العدد 8 - نبض البلد | ||||||||||||||
في أحد مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في عمّان، تتواصل لقاءات مجموعة من «المحاربين القدامى»، يتحدثون عن كل شيء، وعن اللاشيء، متحايلين على مرارة الواقع وسوداويته، باستعادة ذكريات يكاد يبتلعها النسيان. مشهد متكرر مثل هذا، اختارت منه المخرجة ساندرا ماضي مادة لفيلمها التسجيلي «ذاكرة مثقوبة» الذي فاز بجائزة أفضل فيلم تسجيلي طويل، في مهرجان بيروت الدولي للأفلام الوثائقية دوكيوديز، وذلك بعد اختياره في المسابقة الرسمية للمهرجان في دورته التاسعة. يسلّط الفيلم الضوء على ما آلت إليه أوضاع هؤلاء المقاتلين، الذين أصبح بعضهم يعاني من إعاقة دائمة، بعد تنفيذ عمليات عسكرية نجحت في إخراج منظمة التحرير إلى حيز الوجود، ونيل الاعتراف الدولي بها. تتعدد الحكايا كما يعرضها الفيلم، لتشكل معاً لوحة فسيفسائية تعبّر عن ذاكرة مثخنة بالشتات. تيريز هلسة، مناضلة وقائدة عمليات، شاركت في خطف طائرة إلى مطار اللد. الآن، تغير إيقاع حياتها، وتحول عملها إلى تسيير شؤون المساعدات المتواضعة التي يقدمها المكتب. تبكي تيريز في الفيلم كأنما تلوم عجزها، الذي لا يد لها فيه، أمام تدافع المقاتلين القدامى للحصول على مبلغ رمزي يكفيهم جور إعاقتهم وتقدمهم في اليأس كما في العمر، في ظل «غياب دعم السلطة» لهم. وبالتصبر، بكثير من الطرفة والسخرية السوداء، تلج كاميرا ماضي إلى حيث تكمن الهوامش والتفاصيل، وتنقل مواقف وحوارات تنبش في ذاكرة جمعية، تكوّنها ذاكرات فردية بدت «مثقوبة» بامتياز، عبر لغة سينما المراقبة التي تتحدث عنها ماضي لـ ے بقولها: «هو أسلوب أميل له، وأجد أنّ كثيراً من مواقف الحياة هي مواقف سينمائية، لا تحتاج تدخلاً من المخرج، يكفي أن يقف ويتأمل ثمّ يختار، وسيجد أن الحياة غنية جداً، وأنّ المألوف فيها يمكن أن يتحوّل إلى شيء مدهش». تتابع ماضي حول ثيمة هذا الفيلم: «أردتُ منه إبراز ما آلت إليه الأوضاع في الراهن، بمقارنتها مع الماضي، وتبيان الانحدار الذي أصاب الحالة الفلسطينية ناخراً في جسدها، حيث غمامة تظلل الأفق، والأمل شبه مفقود». الفيلم الذي عُرض في مهرجانات عربية وأوروبية، وفي ملتقى العربية للأفلام الوثائقية العام 2007، وفي مركز جورج بومبيدو في باريس 2009، وفي الأرجنتين وأستراليا، تُرجم لأكثر من لغة. وقد صوّرته ماضي وأنتجته بتمويل جزئي تلقّته إثر فوز السيناريو الخاص به بجائزة أفضل سيناريو في مسابقةٍ نظمتها قناة العربية . ترى ماضي أن غياب التمويل «من أكبر التحديات التي تواجه صناعة الأفلام بالنسبة للمخرجين المستقلين العرب»، لذلك فإنها بحسب ما قالت لـ ے، غالباً ما تبدأ بمبادرة ذاتية، وقد تقارب إنجاز الفيلم قبل أن تجد جهة تموّله أو تسهم في ذلك. وتتابع بإصرار: «سأواصل طريقي، ورغم ما يمنحه لي الفوز من إحساس بالرضا، إلا أنني سأسعى لتصل أفلامي أكبر عدد من الناس. هذا هو الرهان، وأتمنى أن أكسبه». |
|
|||||||||||||