العدد 3 - من حولنا
 

خابت آمال عرب كثيرين، للانتكاسة الحادة التي أصابت تجربة انتخابية رئاسية متقدمة وتمرين ديمقراطي اتّصف بالرقيّ عرفته موريتانيا، على إثر الانقلاب العسكري الذي أطاح في آب/ أغسطس 2008 بالتكنوقراطي سيدي ولد الشيخ عبد الله الذي فاز في آذار/مارس 2007 برئاسة بلاده في انتخابات تنافسية مع 18 مرشحاً في جولتين.

وكان تردّدَ في حينه أن تلك التجربة استثنائيةٌ في الفضاء العربي العام، بخاصة وأن مناظرة تلفزيونية خاضها المتنافسان الأخيران في تلك الانتخابات، وأن حواراً موسعاً بشأن الملفات الداخلية شاركت فيه أطياف الحقل السياسي في موريتانيا جرى قبل الوصول إلى المنافسة الانتخابية، بعد نجاح التغيير، أو الانقلاب الذي بادر إليه جنرالات في الأمن والجيش، وأزاحوا فيه الرئيس معاوية ولد الطايع في آب/ أغسطس 2005، وشكلوا مجلساً عسكرياً لـ«العدالة والديمقراطية» انتقالياً، كان مبعث تنويه وامتداح له أنهم لم يجيزوا لأيٍّ منهم الترشح في الانتخابات الرئاسية.

من المحطات البارزة في مسار تلك التجربة التي لم تتجاوز ثلاث سنوات، الانتخابات التشريعية التي أتيح للإسلاميين المشاركة فيها، والاستفتاء الذي أدى إلى تبنّي دستور جديد. وحظيت تلك الحالة الموريتانية بثناء وفير في أوساط عربية، معنيّة بالتغيير والإصلاح وتعزيز الديمقراطية وتداول السلطة.

إذ شاعت مقادير من البهجة عربياً مع نجاح موريتانيا، 3 ملايين نسمة، في مسارها القصير، وراقت لناشطين في دعوة بلاد عربية إلى الديمقراطية، الكيفيةَ «العسكرية» التي تم فيها الانقلاب على ولد الطايع، كمقدمة إلى المسار الذي استجدّ بعد ذلك، لكن هؤلاء وغيرَهم أصابتهم خيبةُ أمل كبرى، عندما انعطفت موريتانيا إلى المألوف من وقائع الحكم في العالم العربي، وذلك في الانقلاب العسكري على كل تلك التجربة.

قاد الانقلاب الجنرال البارز في «التغيير» محمد ولد عبد العزيز، 53 عاماً، الذي سلك طقوس المسار «الديمقراطي» الديكوري العربي إياه، ومن تفاصيله الأولى تنظيم انتخابات رئاسية، يكون فيها الرئيس أحدُ المرشحين، فيفوز فيها. وتم لولد عبد العزيز ذلك في انتخابات 18 تموز/يوليو 2009، وكان بين أربعة عسكريين وخمسة مدنيين تنافسوا على القصر الرئاسي. و«انتصر» الرئيس بحصوله على 52 في المئة من الأصوات، وكان بعد انقلابه في 6 آب/أغسطس 2008 قد واجه اعتراضات خارجية،ومن جبهة معارضة واسعة في بلاده. ولذلك، تعمّدَ أن يكون تنصيبُه عشية الذكرى الأولى للانقلاب.

نجح الرئيس المقيم في السلطة، إذاً، في أحدث «انتخابات رئاسية تعددية عربية»، ومن المفارقات أن العقيد معاوية ولد الطايع كان من ابتدع هذه الفكرة، لقناعته بأن السلطة في البلاد العربية تُسلس قيادتها لصاحب النفوذ الأهم في الدولة، وليس غير رئيس الجمهورية من يحوز ذلك. وقد استنّ «البدعة» العربية المستجدّة في انتخابات انتظمت في 1992، استنسخ مثلها في 1997 و2003، وكان قد أمسك بالحكم في انقلاب عسكري في 1948.

وتوالى في غير بلد عربي الأخذُ بهذا الطقس الانتخابي، فقد أقدم الرئيس عمر البشير على الاحتفاظ برئاسة السودان في انتخابات مثيلة، في 1998، وأخذ ياسر عرفات بالفكرة نفسها، حين نافسته سميحة خليل على موقعه رئيساً للفلسطينيين في 1996، ونجح محمود عباس على ثلاثة منافسين في الانتخابات التي شرعنت رئاسته عقب وفاة عرفات. وفاز زين العابدين بن علي الذي أحدث نظامُه تعديلات على دستور تونس تتيح له التجديد «الانتخابي التعددي»، لبقائه رئيساً، في وقائع اقتراعية في 1994 و1999 و2004، وهو الذي كان اجترح «انقلاباً طبياً» على سلفه الحبيب بورقيبة في 1988. وفي البال أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أعلن، قبل آخر فوز له في آخر انتخابات رئاسية تعددية في بلاده، أنه لن يخوض تلك الانتخابات، ثم آثر المكوث في موقعه، في تنافس 2006. وبعد تعديل دستوري شهير، هزم الرئيس المصري حسني مبارك تسعة مرشحين في انتخابات 2005، جهر أحدهم، وهو رئيس حزب توفي لاحقاً، بأنه كتب في ورقة التصويت اسم مبارك لأنه الأصلح (!).

أحدثُ الوقائع العربية في هذا السياق في الجزائر، التي شهدت تعديلاً دستورياً في 2007، أباح للرئيس عبد العزيز بوتفليقة موسماً انتخابياً ثالثاً فاز فيه بالاحتفاظ بقيادته بلاده، وبشرعية انتخابية تغلّب بها على خصومه المتنافسين معه، في نيسان/إبريل الفائت.

موريتانيا تستعيد طقوس انتخابات رئاسية عربية
 
01-Sep-2009
 
العدد 3