العدد 9 - قارئ/كاتب
 

«هل لديك فيس بوك؟»، سألتني شابة تعرفت عليها خلال أمسية ثقافية، فأجبتها بالنفي فبادرت للقول بمرح: «أنت أول شخص أقابله لا يملك فيس بوك»، فهمت نظرات الاستغراب في عينيّ فأردفت: «يقول المثل العصري: إذا لديك فيس بوك فأنت موجود».

كشفت لي هذه الحادثة الهوس الذي يعيشه شبان عصر الإنترنت والتكنولوجيا لاهثة الخطوات، فمن غرف الشات إلى منتديات الحوار إلى المدونات والإيميلات وصولاً إلى آخر موضات العصر: فيس بوك.

فيس بوك موقع لشبكات العلاقات، ابتكره مارك جوكر بيرغ الطالب في جامعة هارفارد الأميركية، وقد أصبح بيرغ بعدها من الأثرياء الذين تقدَّر ثروتهم بالملايين، ومن المتوقع أن تصل إلى المليارات بعد أن تنافست على شراء الموقع كبرى شركات الكمبيوتر في العالم من مثل غوغل وميكروسوفت.

التسجيل في فيس بوك متاحٌ للجميع، ويمكن للمرء أن يحصل على مئات الصداقات والعلاقات المتشابكة والمتداخلة، وهو ما يجذبه للاستمرار في التحديق بجهاز الكمبيوتر خاصته للتواصل مع أناس من مختلف أقطار العالم، والغريب في الأمر أنه، وبمرور الوقت، تتشكل علاقات حميمة بين المشتركين بحيث لو غاب أحدهم فترة عن الشات سيجد مئات الأصدقاء يسألون عنه ويستفسرون عن سر غيابه، في حين قد لا يلحظون غياب زميل لهم في الدراسة أو العمل أو حتى غياب أحد أفراد عائلاتهم عن المنزل.

فيس بوك هوسُ العصر، وليس من المستغرَب أن معظم الشبان يقضون الليل بطوله يتواصلون مع أصدقائهم المفترضين، في حين يقضون النهار نياماً يتزودون بالطاقة التي تمكّنهم من السهر مرة أخرى وهكذا.. شبان يستبدلون بالحياة المعيشة والملموسة حقيقةً، حيث اللقاء بالأصدقاء واحتساء كوب من الشاي معهم، أو الانضمام للعائلة في سهراتها الجميلة، حياةً «عابرة للقارات» قوامها مجموعات الأصدقاء والصور والفيديوهات والألعاب والشات والموسيقى والهدايا والكاريكاتورات..

لعل ذلك يرجع إلى ما يقدمه فيس بوك من صورة تجميلية لنا، حيث لا يظهر الشخص في صورته الإلكترونية كما هو في حقيقته، وحيث إن الوقت المتاح للتعرف على سمات هذا الصديق عبر الشبكة هو الوقت الذي يحدده الصديق، وكذلك بالنسبة للمعلومات التي يختار هو منها ما يريد إظهاره للآخرين.

جمعني حديث بأحد الشعراء العرب الكبار، تحدثنا طويلاً عن أثر فيس بوك وغيره من تقليعات العصر على الشبان وهدر أوقاتهم وطاقاتهم، تفاجأت حين استدار خارجاً وقال لزميلتي التي تجاورني بالمكتب: «عندك فيس بوك؟»، فأجابته واثقة: «طبعاً عندي»، فقال لها: «طيّب.. add me»!

فيس بوك ولغة العصر
 
01-Mar-2010
 
العدد 9