العدد 8 - الملف
 

تستعد أمانة عمان الكبرى لإطلاق «مبادرة 2010 عام سلامة المشاة في عمان»، بالشراكة مع إدارة السير المركزية ومركز حكمت للسلامة المرورية والجمعية الوطنية للتوعية الصحية (كفى).

المبادرة جاءت نتيجة زيادة حوادث السير في عمان بنسبة كبيرة، قياساً إلى نسبة الحوادث في المملكة بعامة، إذ تبلغ أكثر من 68 في المئة، ينتج عنها 28 في المئة من الوفيات، و40 في المئة من الإصابات، في وقت تتسبّب فيه حوادث الدهس، بنحو 60 في المئة من عدد الوفيات.

مدير دائرة تخطيط النقل والمرور في «الأمانة» أيمن الصمادي، بيّن لـ ے أن المشكلة التي تواجه المشاة في عمان «صعبة»، وأضاف أن هناك خللاً كبيراً في توفير بيئة آمنة ومناسبة للمشاة، بسبب «عدم الالتزام بمعايير إنشاء الأرصفة واستعمالاتها، إضافة إلى السلوكيات السلبية من محال تجارية وباعة متجولين تعيق بدورها حركة المشاة، وفي بعض الأوقات تؤدي إلى انعدامها».

يؤكد الصمادي أن «الأمانة» تدرس إطلاق حملة لإعادة تأهيل الأرصفة وتنظيفها، بالتعاون مع مديرية الأمن العام، «لإزالة المعوقات، ورفع كفاءة سلامة المشاة».

لكن مؤسس مجموعة «المشي السريع» في عمان موفق مرقة، يقول لـ ے، إن كبار المسؤولين في «الأمانة» أكدوا له أنه ومنذ نصف قرن «لم يدخل حق المشاة في حسابات الأمانة وقراراتها»، مضيفاً أن جسر عبدون «أكبر وصمة عار في جبين الأمانة، التي لم تأخذ في حسبانها حقاً للمشاة فيه».

«المشي السريع» تضم مجموعة كبيرة من المواطنين يفوق عددهم ألف مشارك، تجوب شوارع عمان وأرصفتها عبر مسافة 21 كيلو متر، ثلاث مرات أسبوعياً، بهدف تكريس ثقافة المشي، ونشرها بين الناس.

لشدة غياب ثقافة المشي، وجد الكاتب اللبناني حازم أمين، نفسَه «المشّاء الوحيد» في المدينة لدى زيارته لها، كما جاء في مقالته في الغد، 24 كانون الثاني/يناير 2010.

«أرصفة عمان طاردة للمشاة»، يقول مرقة، لكونها «غير مستوية، وتتميز بضيقها، وكبر حجم الأشجار فيها»، ما يعني «اقتطاع حيز من الأرصفة وإعاقة المسير، وعدم انسيابيته». وهو يلفت إلى أن واقع الأرصفة يكشف عن «غياب تخطيط سابق مدروس لإنشائها، والهروب إلى الأمام عبر حلول تتسم بالعشوائية والتخبط»، معتقداً أنه «ليس هناك حل جذري لهذه المشكلة، وإنما حلول مؤقتة فقط».

ويدعو مرقة إلى «إعادة النظر في حق المشاة، وتأمين جسور وأنفاق»، لكونها تمثّل بحسبه، «حلاًّ أولياً وآمناً، لقطع الطريق، مع تأمين طرق ومسارب لذوي الإعاقات».

هذا البعد المهم في المسألة، المتمثل في توفير متطلبات ذوي الإعاقات لضمان استخدامهم للأرصفة بشكل يراعي طبيعة إعاقاتهم، يذكّر به أيضاً رئيس الجمعية الأردنية لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة خالد عطيات، إذ يرى أن «الطرق والأرصفة في عمان يلزمها الكثير»، وأن على «الأمانة» إعادة النظر في حقوق هذه الفئة، بخاصة أن هناك «أماكن يصعب فيها قطع الشارع أو المشي على الرصيف لأصحاب الجسم السليم، فكيف بذوي الإعاقات!».

بدوره، يؤكد الصمادي في هذا الخصوص، «حرص الأمانة على مراعاة متطلبات ذوي الإعاقات، بحيث تتناسب الأرصفة وإعاقاتهم، لتسهيل حركتهم أثناء التنقل على الأرصفة والطرقات».

