العدد 8 - الملف | ||||||||||||||
في 3 أيار/مايو 2006، وجّه الملك عبدالله الثاني رسالة إلى أمين عمان الكبرى «الجديد حينها» عمر المعاني، يحثّ فيها الأمانة على موازنة «النمو السليم والحياة النوعية» مع «التوسع المزدهر والمناطق المنظمة»، والعمل سريعاً على النهوض بإعداد «مشروع تخطيط مدن جاد شامل لمدينة عمان». الرسالة شكّلت شعلة انطلاق لمشروع المخطط الشمولي Amman Master Plan لمدينة عمان، ولتبدأ الأمانة عهداً جديداً بتنفيذ مشروع ينظر إليه بوصفه متروبوليس الشرق الأوسط. في 12 كانون الثاني/يناير 2010، زار رئيس الحكومة سمير الرفاعي أمانة عمان بغية الاطلاع على واقع مشروع المخطط الشمولي، وبين الأمين حينها أن الأمانة «انتهت من وضع الخطة التنموية لمدينة عمان خلال الـعشرين سنة المقبلة، ليصار إلى تطبيقها في ظل إطار تنموي وتنفيذي مبني على المشاركة». يهدف المخطط إلى أن يكون بمثابة برنامج عمل للتطوير المستدام ولمساعدة الأردن في تحقيق الأهداف التي خطتها الأجندة الوطنية، إذ سيواجه المخطط نموّ مجتمع عمّان، ويعالج مسائل عدة كالموارد والتراث الثقافي والموروث الطبيعي والمواصلات والبنية التحتية، بحسب ما يؤكد المعاني. مخطط لتوثيق تاريخ عمان لم يكن مجرد نقلة تاريخية، انتقال مركز العاصمة عمان سياسياً وتاريخياً من ماركا إلى وسط المدينة ثم جبل عمان، الذي بدأ الحراك في العشرينيات وصولاً إلى عقد التسعينيات الذي شهد فيه وسط البلد نهضة عمرانية لافتة. انتقال مطار ماركا المدني إلى منطقة «زيزياء»، وتحول مطار ماركا إلى عسكري، كان علامة على هجر المنطقة، زاده تمركز الحراك التجاري في وسط المدينة بدءاً من المحطة وانتهاءً برأس العين، حيث يقام صرح مبنى أمانة عمان الكبرى حالياً. الاتساع الشمولي باتساع رقعة عمان من 680 كم2 إلى 1680 كم2، «أصبحت الحاجة ملحة لإعداد تخطيط مدني منظم، والخروج من دائرة الاجتهادات التي كانت سمة عمل في إدارات سابقة في الأمانة»، يقول المدير التنفيذي للمخطط الشمولي سمير صبحي. هذا الاتساع تمثّل بانضمام مناطق ناعور وحسبان وأم البساتين والجيزة والموقر وسحاب ومرج الحمام إلى حدود العاصمة عمان في أيار/مايو 2007، ما جعل القائمين على المخطط الشمولي يواجهون تحدياً في التعامل مع تلك المناطق غير المنظمة، ومازالت المصانع والكسارات تنتشر فيها بشكل عشوائي. التوقعات بارتفاع عدد سكان العاصمة في حلول العام 2025 إلى زهاء 6.4 مليون نسمة، جعل الأمانة تلجأ إلى بناء الأبراج، ويرى المعماري جعفر طوقان أن «الأبراج أمر واقعي تفرضه عوامل اقتصادية، وليس مجرد خيار على الطاولة». مصمم برجي «بوابة الأردن» طوقان يؤكد لـ ے أن الأبراج «أمر لا مفر منه اقتصادياً أمام الارتفاع الكبير في أسعار الأراضي»، لكن ذلك مشروط بوجود مخطط شمولي تنظيمي للمدن، وتخطيط حضري، وهو «الأمر الذي تقوم به الأمانة»، بحسب طوقان. الحافز وراء المخطط الشمولي، وفق طوقان، هو مشروع بوابة الأردن الذي كان مفاجئاً للجميع، ما استدعى من الأمانة ومستثمر المشروع وضع دراسات وتمويل وتنفيذ تلك الدراسات لمواجهة مشكلة كثافة السير والطلب على البنية التحتية لهذا المشروع. «الخطأ كان بغياب مخطط شمولي دارس للنسيج الحضري للمدينة»، يعلّق طوقان. لكنه يرى أنه تمّ تدارك الخطأ في المخطط الشمولي، وعولج الموضوع وتم تخصيص الأماكن «واتخذت الإجراءات التي تضمن عدم بروز نشاز كما حدث سابقاً». مدير المخطط الشمولي في الأمانة سمير صبحي يرى أن «المخطط خطوة مهمة واستباقية لمأسسة التنظيم»، كما يعرض الإجراءات التي تتخذها الأمانة تشريعياً وتنظيمياً لاستيعاب التوسع، وتخفيف الضغط عن المدينة، وتنظيم وتوضيح وتحديد استخدامات جميع الأراضي وصفة الاستخدام. تنتهج الأمانة في مخططها «سياسة التكثيف» على الأراضي المنتشرة في مناطق متفرقة من العاصمة عمان وتحديداً في حدودها القديمة، كما تهدف إلى زيادة «بناء طوابق إضافية على المباني المقامة