العدد 8 - الملف | ||||||||||||||
تأسست عمان الحديثة في نهايات القرن التاسع عشر مع وصول طلائع المهاجرين الشركس من قبائل الشابسوغ، الذين استقروا قرب سيل عمان والمدرج الروماني، وذلك في العام 1878، بعد تهجيرهم القسري بالقوة المسلحة من قبل القوات الروسية القيصرية. في ذلك الوقت، كانت شرق الأردن إحدى المناطق العثمانية، وقد جار الإهمال على عمّان، فقد كانت مجرد خرائب مهجورة وسيل ماء ترد إليه مواشي البدو المجاورين. استطاع الشراكسة إعادة عمّان إلى الحياة، فبدأوا ببناء البيوت والمساجد والمتاجر والمدارس، ما أسهم في تشكيل عامل جذب لقدوم مزيد من السكان إليها من مختلف الجهات. وسكن الشراكسة في أحياء ما زالت تحمل أسماءهم حتى اليوم، مثل حي «المهاجرين» وحي «الشابسوغ» وحي «القبرطاي» و«محلّة الأبزاخ» تتابع قدوم الناس إلى عمان والاستقرار فيها، كالأرمن والأكراد والشيشان والشوام والمقدسيين والحجازيين، ما أضفى على المجتمع الأردني الناشئ تنوعاً ثقافياً وعرقياً شكّلَ جزءاً مهماً من نسيجه المجتمعي الأوّلي. الزيادة الملحوظة في أعداد سكان عمّان أسهم فيها الخط الحديدي الحجازي، بخاصة عندما رُبطت به المدينة عبر محطة عمان العام 1903، وأخذت أوضاع عمّان السكانية والاقتصادية تشهد تطوراً تدريجياً، فأنشئ أول مجلس بلدي في المدينة العام 1909 وغدت مركزاً لمديرية ناحية العام 1914. عدد سكان عمان قُدّر بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بين 1500 - 2000 نسمة أو أكثر بقليل، معظمهم من الشراكسة المهاجرين الذين تمركزوا في وسط البلد، في الأشرفية وأجزاء من جبل عمان. مع قيام الثورة العربية الكبرى قدم إليها «أحرار العرب»، ما زاد من عدد سكّانها، إلا أن أهميتها بدأت بالسطوع بعد أن أصبحت عاصمة لإمارة شرق الأردن بقدوم الأمير عبد الله بن الحسين العام 1921، ومن ثم عاصمة للمملكة الأردنية الهاشمية العام 1946. استقبلت المدينة موجات اللاجئين القادمين من فلسطين ابتداء من حرب 1948، حيث بدأت الحياة تتغير بشكل كبير في عمان نتيجة للزيادة الكبيرة في عدد سكانها. ظلت عمان مدينة تتوسع بهدوء محافِظَةً على علاقتها بأجواء القرية من حيث الهدوء وترابط العلاقات الاجتماعية، حتى كانت نكسة حزيران/يونيو 1967 لتشهد المدينة أول انفجار سكاني بهذا الحجم، بعد أن لجأ إليها مئات الآلاف من الفلسطينيين القادمين من غربي النهر. منذ منتصف السبعينيات وحتى الأعوام الأولى من عقد الثمانينيات، كانت عمّان مرة أخرى على موعد مع هجرة قسرية جديدة، استقبلتها هذه المرة من لبنان، التي تفجّرت فيها الحرب الأهلية، واجتاحتها إسرائيل. في عقد التسعينيات، استقبلت عمان كذلك موجات جديدة من الهجرات، بدأت أولها مع الاحتلال العراقي للكويت، الذي أعاد مئات الآلاف من الأردنيين والفلسطينيين إليها، وبعد إخراج الجيش العراقي من الكويت، والحصار الذي فُرض عليه، استقبلت المدينة مئات الآلاف من العراقيين الفارّين من جحيم الحصار، غير أنهم لم يكونوا آخر النازحين من بلاد الرافدين، ففي العام 2003، الذي سقط فيه العراق في