ثمة بعدٌ ثالث في المسألة يتجسد في الازدحامات المرورية الخانقة. وفي هذا السياق، يشير الصمادي إلى أن عمان شهدت توسعاً كبيراً في المساحة، وازدياداً في عدد السكان والزوار وحراكاً اقتصادياً متنامياً، لذا «من الطبيعي أن تشهد المدينة ازدحامات مرورية»، بخاصة أن أعداد المركبات في عمان تتكاثر بشكل متواصل، وبنسبة تصل إلى 20 في المئة سنوياً، «ما يعني طلباً متزايداً على مواقف السيارات».

هذا ما دفعَ «الأمانة» إلى التعاون مع القطاع الخاص لـ«تطوير مشاريع استثمارية لتنفيذ المواقف العامة، كما هي الحال في منطقة الصويفية»، فقد تمّ افتتاح مشروع المرافق الذي يوفر أكثر من 750 موقفاً، ويوفر خدمة تنقُّل مجانية في المنطقة بواسطة حافلات خاصة، بحسب الصمادي.

لكن مرقة يرى أن المواقف العامة التي تنفق عليها الأمانة مبالغ طائلة لا تشكل حلاً مع عدم استخدام المواطنين لها. فالموقف العام في منطقة الصويفية «يبدو مهجوراً في غالبية الأوقات، ولا يستخدمه أحد».

سائق التاكسي هيثم الفرحان، 33 عاماً، يرى أن الجديد في هذا الموضوع، أنه «لم يعد هناك فرق بين وقت الذروة وغيره، نظراً لعدم قدرة المدينة على استيعاب عدد السيارات، نهاراً وليلاً». ويعتقد أن أحد أسباب الاختناقات المرورية «كثرة الإشارات الضوئية، التي يطول الوقوف عند غالبيتها»، وهو يرى أن المواقف العامة «ليست حلاًّ جذرياً، كما أنه يصعب تعويد الناس عليها، إلا بقانون رادع».

من شدة معاناة الفرحان، فإنه يدعو «الأمانة» إلى توجيه إنفاقها، من إنشاء الحدائق العامة «التي لا حاجة لنا بها في كل الأوقات» بحسب تعبيره، إلى معالجة وإصلاح الشوارع والأرصفة «التي نحن بحاجة إليها في كل لحظة».

دراسة أعدتها أمانة عمان الكبرى، خلال العام 2009، كشفت أن عدد المركبات القادمة من المحافظات إلى عمّان تبلغ 150 - 200 ألف يومياً، وأن حوالي 1.2 مليون أردني يمتلكون رخص قيادة من الفئات المختلفة، فيما يقدَّر عدد السيارات الجديدة التي تم ترخيصها في عمان العام 2009 وحده، بنحو 75 ألف سيارة.

الصمادي يعود ليؤكد أن هناك خططاً مستقبلية للحد من أزمات المرور، منها «إيجاد مواقف مؤقتة عبر تجهيز قطع أراضٍ فارغة بعد موافقة أصحابها لاستخدامها كمواقف مجانية»، وهو يرى أن انتشارها في أماكن مختلفة في أرجاء المدينة، «سيشجع المواطنين على استخدامها، وسيُعاقَب المخالفون من خلال الرقابة الآلية على الشوارع الرئيسية باستخدام الكاميرات المتحركة».

ويضيف أن هناك تفعيلاً لمراقبة الإشارات الضوئية لـ 32 تقاطعاً بواسطة الكاميرات الثابتة لمعرفة مواقع الازدحام مركزياً ورفع كفاءتها، فضلاً عن استحداث إشارات ضوئية وتعديل اتجاهات السير على الشوارع لتسهيل انسيابية المرور على الشبكة، مثل تقاطع الجبيهة، وتقاطع شارع السنهوري مع شارع الأردن، مشيراً إلى أن «الأمانة» انتهت من إنجاز تقاطع المدينة الصناعية في سحاب، ونفق القويسمة، ومنطقة الشميساني، كما تم تصميم نفق جبل التاج الذي يوفر وصلة مباشرة لمناطق جنوب عمان من وسط البلد.

«الحلول يجب أن تكون أكثر عمقاً، وأن تأخذ في الحسبان انسيابية الشارع وعرضه مع حجم المرور، وإلا فلا فائدة من تركيب الكاميرات، فلن تأتي بجدوى»، يؤكد مرقة الذي يقول إن التقاطعات في عمان هي من الحلول العصرية لأزمات السير، مؤكداً أن تكاتف الجهود ضروري لحل الاختناقات المروية، وأن التوعية المرورية ضرورية بعيداً عن العقوبات الصارمة التي من شأنها استفزاز المواطن.

مشكلات مرورية وازدحامٌ خانق عمّان مدينة طاردة للمشاة
 
01-Feb-2010
 
العدد 8