العدد 8 - استهلاكي
 

يقف أبو صلاح على باب محله في عجلون يراقب السائرين في غدوّهم ورواحهم؛ متكتفين أو يفركون أيديهم بعضها ببعض طلباً للدفء في نهار بارد. مدافئ من جميع الأنواع تنتشر على الرصيف المحاذي لمحل الرجل الخمسيني الذي يبيع «الصوبات» في هذا المتجر منذ أكثر من 30 عاماً.

مدفأة واحدة تبدو غريبة بين مدافئ الغاز والكاز التقليدية التي تنتشر في معظم بيوت الأردنيين؛ الغاز لمتوسطي الحال والكاز للفقراء الذين ما زال الكيروسين أرحم على جيوبهم من أي مصدر آخر للطاقة.

المدفأة «الغريبة» ذات لون قاتم، وعليها بعض «الديكورات» التجميلية، وتباع مع «بوري» معدني. هذه المدفأة هي صوبة «الحطب» التي تُملأ حالياً بمخلفات عصر الزيتون والتي تسمى: «الجفت».

أبو صلاح يبين أن المواسم الشتوية في السنوات الثلاث الأخيرة شهدت إقبالاً كبيراً على شراء صوبات الجفت، حيث ارتفعت مبيعاتها مقارنة بالمواسم السابقة بخمسة أضعاف، ويفسر ذلك بالارتفاع الشديد لأسعار المحروقات، حيث بدأ المواطنون يعزفون عن استخدام صوبات الغاز والكاز.

محمود، جندي في القوات المسلحة، اشترى «صوبة جفت» بـ 25 ديناراً منذ سنوات، بخاصة أنه كان يحصل على الجفت مجانا من المعاصر. الجفت أثبت فعاليته في تدفئة منزل محمود في بلدة المزار الشمالي في إربد، والتي يقول إنّ بردها «قاتل» في الشتاء.

لم يقتصر استخدام تلك المدفأة على الجفت. محمود يستذكر أنه حرق فيها ملابس بالية وحتى أحذية مهترئة عندما كان يشتد البرد. هذا لا يعني انتشار أي رائحة داخل البيت، فـ«البوري» يتكفل بإخراج كل شيء إلى خارج المنزل.

أم سعد «العنجرية» تستخدم صوبة جفت أيضاً، وتقول إن ارتفاع أسعار المحروقات أصبح مشكلة تواجه العائلات الفقيرة، بخاصة تلك التي تتقاضى معونات من جيرانها. أم سعد التي تربي ستة أطفال لجأت إلى استخدام الجفت «لأنه بدفّي كثير، وبشعّل بسرعة، وحرارته عالية»، وهي تردّ ذلك إلى احتوائه على «بَرَكة زيت الزيتون».

لكن، «حسرة على المستهلكين»، فمحمود اضطر إلى رمي مدفأته عندما ذهب لشراء الجفت، واكتشف أن سعره أصبح 60 ديناراً للطن في معاصر عديدة، بل أصبح 90 دينارا للقوالب «المرتبة المحترمة» في معاصر أخرى.

مُزارع الزيتون أبو محمد، يؤكد أن مادة الجفت، سابقاً، كانت تلقى في الأودية والمناطق البعيدة على أنها نفايات ومخلفات لا يمكن الاستفادة منها، إلا أن ارتفاع أسعار المحروقات جعل من الجفت مادة ضرورية للتدفئة، رغم أنها تستخدم لصناعة الصابون وسماداً للأرض وعلف للحيوانات بعد إضافة المواد اللازمة لها.

في الماضي، لم يكن المزارع مهتماً بمادة الجفت، بل كان أصحاب المعاصر يرونها عبئاً بسبب تكلفة التخلص منها. المستهلك الفقير ظُلِم عندما تحولت هذه المادة إلى تجارة تدر دخلاً جيداً، حتى إن أصحاب المعاصر يرفضون السماح للمزارعين بالحصول على أي كميات منها.

العديد من المشاكل تقع بين أصحاب المعاصر والمزارعين الذين أصبحوا يطالبون بالجفت الناتج عن عصر زيتونهم. المزارعون يرون كميات الجفت من حقهم، فيما يرى أصحاب المعاصر، بحسب أحدهم الذي فضل عدم نشر اسمه، أن هناك تكلفة لجمع الجفت وتجفيفه وقولبته على المزارعين دفعها إذا أرادوا أخذ الجفت، وهو ما يرفضه المزارعون.

محمود الذي ألقى مدفأة الجفت ولم يعد يستخدمها، اضطر مرة أخرى إلى استخدام الكاز، وهو يؤكد أنه «ما في شي بيرحم» من هذا الشتاء، «لا البرد ولا الأسعار».

الجفتُ وقود للأغنياء والفقراء «إلهم الله»
 
01-Feb-2010
 
العدد 8