قبضة الاحتلال الأميركي، نزح ملايين العراقيين إلى وجهات مختلفة، بعضهم اختار مدينة عمّان، بخاصة بعد اشتعال الحرب الطائفية في العراق. عمان يعود تاريخها إلى أكثر من7 آلاف سنة قبل الميلاد، ومرت عليها حضارات عديدة تؤشر عليها الآثار المنتشرة في أرجاء المدينة. فالمدرج الروماني هو ما تبقى من الرومان، وجبل القلعة بآثاره المختلفة يدل على الحضارات الإغريقية والرومانية والعمونية والأموية، والرجم الملفوف في جبل عمان المطل على وادي صقرة هو ما تبقى من حضارات ما قبل التاريخ لعبادة الطبيعة كالشمس والقمر والنجوم. قدم إليها الحثيون والهكسوس ثم قبائل العماليق، تلتهم قبائل بني عمون (العمونيون) الذين أعطوا المدينة اسمهم، فأطلقوا عليها في البداية اسم ربة عمون، ثم سقطت كلمة «ربّة» مع مرور الزمن، وبقيت عمون إلى أن أطلق عليها الأمويون اسم عمّان. سيطر البطالسة على المنطقة بما فيها ربة عمون التي أبدل بطليموس الثاني اسمها العام 285 ق.م إلى اسم «فيلادلفيا»، الذي يعني مدينة الحب الأخوي؛ نسبة للقائد فيلادلفيوس، وجعل من جبل القلعة موقعاً للمعابد كجبل الأكروبولس، وانتعشت في ذلك العهد منطقة عراق الأمير، نسبة لقصر الملك طوبيا المعروف بقصر الأمير. انقسمت عمان لتصبح جزءاً من الدولتين النبطية والسولوسيدية، إلى أن استولى عليها الملك الروماني هيرود العام 30 ق.م، حتى مجيء الفتح الإسلامي ليعود اسمها القديم ثانية. عمان مدينة جبلية ترتفع عن سطح البحر قرابة 750 متراً، ومتوسط ارتفاع جبالها 918 م، وتشتهر بجبالها السبعة الأولى التي أنشئت عليها، إلا أنها اليوم تمتدّ بشكل رئيسي فوق عشرين جبلاً تقريباً على طول المدينة وعرضها: القصور، الجوفة، التاج، النزهة، النصر، الأشرفية، النظيف والأخضر، إضافة إلى جبل عمان وجبل اللويبدة وجبل الحسين وجبل القلعة، ومعظم هذه الجبال موجود الآن ضمن منطقة شرق عمان. الطقس في عمان معتدل بشكل عام، إذ يسود مناخ البحرالمتوسط في معظم مناطق العاصمة، بخاصة في المرتفعات، بينما يسود بعض مناطقها المناخ شبه الصحراوي، بخاصة في المناطق الشرقية منها. وترتفع درجات الحرارة صيفاً وتصل أعلى مستوياتها في منتصف آب/أغسطس، حيث تصل في بعض الأحيان إلى 35 درجة مئوية. وتنخفض الحرارة شتاء لتصل في كانون الأول/ ديسمبر أحياناً إلى الصفر أو ما دونه، حيث يتسبب ذلك بتساقط الثلوج على المرتفعات، ويعتدل المناخ في فصلي الربيع والخريف. يتميز البناء في عمان، بعامة، باستخدام الحجر كجزء أساسي يدعم واجهات البناء من جهاته الأربع، وهذا لا ينحصر في جزء معين من المدينة، لكن عمان الغربية تتميز بجمال العمارة وجودة الخدمات وانتشار الفنادق فئة الخمس نجوم، إضافة إلى معظم الوزارات المنشأة على أسس ومقاييس متميزة في العمارة والبناء. الحجارة المستخدمة في بناء مدينة عمان تكشف عن الفن الذي تميز به معمار المدينة، ليمنحها طابعاً ولمسة جمالية دفعت المهندسين إلى ممارسة إبداعهم في تنوع كبير من أساليب العمارة، متأثرين بالموروث الحضاري لمدينة عمان؛ الإسلامي والروماني واليوناني. |
|
|||||||||||||