العدد 9 - راحلون
 

تعود علاقتي بعامر خماش إلى العام 1953، لكنني كنت أعرفه قبل أن ألتقيه، فقد جمعتني مقاعد الدرس بأخيه طارق الذي كان يسبقني بصف في ثانوية عمان 1942-1944، والذي كان يورثني دفاتره لأستفيد منها في دراستي.

عمل عامر مرافقاً عسكرياً لخمس رؤساء وزارات، بدأ في العام 1953 مرافقاً لتوفيق أبو الهدى، وكنت حينئذ مساعداً لرئيس التشريفات الملكية. وكان هنالك تقليد في بداية عهد الراحل الحسين أن يجتمع برئيس وزرائه مرة كل أسبوع، فيأتي عامر إلى مكتبي ونظل معاً طيلة الاجتماع، نتحدث في أمور الدنيا والبلاد والمنطقة.

واصلنا لقاءاتنا على هذا المنوال حتى العام 1955، وربطت بيننا صداقة عميقة، ثم تزاملنا عندما عدت رئيساً للديوان الملكي 1979 وكان عامر وزيراً للبلاط. وقد اتسمت علاقتنا بالحميمية، وتحقّقَ انسجام تام بيننا في الفكر والموقف السياسي، فكنا نتعاون ونتخذ القرارات كفريق واحد.

عرفتهُ مولعاً بالقراءة والمطالعة في القضايا العسكرية، وتاريخ الحروب في العالم، وكان مفكراً عسكرياً إستراتيجياً له مكانته. وأكبر مثال على ذلك أن جلالة الحسين الراحل خبرَهُ وعرف قدرته القيادية والعسكرية، وقد اصطحبه إلى القاهرة في العام 1964 ليقدم أمام قادة الدول العربية عرضاً للخطة الإستراتيجية الأردنية للوضع العربي الإسرائيلي، وسُبل تهيئة العرب لمواجهة إسرائيل عسكرياً. كان ذلك عندما دعا الرئيس الراحل عبد الناصر إلى أول مؤتمر قمة عربي، وكنت مساعداً لرئيس الديون الملكي، وقد أُرسلت برفقة وزير الخارجية آنذاك أنطون عطا الله، وأمين عام الرئاسة آنذاك سعد الدين جمعة إلى القاهرة لترتيب زيارة سيدنا لها. وقد لمست مدى التقدير والإعجاب الذي أبداه القادة تجاه الخطة التي عرضها خماش، وكان حينها مديراً للتخطيط في الجيش العربي.

وعندما كنت رئيساً للوزراء العام 1972 زارنا السلطان قابوس، وكانت النية تتجه لتعيين عامر سفيراً في عُمان لمساعدة الأشقاء هناك في المعركة ضد ما كان يجري في منطقة ظفار. لكن عامر استأذن سيدنا الحسين في أن لا يُعيَّن سفيراً، على أن يقوم بالمهام المطلوبة منه عبر زيارات متتالية ومتتابعة للسلطنة. وهذا ما كان. وقد ترك عامر أثراً كبيراً في عُمان، وظل يتمتع باحترام الأشقاء العُمانيين وتقديرهم حتى وفاته.

استمرت علاقتي معه وازدادت متانة بعد أن غادرتُ الديوان الملكي في العام 1984، إذ جمعنا مجلس الأعيان معاً. وعندما كنت أتلقى دعوة للمشاركة في مناسبة ما، أطلب أن يُدعى عامر معي، لثقتي بعقله وإعجابي بخلقه.

ولا بد لي من شهادة حق، حول سجلّ عامر خماش، كجندي باسل شجاع، وبخاصة في فترة رئاسته لأركان القوات المسلحة الأردنية أثناء معركة الكرامة، وما تحقَّقَ فيها من نصرٍ على جيش إسرائيل، وتكبيده هزيمة نكراء تمثّلت بفداحة خسائره، فكان أول نصر يسجله جيشٌ عربي منذ هزيمة حزيران 1967.

زرته في المستشفى يومياً بعد إصابته بالغيبوبة، وعندما استيقظ منها واظبتُ على زيارته.

كان رحمه الله شفافاً وعفوياً وبشوشاً. وعلمتُ بعد وفاته، أنه حفرَ قبره وهيّأه بنفسه دون أن يُخبر أحداً. كان في أعماقه يعرف أن اللحظة الحاسمة اقتربت.

وبعدما تلقيت نبأ رحيله، حزنت لفراقه أيّما حزن، وكنت أزور بيت العزاء يومياً، إخلاصاً لصديقي الذي ظل وفياً لأصدقائه ولأهله.

كل العزاء لأسرته، وآل خماش بعامة.

أحمد اللوزي

رئيس وزراء أسبق

عامر خمّاش: رحيل صديق
 
01-Mar-2010
 
العدد 9