العدد 8 - عين ثالثة
 

استخدم الرئيس الأميركي باراك أوباما كل الكلمات المناسبة للتشديد على رأيه بأن مشاغل حقوق الإنسان عنصر جوهري في سياسته الخارجية في الشرق الأوسط. ففي خطابه في القاهرة في يونيو/تموز 2009، سلّط الضوء على أهمية حرية المعتقد الديني وحقوق المرأة، وتحدّث بطريقة مؤثرة عن «الإذلالات اليومية» والوضع «غير المقبول» للفلسطينيين الذين يعيشون في ظل الاحتلال العسكري الإسرائيلي. وقال إن الولايات المتحدة مستعدة للتعاون مع حكومة إسلامية مُنتخبة تحترم حقوق الأقليات. وفي خطابه في أوسلو عند تسلّمه جائزة نوبل للسلام في كانون الأول/ديسمبر 2009، ذكر أوباما أنه من الضروري أن «نلتزم ببعض قواعد السلوك» في الحرب، على غرار اتفاقيات جنيف، وأعرب عن دعمه لتطلّعات «مئات الآلاف الذين مشوا بصمت في شوارع إيران».

لكن عمل إدارة أوباما من أجل حمل الحكومات التعسّفية في الشرق الأوسط على احترام حقوق الإنسان غامض، ومتهاون في بعض الحالات، ما يثير مخاوف من أنّ الولايات المتحدة ما زالت تطبّق معايير مزدوجة عندما يتعلق الأمر بمواجهة الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان من جانب حلفائها المُهمّين.

ففي ما يخص النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، كان سجل الإدارة متفاوتاً. فقد أعلن الرئيس أوباما أن الولايات المتحدة «لا تقبل شرعية المستوطنات الإسرائيلية المستمرة»، لكن الإدارة تراجعت عن إصرارها على وقف إسرائيل كل عمليات البناء الجديدة. كما أنّ السياسة التي انتهجتها الإدارة الأميركية في نزع الصدقية عن الاستنتاجات والتوصيات الواردة في تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق حول انتهاكات قوانين الحرب من جانب إسرائيل وحماس في غزة الذي وضعه القاضي غولدستون، لا تتناسب مع تشديد الرئيس في خطابه في القاهرة على «العدالة» و«سيادة القانون».

ماذا يعني أن يصبح الرئيس وإدارته، على مشارف سنته الثانية، جدّيَين بشأن ترجمة أقوال أوباما حول حقوق الإنسان إلى أفعال؟ الأمر الأهم والأكثر ممارسة للتأثير الذي يستطيع الرئيس القيام به هو الحرص على اضطلاع الولايات المتحدة بواجباتها وفقاً للقانون الدولي، بما في ذلك اتفاقيات جنيف واتفاقية مناهضة التعذيب، والتحقيق بالتالي مع المسؤولين الأميركيين الذين أصدروا الأوامر بتعذيب المعتقلين لدى الولايات المتحدة ومارسوا التعذيب، ومحاكمتهم. من الصعب على الولايات المتحدة أن تحض الآخرين، سواء أكانوا حلفاء أم أعداء، على فعل الصواب في حين ترفض هي نفسها القيام به. كما يتعيّن على الإدارة الأميركية أن تحرص على ألاّ تؤدي المنظومة التي سوف تحل مكان غوانتانامو إلى تقويض حظر الاعتقال لأجل غير مسمى من دون توجيه تهم أو من دون الحق بمحاكمة عادلة.

يجب أن تجد الإدارة، وبسرعة كبيرة، طريقة لتظهر أنّ ما وصفته وزيرة الخارجية كلينتون في خطاب ألقته في جامعة جورج تاون في كانون الأول/ديسمبر 2009 بـ«السعي البراغماتي والرشيق.. لتطبيق أجندتنا لحقوق الإنسان» لن يكون رحلة سهلة ومجانية للحكومات التي ترفض بصوت عال انتقاد سياساتها التعسفية. ويبدو أن الرغبة الأميركية في الحفاظ على دعم الرئيس حسني مبارك للسياسات الأميركية حيال إسرائيل والفلسطينيين، والاستياء المصري الرسمي من جهود الدمقرطة التي بذلتها إدارة بوش، هما السبب وراء قول الوزيرة كلينتون بأنه لن تُفرَض «شروط» حول حقوق الإنسان في العلاقة الأميركية-المصرية. ولسوء الحظ، يبدو أن ذلك يعني أن المضمون الخاص بحقوق الإنسان في العلاقة بين البلدين سيكون ضئيلاً أو معدوماً.

يجب أن تحرص الإدارة على أن يتحمّل حلفاء الولايات المتحدة الآخرون في المنطقة تداعيات الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي يوثّقها المسؤولون الأميركيون وسواهم. أحد الأمثلة على ذلك هو التمييز الرسمي الشامل ضد الأقلية الشيعية في السعودية. توثّق وزارة الخارجية الأميركية، بموجب تفويض من الكونغرس، هذا الأمر إلى جانب انتهاكات سعودية أخرى لحرية المعتقد الديني منذ سنوات، لكن حتى الآن لم تترتّب عن ذلك أي تداعيات في مجال السياسات الأميركية، كما لم تصدر أي احتجاجات علنية عن البيت الأبيض. يجب أن يتغيّر هذا الواقع في عهد الرئيس أوباما، بخاصة على ضوء تركيزه على حرية المعتقد الديني في خطابه في القاهرة.

أخيراً، هناك النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني. وهنا يبدو أنّ أوباما يدرك أنّ كُثُراً في المنطقة يعدّون هذا النزاع محك الاختبار للسياسة الأميركية في مجال حقوق الإنسان. وفي هذا السياق، جرى الترحيب بتركيز أوباما على عدم شرعية المستوطنات بموجب القانون الإنساني الدولي. ويبدو أنّ الإدارة عدّلت رفضها الجاف لتقرير غولدستون، ويجب أن تستمر في التركيز على الحاجة إلى إجراء تحقيقات إسرائيلية وفلسطينية مستقلة في الاتهامات بارتكاب جرائم حرب، مع الإدراك بأن التقرير يوفّر فرصة غير مسبوقة لوقف دورة الإفلات من العقاب في الانتهاكات التي تمارسها كل الأطراف في هذا النزاع. وينبغي على أوباما أيضاً أن يتطرق إلى حصار غزة الذي تفرضه إسرائيل ويتم بتحريض من مصر. وفي حال لم تتوصل الدبلوماسية الخاصة إلى نتائج، وفي وقت قريب، يتعيّن على الرئيس أن ينتقد الحصار علناً بوصفه عقاباً جماعياً، ويحدّد التداعيات، بما في ذلك خفض المساعدات العسكرية، إذا لم تضع إسرائيل حداً للقيود التي تفرضها بالجملة على حركة البضائع والأشخاص.

* تُنشر المقالة بالتزامن مع مؤسسة «كارنغي»

أوباما وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط: اقتراحات للمرحلة الجديدة
 
01-Feb-2010
 
العدد 8