العدد 8 - الملف
 

مشروع تطوير وادي عمان «سيعزز الهوية العمرانية العمانية من خلال تصاميم تراثية لخلق مدينة عالمية مفعمة بالحياة، لمزج تراثها مع التطور العمراني، وإزالة التشويه والعشوائية». هذا ما يراه أمين عمان الكبرى عمر المعاني؛ غير أن هناك تخوفات يتسبب بها المشروع، منها «تنفيذ عمليات هدم غير مدروسة لمبانٍ تراثية أو ذات صلة بالتاريخ الحضاري للمدينة»، بحسب المعماريَّين علي أبو غنيمة وعمار خماش، يبددها الأمين الذي أكد في لقاء فريق ے معه، «حرص الأمانة على عدم هدم أي مبنى تراثي».

المشروع تبلغ مساحته نحو 400 دونم، وتشمل منطقة التطوير شرق الساحة الهاشمية، وتمتد من منطقة اليرموك التي يحدها شارع الملك عبد الله الأول شمالاً حتى شارع الجيش الرئيسي جنوباً. وهو مقسم إلى ثلاث مناطق؛ الأولى منطقة وادي فيلادلفيا التي تضم المدرج الروماني، مبنى البلدية القديم (الذي تم إعادة تأهيله ليصبح فندقاً من طراز البوتيك)، بيت الشعر ومحطة رغدان القديمة، وسيتم إعادة تأهيلها لتصبح منطقة تجارية لتشمل مكتبة عامة وفندقاً.

هذه المنطقة التي تبلغ مساحتها نحو 90 دونماً، من المتوقَّع أن «تُزوَّد بوسائل الراحة والرفاهية والأمان» بحسب القائمين على التخطيط للمشروع في الأمانة، لتجذب عدداً أكبر من السياح، وستُربط القلعة بالمدرج الروماني عن طريق سكة حديد معلّقة.

أما المنطقة الثانية، وادي رغدان، فتتكون من مبانٍ ذات استخدامات متعددة وممر للمشاة. ومن خلال تطويرها، ستزيد المناطق التجارية والوحدات السكنية التي ستتوافر 10 في المئة منها بأسعار في متناول المواطنين، وتبلغ مساحة المنطقة نحو 230 دونماً.

المنطقة الثالثة هي وادي المحطة، وتبلغ مساحتها نحو 145 دونماً. وتضم هذه المنطقة مركزاً مشتركاً، و«سيصدر الإعلان عنها منفصلاً كفرصة استثمارية محتملة»، كما جاء في توضيح المشروع على الموقع الإلكتروني لـ«الأمانة».

بدوره، يطمئن مدير المشاريع الخاصة في أمانة عمان الكبرى بشار حدادين، المواطنين «أنه لن تكون هناك عمليات هدم وإزالة في شارع فيصل» وسط المدينة.

عميد كلية العمارة في جامعة آل البيت علي أبو غنيمة، يرى أن «هناك إشكاليات في المشروع، وأنه غير متكامل، وإدارته ليست إيجابية». يعتمد أبو غنيمة في تقييمه للمشروع على إدارة وتنفيذ شارع الرينبو، ويقول: «فلسفة إدارة الأمانة للمشاريع، بخاصة شارع الرينبو، قضت على الأنسنة في عمان، وحوّلت الشارع إلى بعد اقتصادي بحت»، وهو ما يرى أنه «سيؤدي إلى هجرة سكان الشارع إلى مكان أكثر هدوءاً، وبيع بيوتهم لتصبح مطاعم ومقاهي ومحلات تجارية».

لكن حدادين يدافع عن ما قامت به الأمانة، ويرى أنها أسهمت في إعادة الحياة لشارع الرينبو، ويؤكد: «لم نجرِ سوى تدخلات بسيطة في الشارع أعادت الحياة إليه بعد الإهمال». وهو ما يخالفه فيه أبو غنيمة الذي يعتقد أن المشروع «قضى على البنية السكانية»، مضيفاً: «المصيبة أن المعماريين الذين صمموا الرينبو هم أنفسهم الذين صمموا وادي عمان! الوضع مأساوي جداً».

أبو غنيمة الذي كان مستشاراً لأمين عمان السابق نضال الحديد، يواصل انتقاده لأداء الأمانة، بقوله: «كانت لدي وجهة نظر ضد إنشاء شارع الوكالات في الصويفية، الذي ثبت فشله بعد سنوات من إنشائه، وسيؤدي إلى مشاكل كثيرة»، ويوضح: «لا يمكننا بيوم وليلة أن نصير مثل باريس وروما».

أمين عمان ردّ على هذه الانتقادات وسواها، خلال لقائه برئيس وأعضاء غرفة تجارة عمان في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2009 بالقول: «سيصبح وسط عمان أرقى مناطق عمان على الإطلاق بعد 5 سنوات»، مشيراً إلى أنه تم استملاك نحو 380 دونما تمتد من محطة الخط الحجازي حتى مقر الأمانة، بما فيها تكية أم علي وبعض مطاحن الحبوب، لغايات تطوير وسط عمان.

المعاني كان أعلن أن التكلفة الإجمالية للمشروع «قد تصل بليون دينار»، مشدداً على أن الأمانة بموازنتها السنوية التي تصل 408 مليون دينار للعام 2010، «لن تدفع من موازنتها لإقامة هذا المشروع»، بخاصة قيمة الاستملاكات التي نفذتها في موقع المشروع التي وصلت إلى 120 مليون دينار.

