العدد 8 - الملف
 

لم يعد حسني الخضور، 13 عاماً، ينظر إلى تردّي البنية التحتية لشوارع المنطقة التي يسكنها وحدائقها وبقية مرافقها بوصفها قضية لا يد له فيها، وأن عليه تقبُّلَها على أنها شأنٌ يخصّ المسؤولين عن المنطقة وحدهم. فهو، بعد انتخابه عضواً في لجنة بلدية أطفال بسمان، يمارس حقّه أسوة بأطفال آخرين في المدينة، في إيصال صوتهم إلى المسؤولين، ومطالبتهم بتحسين البيئة التي يعيشون فيها. المطالبات أسفرت عن إعادة تأهيل حديقة الأمير هاشم، الحديقة الوحيدة في الحي، لتصبح متنفساً لأهالي المنطقة، بعد أن كانت مصدر قلق وأذى.

منال غيث، 23 عاماً، معلمة في روضة للأطفال، التقتها ے وهي جالسة مع ابن أخيها على حصيرة تحت شجرة، وكانت تدرّبه على كتابة الحروف، قالت إن الحديقة قبل تأهيلها كانت «خرابة»، فقد كانت، إضافة إلى افتقارها إلى الحد الأدنى من المرافق، مأوى لشباب عاطلين عن العمل كانوا يؤمّونها نهاراً وليلاً، ويرتكبون ممارسات «لا أخلاقية» فيها. جارتها هلا الفيومي، 35 عاماً، أكّدت صحة كلامها، قائلة إن «الأهالي كانوا يمنعون أطفالهم من ارتياد هذه الحديقة، ويفضّلون بقاءهم في الشارع».

الحال، بحسب الجارتين، تغيّرت، فالحديقة بعد تأهيلها تضم الآن ألعاباً لأطفال من فئات عمرية مختلفة، ومسرحاً ومكتبة وملاعب لكرة القدم والسلة والكرة الطائرة، إضافة إلى قاعة نشاطات مغلقة يؤمها الأطفال في الشتاء، وقد صممت ممراتها لتناسب الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يستخدمون كراسي متحركة، كما لفتت الفيومي إلى أن وجود موظفة تعمل كمشرفة اجتماعية في الحديقة شجّع أهالي المنطقة التي «تتسم بالمحافظة»على السماح لبناتهم بارتيادها.

حدائق أخرى في مناطق اليرموك وخريبة السوق وراس العين تمّ تأهيلها بمشاركة أطفال عملوا مثل الخضور كـ»ممثلين مجتمعيين»، وكان هذا كله جزءاً من تجربة لجان البلديات المكونة من الأطفال، والتي بدأت في الأردن العام 2006، وذلك في إطار إطلاق عمان كمدينة صديقة للأطفال، وهي مبادرة تشتمل، إضافة إلى تجربة انتخابات الأطفال، على مشاريع تتعلق بالتعليم والبيئة والصحة وغيرها.

المدن الصديقة للأطفال مبادرة عالمية أطلقتها الأمم المتحدة العام 1996، ركّزت فيها على حق الأطفال في المشاركة في صنع القرار في المدن التي يعيشون فيها، ووفق وثيقة نشرتها اليونسيف، فإن السنوات التي تلت إطلاق المبادرة شهدت تشكيل مجالس للأطفال في مدن في أوروبا وأفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية.

عربياً هناك مجالس بلدية للأطفال في مدن فلسطينية مثل غزة ونابلس ورام الله، وهناك أيضاً مجالس في دول مثل اليمن وتونس والسعودية.

في الأردن ما زالت التجربة في طور التشكّل، فالانتخابات نفّذتها ابتداء من العام 2006، في الأمانة الهيئة التنفيذية لمدينة صديقة للأطفال، وهي الجهة المشرفة على تطبيق المبادرة، بتمويل من أمانة عمان الكبرى والمعهد العربي لإنماء المدن ومنظمة اليونسيف، بالتعاون مع المركز الوطني لحقوق الإنسان، وزارة التربية والتعليم، أونروا، وزارة التنمية السياسية، ووزارة الداخلية.

وقد أقيمت دورتها الانتخابية الأولى في أيار/مايو 2006، في أربع مناطق تجريبية هي: اليرموك، بسمان، رأس العين، وخريبة السوق، وهي انتخابات قالت الأمانة إن 30 ألف طالب وطالبة شاركوا فيها، وهم طلبة ينتمون إلى الفئة العمرية 12-15 عاماً، في 77 مدرسة حكومية وخاصة، إضافة إلى مدارس تابعة لوكالة الغوث الدولية. وقد أسفرت عن فوز 77 عضواً.

