العدد 8 - الملف
 

تحدٍّ كبير بانتظار مديرية الثقافة في أمانة عمّان الكبرى بعد إعادة الهيكلة، وتبنّي شعار «الثقافة من أجل التنمية» في مدينةٍ يتسم الوضع الثقافي فيها بـ«مكانك سر»، بحيث لا يقود إلى حالة نوعية بارزة بحسب الناقد غسان عبد الخالق، الذي ينوّه إلى أن الثقافة تعدّ «أمراً غائباً عن أولويات السكان» الذين يصل عددهم إلى نحو 2 مليون نسمة، فضلاً عن أن مفهوم الثقافة ما زال ينحصر بكونها «الشعر والأدب بالمفهوم الكلاسيكي».

وهو ما يتفق معه فيه التشكيلي غسان مفاضلة، الذي يرى أن المشهد الثقافي «يعاني من غياب المنظومة المتكاملة التي يُفترض أن تشكّل الحاقن والمرسل والدليل»، ويقول إن «الأمانة» التي يبلغ عدد موظفي مديرية الثقافة فيها حوالي 1300 شخص، لم يفرز اهتمامها بالنشاط الثقافي على مدار سنوات «حراكاً ثقافيا حقيقياً وملموساً»؛ فأثر النشاطات الثقافية سرعان ما ينتهي بانتهاء الحدث نفسه، باستثناء حالات فردية وفريدة.

أما رئيس رابطة الموسيقيين وأول نقيب للفنانين الأردنيين مالك ماضي، فيذهب إلى أن العمل الثقافي في عمان «يفتقد إلى المأسسة وإلى إستراتيجية قابلة للقياس وواضحة الأهداف والآليات»، مشيراً إلى أن هذا الوضع «يظل مرهوناً بمزاجية صانعي القرار واختلاف رؤاهم من وقت لآخر»، وأن «العمل التراكمي مفقود تماماً في المؤسسات الثقافية الحالية».

ويمكن عزو ذلك إلى ما أشار إليه عبد الخالق من ضرورة وجود دراسة علمية تقييمية سنوية حول الوضع الثقافي، تُبنى عليها أي إستراتيجية ثقافية ناجحة. ے حاولت العثور على مثل هذه الدراسة، إلا أن غيابها يبدو أمراً لا بد من الاعتراف به، على أهميتها.

من جهته، يبدد المدير التنفيذي للثقافة في أمانة عمان الكبرى سامر خير، المخاوف السابقة، مؤكداً لـ ے أن هناك انتقالاً جذرياً في الخطة الثقافية للأمانة من خلال شعار «تنمية ثقافة المجتمع»، الذي تبنته مديرية الثقافة في الأمانة مؤخراً، إضافة إلى تطور مضمون العمل الثقافي في الأمانة من «هدف معرفي» إلى «هدف سلوكي»، بحيث يكون المستهدَف هو «المجتمع» وليس المثقفين، لتصبح المنتجات الثقافية «وسائل» وليست غايات، ويصبح الفنانون والمثقفون «شركاء» في عملية التنمية المجتمعية وليسوا «متلقي دعم أو خدمة»، الأمر الذي يؤيده رئيس سابق لبلدية إربد ومساعد سابق لأمين عمان وليد المصري، ويزيد عليه وجوب دعم المواطن المتلقي أيضاً من خلال بناء الذائقة الفنية والثقافية لديه، وتوفير منتجات الثقافة بأقل تكلفة عليه.

المختصة بمجال علم الإنسان والمستشارة الإقليمية في مجال التنمية لمياء الراعي، ترى أن الشعار الذي تبنته الأمانة «نبيل وطموح وضروري»، عازية ذلك إلى الواقع الذي يتطلب أن تؤدي الثقافة دوراً مهماً في التنمية، إلا أنها تفضّل لو كان الشعار: «إشراك المجتمع في الثقافة»، من خلال الوصول إلى منابع الفنون والثقافة عند الناس، والعمل مع الفنانين والمثقفين على خلق أشكال فنية معاصرة وتعريض الجمهور للثقافات المختلفة في العالم.

ولا يخلو حديث الراعي من تساؤلات: «ما هي الثقافة بحسب الأمانة؟»، و«هل قامت الأمانة بفهم سياق الثقافة في المدينة؟»، و«ما النقطة التي يُبتغى أن تصل إليها هذه الثقافة؟»، و«كيف ستلعب الثقافة دوراً في التنمية؟»، و«من المستهدف من عملية التنمية؟».

