء الأردنية بترا، 21 شباط/فبراير، مطالبَ القُضاة بالاستقلال، وقال إن عدداً محدوداً من الدول أقرّت تولّي الجهاز القضائي للشؤون الإدارية والمالية، وأنها أبدت «الندم» بعدها، وقال إن فرنسا مثلاً التي أجرت أخيراً إصلاحات دستورية تتعلق بالقُضاة، أبقت المسائل المالية والإدارية ضمن صلاحيات وزارة العدل هناك.

الوزني الذي وصف المؤتمر القضائي بأنه كان «ناجحاً بكل المقاييس»، قال إن لجنة من القُضاة قام بتسميتها، اشتركت في إعداد مسودة إستراتيجية تطوير القضاء، وأنه أجرى تعديلات عليها قبل اعتمادها.

من ناحية أخرى، حذّر الوزني القُضاةَ من التعرّض لأي جهة رسمية بالنقد، وقال إن بإمكانهم «نشر المقالات العلمية المتعلقة بالقوانين، ولكن لا يمكنهم التعرّض بالنقد لأي جهة رسمية».

هل يكون ما سبقَ، مؤشراً على مرحلة جديدة في العلاقة بين القُضاة ووزارة العدل؟ القاضي الذي فضّل عدم ذكر اسمه يرجّح ذلك.

القُضاة و«العدل»: وأخيراً المساءلة بدأت من الداخل
 
01-Mar-2010
 
العدد 9