بحسب خطط الأمانة، كان يُفترض أن تجري انتخابات الدورة الثالثة بحلول العام 2010، وسيتم فيها تمثيل كافة مناطق عمان، لتكون بذلك نواة لأول مجلس بلدي للأطفال في الأردن، لكن ذلك لم يحدث، فالانتخابات الثانية التي كانت مقررة في منتصف 2008، تأجلت إلى نيسان/إبريل 2009، ولم تضمّ سوى خمس مناطق جديدة فقط هي إضافة إلى الأربع الأولى، القويسمة، المقابلين، منطقة النصر، منطقة أبو نصير، وسحاب، وقد شارك فيها بحسب أمانة عمان 50 ألف طالب تقريباً، من 158 مدرسة، أفرزت 158 عضوا، وكان من اللافت التقدم «الأنثوي» فيها، فقد شكّلت البنات 53 في المئة من الناجحين فيها.

منسق المشروع أشرف عبد الهادي عزا هذا «التأخّر» إلى «نمو» مدينة عمان وارتفاع عدد مناطقها لتصبح 27 منطقة، ما أجّل تنفيذ الهدف، لكنه أكّد أن أول انتخابات شاملة لجميع مناطق العاصمة ستجرى العام 2012، أما عن تأجيل الانتخابات الثانية عن موعدها المقرر قرابة العام، فإنه يقول إن الأمانة، أمام الارتفاع الهائل في أعداد الناخبين، آثرت أن تتولى كوادرها عمليات التأهيل التي تتم للعاملين في المشروع والطلبة المنتخبين، وذلك بدلاً من الاستعانة بالقطاع الخاص، «الأمر الذي أخذ وقتاً».

بشار قطيشات يعمل في المشروع كـ»ضابط ارتباط»، وضباط الارتباط هم في الأصل موظفون في مواقع مختلفة في الأمانة، وتمّ تأهيلهم كي يقوموا بتدريب الأطفال المنتخَبين والعمل معهم في الميدان. قطيشات تلقى تدريباً لأربعة أشهر في مواضيع متعددة، منها مهارات العمل الاجتماعي، حقوق الأطفال، وآليات التعامل مع الأطفال المتسربين في الشوارع، وهو تدريب قدّمته مؤسسات محلية مثل نهر الأردن، ودولية مثل right to play، وquest scope، اللتين تعملان مع المتطوعين حول العالم.

كيف تسير العملية الانتخابية؟

الأطفال المنتخَبون الذين التقتهم ے أجمعوا على أنهم خاضوا انتخابات «حقيقية» سيّرت بحسب الإجراءات التي تسيّر أي انتخابات بلدية، وكان من الواضح الاعتناء بأدق التفاصيل ومنها استخدام صناديق اقتراع شفافة لضمان النزاهة، وحصولهم على عدة انتخابية زوّدتهم بها الأمانة وتتمثل بيافطات كرتون وأقلام تخطيط، حتى إن إذاعة هوا عمان التي قامت بتغطية مباشرة للحدث الذي أقيم في جميع المدارس في وقت واحد، قامت بتخصيص مساحات إعلانية للمرشحين أعلنوا فيها عن مشاريعهم المقترحة، وكما يحدث في أي انتخابات تلقت الأمانة طعوناً في النتائج وشكّلت لجان تحقيق لدراستها.

ما الذي يفعله الأطفال المنتخبون؟

في البداية، وقبل تكليفهم بأيّ مهام، يتلقون تدريباً على مهارات القيادة، مهارات الاتصال، وإدارة المشاريع الصغيرة. التدريب بحسب قطيشات ضروري جداً، فالأطفال الذين يكمن دورهم الأساسي في كونهم الوسيط بين أطفال منطقتهم ومجلس الأمانة، عليهم قبل تقديم اقتراحاتهم إلى مجلس الأمانة أن يمتلكوا مهارة التواصل مع المجتمع المحلي من أجل تحديد حاجاته وأولوياته، وعليهم أيضاً أن يمتلكوا مهارة التخطيط لهذه الحاجات، وتنفيذ الحلول المناسبة لها.