وهي تؤمن بوجوب مراعاة حقائق حول مدينة عمان عند وضع أي خطة ثقافية لها، منها التمايز الطبقي الموجود في المدينة، وكون عمان مدينة ذات ثقافات متفرعة sub – cultures تنتقل من جيل إلى آخر، فضلاً عن وجود ثقافات متعددة diverse cultures. لذا تؤكد الراعي ضرورة مخاطبة المستويات كافة في أي خطة، وتحديد احتياجات أهالي المناطق، ومعرفة مدى معرفتهم بالخدمات الثقافية المقدمة من الأمانة.

خير يرد على التساؤلات، بقوله إن الخطة الجديدة اعتمدت على ثلاثة أهداف إستراتيجية؛ «التأثير إيجابياً في قيم المجتمع وسلوكه، تحويل الخدمات الثقافية المقدَّمة إلى صناعة ذات جودة عالية، والإسهام في تنمية ثقافة المجتمع من خلال الشراكة مع المثقفين والفنانين».

ويعزو سبب وضع إستراتيجية جديدة، إلى «الفهم الحقيقي لدور الثقافة في المجتمع ودور الأمانة في تحقيق ذلك»، موضحاً أنه جرى توحيد الملف الثقافي في مديرية واحدة، هي مديرية الثقافة، وُزّع العمل فيها على ثلاث دوائر رئيسية؛ دائرة المراكز الثقافية، دائرة البرامج الثقافية، ودائرة المكتبات. فيما كانت الأمانة، قبل الهيكلة، تضمّ تسع دوائر ثقافية تعمل كل منها على حدة؛ بيت الشعر، الدائرة الثقافية، بيت تايكي، مركز زها الثقافي، مركز الحسين الثقافي، مجلة عمّان، حدائق الملكة رانيا، دائرة المكتبات ومركز سحاب الثقافي.

المصري الذي تولّى الملف الثقافي خلال الاحتفال بعمان عاصمة الثقافة العربية 2002، يوضح أن قانون البلديات، بما فيها الأمانة، يقتضي بأن يكون لها دور في الثقافة والخدمات المقدمة للمجتمع على حد سواء. ويرى أن دور الأمانة الرئيسي ليس «كناسة وحراسة» على حد تعبيره، بل «بناء مجتمع يتمتع بالسكينة» وهذا يتأتى من خلال أجواء ثقافية وفكرية وعاطفية «إيجابية ومستقرة» في المجتمع.

دور الأمانة في «خلق المجال الثقافي» يتمحور بحسب المصري، حول علاقة سوية بين ثلاثة أطراف؛ المجتمع، والأمانة، والمؤسسات الوطنية والمثقفين والفنانين. وهو يؤكد أهمية توفير الأمكنة والفضاءات التي تحتضن الثقافة، وضرورة تفعيل هذه الأمكنة والوصول إلى الناس في أحيائهم وأماكن تواجدهم من أجل إيجاد حالة تفاعل بناء.

التوجهات الثقافية للأمانة للعام 2010 تتضمن ثماني خدمات ثقافية ستعمل الأمانة على تقديمها لمجتمع المدينة، منها: توفير الكتب والمجلات والمواد المعرفية من خلال 70 مكتبة منتشرة في مناطق عمان السبع والعشرين؛ البرامج الثقافية الدورية النخبوية مثل المؤتمرات والأمسيات الشعرية؛ النشاطات الثقافية غير الدورية التي تقدم لعامة الناس والتي يجري تقديمها في العادة في الفضاءات الثقافية المفتوحة مثل الشـوارع الثقافية والحدائق والمراكز الثقافية الصغيرة، نشر الكتب والمجلات بمعدل 70 كتاباً في السنة و3 مجلات ثقافية هي؛ عمان الموجهة للمجتمع والأسرة والتي تم تغيير شكلها ومضمونها، تايكي المجلة العربية الوحيدة المتخصصة في الإبداع النسوي، و براعم عمان الموجهة للأطفال والتي يتم العمل على تطويرها.

يضيف خير إن الأمانة تعمل على توفير المراكز الثقافية كمرافق للعمل، وخدمة تقديم الدعم المالي للهئيات الثقافية، إضافة إلى المشاركة في الاحتفالات الوطنية من خلال فرقة أمانة عمان للفنون الشعبية وتمثيل الأردن في المهرجانات المتخصصة بالفنون الفلكلورية، وتقديم أمسيات دورية في الفضاءات الثقافية خلال فصل الصيف.

