العدد 8 - الملف
 

بدأ مسلخ أمانة عمان عمله قبل 38 عاماً، ورغم قدم آلاته ومعداته إلا أنه ما زال يقوم بعمله. طاقته التشغيلية القصوى تبلغ 4800 خروف، و280 عجلاً، و50 ألف «طير» دجاج يومياً، وهو حالياً بالإمكانات التقنية نفسها التي بدأ بها العام 1972، رغم أنه كان حينها يتم تشغيله لذبح 400 خروف و20 عجلاً يومياً.

هذا لا يمنع مدير المسلخ الطبيب وليد العجلوني من التباهي بأن الأعوام الاثني عشر الماضية «لم تشهد أيّ حالة تسمم غذائي» بسبب اللحوم الموزعة من المسلخ، وهي فترة تسلّم العجلوني إدارة المسلخ.

الحديث عن الغذاء الفاسد، واللحوم المستوردة التي لا تصلح للاستهلاك البشري، يعتبرها العجلوني في حديثه لـ ے بأنها «غير موجودة في قاموسه». ويقول: «لا أرفض تدخلات حيتان الاستيراد والتجار فحسب، بل أواجهها بموقف حازم، وأتحدى أن يتمّ إثبات وجود حالة واحدة أصيبت بالتسمم الغذائي»، ويؤكد عدم إدخال «ولو قطعة لحم صغيرة فاسدة إلى العاصمة».

يتحدّث العجلوني عن «شفافية كبيرة» في عمل المسلخ، إذ يبين أن «كل شحنة لحوم فاسدة كنا نصورها فوتوغرافياً لتوثيق عملنا»، غير أن «تعقيدات ديوان المحاسبة»، منعت من تواصل مثل هذا الإجراء «كونه يكلّف خزينة الدولة خمسة دنانير بدل الفيلم وتحميضه». ويضيف: «موظفو ديوان المحاسبة كانوا يتهموننا بشراء الأفلام وتحميضها لتصوير أولادنا، وهذا غير صحيح».

قضية طفت على السطح في التقرير عن مسلخ عمان، فقد تبين أن اللحوم الحيّة المستوردة من جورجيا، يتم ذبحها في المسلخ ودمغها باللون الأخضر، وهي دمغة اللحوم البلدية، وهذا ما أكده مدير المسلخ. يقول: «مهمتنا تقديم خدمة الذبح، ولا علاقة لنا من قريب أو بعيد بالتصنيف أو التسعير، فهذه مهمة وزارتي الزراعة والصناعة والتجارة».

وتأكيداً لخلو السوق من اللحوم البلدية بحسب ما اتفق عليه مدير المسلخ وتجار اللحوم البلدية، فإن تجار اللحوم البلدية يشكون من أنه منذ عيد الأضحى لم يذبح المسلخ أكثر من 50 خروفاً بلدياً. ويقول التاجر راتب النوايسة «المسلخ لا يذبح به الخروف البلدي، بل يتم تصديره إلى الخارج، وهذا ليس ذنب المسلخ».

النوايسة يؤكد لـ ے أن كيلو اللحم البلدي يكلّف 10 دنانير، «بينما ترى في السوق كيلو اللحم البلدي أقل من ذلك بكثير». ويعلل ذلك بأن «هذا اللحم مستورد من جورجيا، ويتم دمغه بالختم الأخضر على أنه بلدي»، وهو ما يعدّ مخالفة صريحة للقوانين. ويضيف: «أنا كتاجر للحوم البلدية قاعد.. لا عندي لا شغله ولا مشغلة».

التاجر خالد النابلسي يطرح قضية أخرى في سوق تجارة اللحوم، وهي منع وزارة الزراعة ذبح «العبور»، أنثى الخروف الضأن، وذلك لـ«الحفاظ على الثروة الحيوانية»، كاشفاً عن أن «العبور البلدية يتم تصديرها إلى الخليج، ولا يُسمح لنا في الأردن بذبحها».

ويقول في حديثه لـ ے إن الأميرة عالية بنت الحسين طلبت خلال اجتماع لها مع التجار في مقر المسلخ، بمنع ذبح أنثى الخروف، لكنّه يكشف عن أن تجّاراً «يتحايلون على هذا التوجّه، ويصدّرون خير البلد إلى الخارج».

النابلسي يلفت كذلك إلى مسألة «تزوير أختام ودمغ اللحوم في المسلخ باللون الأخضر على اعتبار أنها بلدية، فيما تكون في حقيقة الأمر مستوردة». ويؤكد «لا يوجد لحم بلدي في السوق، ومن يقول لك عكس ذلك يكذب، إلا إذا ذبح الخروف أمام عينيك».

مدير المسلخ يؤكد ما ذهب إليه التاجران، ويشير إلى أنه لا علاقة للمسلخ بالتصنيف والتسعير، فمهمة المسلخ هي «بنذبح اللي بيجينا»، من عجول ودجاج وخرفان.