مشروع وادي عمان «بدأ فعلاً» كما يقول حدادين، فجبل القلعة انتهى العمل به، والساحة الهاشمية سينتهي العمل بها خلال عام ونصف العام، والجزء الثالث من المشروع سيرفد ساحة فيصل وشارع فيلادلفيا، إضافة إلى الانتهاء من تصميم ساحة فيصل، والعطاء سيتم طرحه العام الجاري، مبيناً أن التصاميم «راعت أن تكون الساحة محفزاً للمستثمرين والمحلات التجارية.

أما وادي فيلادلفيا، فيبدأ العمل فيه من المبنى القديم للأمانة الذي سيتم تحويله إلى أوتيل تراثي. ويبين حدادين أن العمل جارٍ على تصميم بيت الشعر، وتتوقع الأمانة من خلال هذا التغيير «أن تصبح منطقة وسط البلد محجّاً للسياح من خلال استقبال مجمع رغدان السياحي لباصات السائحين».

بحسب الدراسة التي أجراها «مركز التراث» لصالح الأمانة، وأطلع حدادين ے على معالمها، هناك 1700 مبنى تراثي ستكون محل اهتمام المشروع. الدراسة مسحت جميع المباني في المدينة، وتم تقسيم المباني إلى ثلاثة أقسام؛ «أ» لا يجوز هدمه، وأي تعديل عليه لا يتم إلا بعد دراسة متأنية، «بـ» ممنوع هدمه، ويُسمح بالإضافة عليه، والقسم «ج» يمكن هدمه وفق شروط معينة، وإذا جرى الهدم يجب إعادة البناء وفق مواصفات البناء التراثي في عمان للحفاظ على هوية المنطقة.

الأمانة، وفق حدادين، ستعمل على تنظيف واجهات المباني التراثية في شارع فيصل، بسبب التشويه الذي أصابها، سواء من البيئة أو من فعل الإنسان.

وسط المدينة، كما يطرحه مشروع وادي عمان، سيصبح أكثر جذباً، فـ«السنوات الأخيرة كانت طاردة للسكان والمستثمرين، حتى أولئك الذين قدموا إليها منذ نهاية القرن التاسع عشر». تتوخى الأمانة من المشروع إعادة ذاكرة المكان، يقول حدادين: «وسط البلد لم يعد يرتاده سوى كبار السن، في محاولة للعودة بالذاكرة إلى الماضي». وعن إمكانية العبث بالتراث أو العشوائية في التعامل معه، يوضح: «كل تدخل سيكون مدروساً، لأن المكان حسّاس، ونريد الحفاظ على روح المكان، ونحصل على أكبر قيمة إيجابية منه، ونحن نعلم مدى التخوف لدى بعضهم من إمكانية تشويه وجه وسط البلد، لكنّنا درسنا المكان لأشهر طويلة».

تكلفة مشروع وادي عمان تبلغ نحو 69 مليون دينار، بالإضافة إلى المبالغ التي سيدفعها المستثمرون في أوتيل عمان التراثي، وغيرها من التحسينات، فتأهيل جبل القعلة كلّفَ 2.5 مليون دينار، والساحة الهاشمية 6 ملايين دينار، أما حزمة مشاريع مجمع رغدان والأوتيل وبيت الشعر والقطار السككي الذي سيُجَر بحبال من المدرج الروماني إلى جبل القلعة فتبلغ تكلفتها 60 مليون دينار، وساحة فيصل حوالي مليون دينار، في حين تنتظر الأمانة دخول مستثمرين إلى مشروع وسط البلد، بحسب حدادين.

خبير المعمار التراثي عمار خماش يقول لـ ے إن «المنطقة من أمانة عمان القديمة وحتى مجمع رغدان أُهملت» في العقود الماضية، ما أدّى إلى هجرة التجار والحياة الاقتصادية والسكان من وسط البلد إلى غرب عمان. ويشير خماش إلى أن «الحياة تراجعت في وسط البلد، وأصبح الموقع للأسف مكاناً للتلوث والضجيج والهواء الملوث، وسكناً للعمال الوافدين، بدلاً من أن يظل رمزاً للأصالة والتراث». ويتابع بقوله: «من يملك مصلحة أو محلاً تجارياً، هربَ من وسط عمان إلى غربها».

الموقع الإلكتروني لأمانة عمان الكبرى، يبين أن من أهداف المشروع «إقامة أحياء سكنية متكاملة، تتمتع بنماذج ونوعيات مختلفة من المساكن، بخاصة أن عمان واحدة من أسرع المدن في معدلات النمو السكاني على مستوى المنطقة، مع إمكانية تضاعف هذا النمو في عشر سنوات».

وبحسب الموقع، أثبت التقييم الحالي والدراسات صلاحية بناء ما مجموعه 475 ألف متر مربع للتطوير والاستخدام، ويضم المركز التجاري الكبير، البيع بالتجزئة، الفنادق والتنمية السكانية. ولم يغب عن بال المخططين، بحسب الشرح عن المشروع، تخصيص مساحات مفتوحة وأخرى خضراء، لإبراز التاريخ الطبيعي للمنطقة، ولتحسين نوعية الحياة لأولئك الذين يعيشون ويعملون في وادي عمان والمناطق المحيطة بها.

الملك عبدالله الثاني كان زار جبل القلعة، في 15 كانون الأول/ديسمبر 2009، وأكد أهمية المشروع في الحفاظ على تاريخ عمان، موعزاً بتوفير البنى التحتية اللازمة له لتعزيز دور هذا الموقع كمقصد سياحي مهم لزوار المدينة، وإثراء السياحة الداخلية. كما وجّه إلى الاستمرار في تنفيذ المشروعات التي تحافظ على المواقع التراثية بما يتلاءم مع عراقة وتاريخ عمان ويواكب روح العصر والحداثة.

مشروع وادي عمان - آمال التطوير تحفُّها هواجس إلغاء ذاكرة المكان
 
01-Feb-2010
 
العدد 8