خير بيّن لـ ے أنه بين «النشاطات التواصلية» و«البرامج النخبوية»، هناك منتجات ثقافية سيجري تقديمها، منها إعادة توزيع عملية إصدار الكتب في الأمانة وتصنيفها ضمن سبعة حقول جديدة؛ الفكر والمجتمع، التربية والأسرة، التاريخ والجغرافيا، الفنون، العلوم، الآداب، والمذكرات الوطنية؛ وتنظيم نشاطات شعرية دورية خلال العام، وبشكل منتظم ومواعيد ثابتة في كل شهر، وتنظيم مسابقة للشعراء.

ے حصلت على نسخة من «روزنامة الفعاليات الثقافية» للأمانة للعام 2010، التي تنظَّم في 11 فضاء ومركزاً تابعاً للأمانة. الروزنامة تشتمل على 24 أمسية شعرية بمعدل أمسيتين شهرياً في بيت الشعر، و6 حفلات توقيع كتب، و3 حملات تثقيفية تُعقد في الحدائق الثقافية هي: حملة العلاقة مع المكان والإنسان، حملة احترام الوقت والالتزام بالقانون، وحملة ثقافة الانتخاب.

تتضمن الروزنامة 11 معرضاً فنياً، وافتتاح 4 مكتبات متخصصة، وافتتاح مركز الأشرفية الثقافي ومهرجان الفيلم الأوروبي ومعرض عمان الدولي، وتنظيم دورات تدريبية فنية وثقافية للأطفال على مدار العام في مركز زها الثقافي، و6 أمسيات لفرقة الأمانة، وعرضاً غنائياً لبيت الموسيقيين الرواد، فضلاً عن 6 محاضرات وندوات، وملتقى القصة القصيرة.

المغنية مكادي نحاس، التي تعتقد أنه يجب عدم النظر إلى الأمانة على أنها «مؤسسة ثقافية بحتة»، تقرّ بأن الأمانة تنطوي على «مؤسسة نشيطة ثقافياً»، وترى أن الفنانين والمثقفين «شركاء للأمانة في تنمية ثقافة المجتمع»، وأن إعادة الهيكلة «خطوة مهمة».

نحاس التي عملت مع الأمانة في ورشات عمل مختلفة، تقول من واقع تجربتها إن لدى الأمانة «وعياً لدور الثقافة والفنان في تنمية المجتمع»، لكنّها ترى أن «المنتج الثقافي الصادر عنها يفتقد خطة تسويقية تعمل على نشره»، فضلاً عن تأكيدها وجود تقصير في تواصل الأمانة مع الإعلام، وضعف التغطية الإعلامية لنشاطات الأمانة الثقافية، وهو ما يؤكده خير أيضاً.

في هذا السياق، يبيّن خير أن توطيد العلاقة مع الإعلام بهدف إبراز النشاطات الثقافية، من ضمن الأمور التي تسعى إليها مديرية الثقافة، ضافة إلى تقديم برنامج جديد على إذاعة «هوا عمان» التابعة للأمانة، لتسليط الضوء على النشاطات الثقافية ومناقشتها، بحسب خير.

الأمانة ستتبع سياسة جديدة في الإعلان عن فعالياتها الثقافية، إذ ستقوم بإنشاء موقع إلكتروني يضم روزنامة الفعاليات، فضلاً عن احتوائه على لقطات فيديو من الفعالية نفسها ليتسنى للجمهور حضورها حتى بعد انتهاء الفعالية نفسها.

من جهة أخرى، انخفضت الموازنة المخصصة لمديرية الثقافة للعام 2010، بنسبة 50 في المئة، بسبب «الظروف المالية التي تشهدها الأمانة»، بحسب خير الذي يتوقع أن تصل تكاليف العمل الثقافي إلى 7.5 مليون دينار في العام الجاري. ويستدرك أنه تمّت زيادة مخصصات النشاطات غير الدورية من 137 ألف دينار في 2009 إلى 900 ألف دينار، نافياً ما يُشاع من تقليص مكافآت الكتاب، يقول: «لم يتم تقليص مكافآت الكتّاب، بل على العكس، تم رفعها»، مشيراً إلى أن الأمانة «تحترم الإنتاج المتميز وتقدم له مكافأة تليق به».

الروائي والناشر إلياس فركوح يؤكد أن الأمانة أسهمت سابقاً في أنشطة ثقافية؛ داعمة أو مشاركة أو متفردة، مثل معرض عمان الدولي للكتاب، إضافة إلى إسهامها في بناء البنية التحتية الثقافية في المدينة. وهو يرى أنه من المبكر الحكم على أداء الأمانة ما بعد مرحلة إعادة الهيكلة، إلا أنه يلفت إلى أن الاتفاقيات التي وقعتها الأمانة مع الهيئات الثقافية والفنية «تبشّر بالخير»، مشيراً إلى أنها «قد توجِد حالة تفاعل من نمط جديد، ما يعزز ذهنية المؤسسية في العمل الثقافي».