ويقول إن المسلخ مهمته «دمغ اللحوم»، مؤكداً: «يُدمغ الخروف الجورجي المذبوح في المسلخ باللون الأخضر، فالمواطن لا يمكنه التفريق بين الخروفَين البلدي والجورجي، لأن كلاهما يحمل دمغة خضراء بعد ذبحه في المسلخ، كما أنه لا توجد عجول بلدية في الأردن، فجميعها مستوردة». ويضيف: «ليس من مهمتنا تصنيف اللحوم إن كانت بلدية أو مستوردة، بل نحن ندمغ وفق تعليمات وزارتَي الزراعة والصناعة والتجارة، فنحن ننفذ تعليمات ولا نتحايل على المواطن، والأولى بالسؤال وزارة الصناعة والتجارة، لأنها هي التي تصنّف وتسعّر».

يؤكّد العجلوني الالتزام بالمعايير الإسلامية في طريقة الذبح، من خلال الفتوى الصادرة عن مفتي المملكة. ويقول: «نحن الآن نذبح بالصعق الكهربائي، لأن حجم العمل اليومي كبير جداً، ولا يمكن الذبح باليد، فذلك يحتاج إلى طواقم كبيرة»، بخاصة مع زيادة كميات الذبح يومياً.

وفي محاولة لطمأنة المواطنين على سلامة اللحوم يقول العجلوني: «إذا دخلت أي شحنة من اللحوم المستوردة إلى المسلخ وثبت فسادها بعد الكشف الحسّي والمخبري عليها، تُتلَف مباشرة، ويُمنع إخراجها من بوابات المسلخ وإعادتها لصاحبها».

رغم الإمكانات المحدودة الموجودة في المسلخ وقدمها، يباهي العجلوني بـ«الكفاءة والمهنية لدى العاملين والكوادر من الأطباء، والتي لا تضاهى في أي مسلخ آخر». ويقول: «لا يوجد مسلخ جيد يعمل مثلنا من ناحية الإمكانات والمواد، فلا يوجد مسلخ مثلنا فيه 23 طبيباً مشرفاً ومراقباً على أداء العمل حفاظاً على وصول المواد الغذائية سليمة للمواطن».

أما من ناحية الرقابة الصحية على عمليات الذبح وصلاحية الذبيحة، فيؤكد: «نحن كرقابة صحية من أفضل الدول في العالم، رغم شح الإمكانات، لذلك سننشئ مسلخاً جديداً خارج عمان بمواصفات عالمية»، معلّلاً ذلك بـ«ضرورة تحديث ماكنات وتجهيزات المسلخ، لأن كفاءته الحالية تقوم على كاهل كوادره وليس على إمكاناته وتجهيزاته».  

وللتغلّب على مشكلة متبقيات الدم التي تنتشر رائحتها في الصيف، يبين العجلوني أنه يجري العمل على إعادة سحب الدم ونقله إلى مكب النفايات، أو استخدامه لغايات إنتاج الطاقة، حيث يتم تخزين الدم في غرف تحت الأرض محكمة الإغلاق، ويتم نقله بصهاريج إلى مصنع الغاز الحيوي للاستفادة منه في إنتاج الغاز من مصنع البيوغاز في ماركا.

مسلخ عمان يحصل على رسوم عينية مقدارها ديناران بدل معاينة وفحص الذبيحة، وهذا بحسب العجلوني يسهم بإيرادات سنوية بلغت العام 2009 أربعة ملايين و872 ألف دينار، تساعد في العمليات التشغيلية للمسلخ على مدار العام.

وفي نظرة إحصائية لمجمل العمل السنوي للمسلخ، يتضح من خلال التقرير السنوي لدائرة المسالخ أن مجموع ما تم معاينته من اللحوم المبردة والمواشي والدواجن والأسماك بلغ زهاء 44 مليون 764 ألف كغم من اللحوم، أما حجم اللحوم المجمدة التي تمت معاينتها خلال العام 2009 فبلغت 8 ملايين وتسعين ألف كغم، ومجموع ما تم إتلافه من جميع أنواع اللحوم 357 ألف كغم.

أُنشئ مسلخ عمان العام 1972، حيث كان عدد سكان عمان حينها أقل من 400 ألف نسمة، ولم تكن اللحوم المستوردة قد غزت الأسواق المحلية، ولم يكن لدى المسلخ سوى طبيب أو طبيبين للإشراف عليه، ويقوم المسلخ على مساحة 12 دونماً حالياً، بينما كانت مساحته 18 دونماً وقت إنشائه.

38 عاماً من العمل بالآلات نفسها - مسلخ عمان: الخروف الجورجي يُدمغ بالأخضر والعجول كلّها مستوردة
 
01-Feb-2010
 
العدد 8