الأطفال كما تقول امتياز الشوبكي، ضابطة ارتباط أخرى، يخرجون في عمليات بحث ميدانيّ يقابلون فيها شرائح مختلفة من المجتمع: أطفال، أصحاب محال تجارية، ربات منازل، أطباء وغيرهم، من أجل تلمّس هذه الحاجات. «يقسّم الأطفال في مجموعات، ويخرج ضابط ارتباط مع كل مجموعة ليشرف عليها».

المهمة ليست سهلة أبداً، فعبد العزيز صلاح، طالب في الصف العاشر، قال إن الأطفال كانوا يفرّون خائفين عندما كان يقترب منهم ويطلب محادثتهم، وهو ما أكّده حسام الكسواني، من الصف العاشر، الذي قال إن كثيرين تعاملوا معه بجفاف. أما الفتيات فإن الأمور كالعادة هي أشد سوءاً، ولارا محمد، الصف التاسع، تروي أن عاملة في محل للملابس أشارت بيدها إلى الباب قائلة: «برّا.. ما عندي وقت». تعليقاً على ذلك تقول سلسبيل الرويضان، الصف التاسع، إن رؤية فتيات يتجوّلن في المنطقة ويوجّهن أسئلة هو أمر ما زال غير مألوف في مناطق كهذه.

قطيشات ينوّه هنا إلى أهمية التدريب الذي يتلقاه الأعضاء قبل نزولهم إلى الشارع ذلك أن «معظم ما يتعرّضون له من مواقف يتمّ عرضه في اسكتشات يقوم الطلبة بتمثيلها، وفيها يتعلّمون طريقة التصرف».

الصعوبات لم يواجهها الأطفال المنتخبون من قبل الناس في الشارع فقط، لقد واجهوا ذلك كما يقول عبد الهادي من بعض أعضاء مجلس الأمانة أنفسهم، فالأطفال الذين يفترض أن حضور جلسات الأمانة هو واحد من أنشطتهم الأساسية لم يتمكنوا خلال الأشهر العشرة التي تلت انتخابهم إلا حضور جلسة واحدة، ذلك أن النظام الداخلي لا يمنحهم هذا الحق، وبحسبه فإن جهوداً تبذل من أجل تغيير القانون ولكنها تصطدم بمعارضة من داخل المجلس.

الخلاف السابق لم يكن هو الوحيد، فقد نشب قبله خلاف حاد حول مشاركة الطلبة العرب في الانتخابات، وهي مشاركة أسفرت في الدورة الأولى عن نجاح طالبة سودانية.

المعارضون للمشاركة كانت حجتهم هي أن ما ينطبق على انتخابات المجالس البلدية للبالغين من اشتراط الجنسية الأردنية في عمليتي الانتخاب والترشيح، يجب أن ينطبق على انتخابات الأطفال، في حين تسامح آخرون مع مشاركة الطلبة العرب في الانتخاب، لكنهم عارضوا السماح لهم بالترشيح.

بعد ظهور نتائج الدورة الثانية التي أسفرت عن نجاح طالبة مصرية، وفي جلسته التي عقدت في حزيران/يونيو 2009، أصدر المجلس بأغلبية 22 صوتاً من أصل 41، قراراً حُرم فيه هؤلاء الطلبة من المشاركة.

القرار «التمييزي» أثار انتقادات شديدة، وقد وصفته آنذاك رئيسة الهيئة التنفيذية لمبادرة عمان مدينة صديقة للطفل تغريد فاخوري، بأنه «مخالف لاتفاقيات دولية خاصة بحقوق الطفل وقّع عليها الأردن، وكان من أهم بنودها منع التمييز على أساس العرْق والمذهب والجنس والجنسية».

أمين عمان عمر المعاني، قرر وقتها، إزاء احتدام الخلاف، الاحتكام إلى مدير الدائرة القانونية الذي أكّد أنه «لا مخالفة قانونية» في مشاركة الطلبة العرب في الانتخابات، ولكن هذا لم يمنع من صدور قرار الحرمان من المشاركة بالأغلبية.

الأطفال الأردنيون كان لهم رأيٌ أكثر «تقدمية» من رأي أعضاء المجلس من الكبار، فقد أعرب من التقتهم ے عن استغرابهم من قرار المجلس.