كانت الأمانة وقّعت مؤخراً اتفاقيات تعاون وشراكة مع أربع هيئات ثقافية وفنية: رابطة الكتاب الأردنيين، رابطة الفنانين التشكيليين، نقابة الفنانين الأردنيين والجمعية الأردنية للتصوير.

رئيس رابطة الكتاب الأردنيين سعود قبيلات أبدى سعادته لكون الرابطة الآن «شريكة» للأمانة في نشاطها الثقافي في عمان. وهو يصف الاتفاقية بين الأمانة والرابطة بـ «الجيدة»، آملاً أن تسهم في رفع مستوى الحراك الثقافي، ومنوهاً إلى أنها تُعدّ «بداية»، وأن هناك طموحاً لتطويرها في المستقبل.

الفنان عامر الخفّش يتفق مع فركوح في أن «الأمانة تلعب دوراً مهماً في المشهد الثقافي والفني الأردني»، مضيفاً أنها «أصبحت المرجع الأول والأخير لمعظم المبدعين وإنتاجهم الثقافي والفني». وهو يتمنّى أن يُعمَّم ما تقوم به الأمانة على المؤسسات والجهات الحكومية المعنية بالثقافة، ما يسهم في حلّ مشكلة عدم وجود شركات إنتاج وجهات داعمة للثقافة في البلاد.

لكن فناناً فضّل عدم نشر اسمه، يرى أن «الوضع الثقافي في الأردن يتسم بالتخبط»، وأن «الأمانة جزء من هذا التخبط»، وإن كانت أخفّ المؤسسات تخبطاً. الفنان نفسه يتهم الأمانة بـ «دخول الهوى في عملية اختيار الأعمال وإنتاجها»، ما أدى إلى «إنتاج أعمال دون المستوى على حساب أعمال أخرى ذات أهمية، ليسهم بالتالي في ترويج الرداءة»، لافتاً إلى أن «للعلاقات الشخصية دوراً كبيراً في حصول الفنانين على دعم من الأمانة»، وهو ما يصفه بـ «مصيبة كبرى».

ويتساءل إن كان أصحاب القرار في الأمانة، يمتلكون «الثقافة الفنية الشاملة» التي تمكّنهم من إصدار قرارات صائبة في تخصصات فنية مختلفة، في الوقت الذي يتخذ فيه كاتب أو شاعر قراراً بشأن الفن التشكيلي أو الموسيقى. ويقترح وجود مجلس فني يضم أشخاصاً ذوي تخصصات مختلفة يجتمعون معاً ويتخذون القرارات المعنية بالثقافة، على أن يتم تغييرهم سنوياً، للحد من «الواسطة».

لكن خير أوضح لـ ے، أنه يتم إجراء مستويَين من التقييم، أولهما منهجي تقوم به مديرية الثقافة، بحيث يتم التأكد من أن المنتج الثقافي يتناسب مع روح الدور الثقافي للأمانة، وإذا اجتاز المنتج هذه المرحلة ينتقل إلى التقييم الفني الذي يقوم به مختصون يتم ترشيحهم من الهيئات الثقافية والفنية التي تم توقيع اتفاقيات شراكة معها.

وحتى تاريخ إعداد هذا الملف، يتوافر لدى مديرية الثقافة في الأمانة، قواعد منهجية لقبول المخطوطات فقط، ولا يتوافر قواعد منهجية للمنتجات الثقافية الأخرى.

«الأمانة معنية بإجراء تقييم نوعي وكمي لمنجزاتها في الخطة المقبلة»، يقول خير الذي كشف عن التوجه لإصدار تقرير سنوي عن واقع الثقافة في مجتمع مدينة عمان، يدرس التغير الحاصل في واقع الثقافة في المدينة، ويقيس مدى اهتمام المجتمع بالمنتجات الثقافية ونظرته للمرأة والعمل واحترام القانون. وستقوم الأمانة، بحسب المدير التنفيذي للثقافة، بتوزيع استبيانات خلال الفعاليات للحصول على تغذية راجعة حولها. كما سيتم إجراء مراجعة سنوية لخطة المديرية التي تمتد إلى ثلاث سنوات.

الدور الثقافي لـ«الأمانة» بعد الهيكلة: رؤى طموحة تبديدُ الشكوك رهنٌ بتنفيذها
 
01-Feb-2010
 
العدد 8