الخضور قال إن «الأطفال العرب الذين يعيشون في عمان يتأثرون مثل الأطفال الأردنيين بما يحدث فيها، ومن حقهم بالتالي أن يشاركوا مثلهم في اتخاذ القرارات التي تتعلق بمشاريع المدينة الخاصة بالطفولة»، أما عبد العزيز صلاح فإنه يذهب أبعد من هذا عندما يطالب بأن تتسع المشاركة لتشمل «جميع الطلبة من جميع الجنسيات»، صلاح يعتقد أن الأمر عندما يتعلّق بالأطفال، فإنهم «يجب أن يعامَلوا بمساواة تامة، بصرف النظر عن الاعتبارات التي يراعيها الكبار في قوانينهم».

هذه القضية حسمت عندما أعيد النظر فيه في تشرين الثاني من العام نفسه، عندما صوّت 28 عضواً لصالح مشاركة الطلبة العرب وذلك في جلسة حضرها مندوبون عن اليونسيف طرحوا فيها تصوّرهم عن الأبعاد السلبية لهذا التمييز.

بعد ما يقارب الأربع سنوات على التجربة، ما هي الإنجازات المتحققة؟

بحسب القائمين على المشروع فإن إنجازات المجلس الأول كانت إنشاء حديقة في منطقة اليرموك، وتأهيل ثلاث حدائق مهملة في مناطق بسمان، رأس العين، وخريبة السوق التي أنشئ فيها أيضاً مركز لتكنولوجيا المعلومات.

أما المجلس الحالي فقد انتهى أعضاؤه من مرحلة البحث الميداني وهم بصدد عرض مقترحاتهم من المشاريع على المسؤولين وذلك تمهيداً لدراستها واتخاذ القرار بشأنها.

قد يكون من المبكر الحكم على التجربة التي ستنهي قريباً عامها الرابع، فالهدف هنا هو تجذير التقاليد الديمقراطية لتصبح جزءاً أساسياً من حياة الأطفال، الأمر الذي يتطلب سنوات من مواصلة العمل، وسنوات أيضاً لقطف الثمار، لكنّ جزءاً من التقييم الأولي لها يقوم بشكل أساسي على معرفة الكلفة المادية، ومدى تناسبها مع ما تمّ إنجازه على أرض الواقع. ے كانت قد طلبت من فاخوري تزويدها بالمبالغ التي أُنفقت في الدورتين الانتخابيتين الأولى والثانية، لكن فاخوري أجابت أنها وبتوجيه من المركز الإعلامي لـ«الأمانة» لا تستطيع إعطاء «أرقام تفصيلية» تتعلق بالميزانية، وستكتفي بذكر قيمة الميزانية المخصصة لمجمل مشاريع مبادرة عمان مدينة صديقة للطفل، والبالغة نحو نصف مليون دينار.

هناك من يتحمّس للتجربة بوصفها تدريباً حيّاً يتلقاه الأطفال على الديمقراطية، وتفعيلاً عمليّاً لشعار المواطنة، لكنّ هناك من يراها مجرد «هيزعة». أبو العبد، 63 عاماً، أحد سكان الهاشمي الشمالي وجار لحديقة نايفة التي تمّ تأهيلها لتصبح حديقة الأمير هاشم، قال لـ ے إن الحديقة ظلت لسنوات طويلة ورغم الشكاوى المستمرة جاثمة مثل كابوس على صدور سكان المنطقة فقد كانت وكراً لتجمّع «الزعران» الذين يتعاطون فيها الكحول والمخدّرات، وهو يرى أن ما تحوّلت إليه الحديقة هو شيء جميل، لكن الهدف الأساسي من وجود أي حديقة، يقع في صلب مهام أمانة عمان، التي كانت الحديقة كل هذه السنوات تحت سمعها وبصرها، ولم تكن المسألة بحاجة إلى انتخابات و«روحات وجيّات» وأطفال يدلّونها عليها ويقولون لها إنها بحاجة إلى تأهيل.

عبد الهادي يردّ على ذلك بقوله إن تأهيل الحدائق أمر تقوم به الأمانة كل يوم، ولكن الفعاليات التي أضيفت إلى الحدائق التي أُنجزت في إطار المبادرة، تعدّت العمل المعتاد الذي تقوم به الأمانة، وأسهم في تحويل الحديقة بالمرافق التي أضيفت إليها والفعاليات التي تنفذ فيها لتكون جزءاً أساسياً من حياة السكان.

انتخابات بلدية لأطفال عمان: مبادرة عالمية تتفاعل محليّاً
 
01-Feb-2010
 
العدد 8