والمكونة من طابقين فأقل». صبحي يرجع هذا التوجه لسبب تحّمل الأمانة تكاليف باهظة من ملاحقة بناء المواطنين ومدهم بالخدمات المختلفة، قائلاً إن الأمانة تعمل على رفع نسبة كثافة سكن المواطنين على أراضي العاصمة من 5 مواطنين على الدونم الواحد إلى ما بين 10- 15 مواطناً، وذلك حتى عام 2025 وهو موعد الانتهاء من مشروع المخطط الشمولي المنفذ منذ العام 2006. وثيقة التخطيط بروح مدنية مشروع المخطط الشمولي يقسم إلى 7 مراحل دراسية، نُفذت منها حتى الآن 6 مراحل: تحديد مواقع الأبراج، دراسة الكاريدورات، تنظيم الأراضي الصناعية، تحديد استعمالات الأراضي، دراسة للتراث العمراني، والأخيرة التي هي قيد التنفيذ إعداد دراسات إستراتيجية. تستهدف الأمانة من مراحل المخطط الشمولي تخطيطَ نمو عمان للعشرين عاماً المقبلة، بحيث يتم استيعاب النمو السكاني المتوقع، وتقديم الخدمات حسب الأولويات، وتجنب الاختناقات السكانية. وكانت الأمانة حددت مناطق لتقام عليها أبراج، وهي المركز التجاري الجديد لمنطقة عمان «العبدلي»، ومركز تقاطعات الطرق الرئيسية، وفيه أربعة تجمعات مقترحة لإقامة الأبراج عليها ابتداء من وادي عبدون، ومنطقة بوابة عمان الشمالية وتقع في الجبيهة بمحاذاة شارع الأردن، وبوابة عمان الجنوبية وهي المنطقة الرابعة وتمتد من الناحية الشرقية لطريق المطار محاطة بالطريق الدائري لوادي عبدون وطريق جبل عرفات. الأمانة تهدف عبر تنظيم مناطق صناعية إلى وضع العاصمة على الخريطة الصناعية في المنطقة، وجذب المستثمرين وتشجيع الاستثمار المحلي. المناطق الصناعية المختارة وفق المخطط هي: سحاب وممر الموقر؛ صنفت بمناطق الصناعات الخفيفة والمتوسطة. أما منطقة القسطل الصناعية جنوب شرق طريق المطار، فتم تحديدها كمنطقة للصناعات المتخصصة. بقية الأراضي في هذه المنطقة تم تصنيفها صناعات خفيفة ومتوسطة لتكون مساندة للصناعات المتخصصة في المنطقة نفسها. أما منطقة الجيزة الصناعية، فتم تحديدها جنوبي الجيزة كمنطقة صناعات متوسطة وخفيفة. يؤكد الأمين عمر المعاني أن مخرجات المخطط الشمولي تفتح الطريق أمام استثمارات تقدر قيمتها بـ«البلايين» بعد الاشتغال على تهيئة البيئة التنظيمية المتطورة والثابتة في العاصمة. المعاني من جانبه يرى أن التنظيم يراعي خصوصية عمان وتراثها العريق، ويشير إلى أن بداية الإعداد للمخطط الشمولي شمل جملة لقاءات مع المواطنين لاستمزاج آرائهم ومعرفة ما يريدون من عمان في المستقبل. رغم ذلك يشتكي بعض تجار وسط البلد من قلة ارتياد محالهم أمام حركة المواطنين الذين «قلّوا» عن السابق، ويرون أن «مشاريع الأمانة التطويرية أسهمت في خفض تجارتهم منذ سنوات»، وأن نقل مجمع رغدان إلى مجمع المحطة للنقل العام كان له الأثر الكبير في غياب المارة من أمام محالهم. يسعى مشروع «وادي عمّان» لإحياء المناطق الأثرية في وسط العاصمة وتحويل عمّان من معبر إلى المناطق الأثرية إلى مركز للتجمع التجاري والسياحي، وسيشكل المشروع نقطة لقاء وجذب لسكان عمّان من مختلف المناطق وإرجاع التجارة والأعمال والمهن التي هجرت إلى وسط المدينة. تجار البلد ثمّ مشهد اعتاد المارة من أمام محال وسط البلد رؤيته، حيث العشرات من التجار في شارع الهاشمي بوسط البلد، يجلسون يومياً قبالة محالهم في انتظار زبائنهم؛ إما لشرب القهوة أو للتدخين، في مسعى لتزجية الوقت. أحمد أبو حمدة، تاجر أقمشة، يوضح أن تجارته «كسدت» منذ العام 2003، وهو العام الذي نقلت فيه الأمانة مجمع رغدان إلى منطقة المحطة، «ما حدَّ من وجود الزبائن الذين كانوا يمرون يومياً من أمام المحلات باتجاه المجمع». شاطره الرأي تاجر المواد التموينية عيسى عسيلة، الذي يقول إنه «غير متأكد» من الاستمرار في محله إذا بقي الحال على ما هو عليه. رزق الله جبارة، صاحب محل حلويات، اضطر على مدار الأعوام الأربعة الماضية إلى الاستغناء عن ثلاثة عمال لديه، وأبقى واحداً ليعاونه بنفسه على إعداد الحلويات. فادي أبو عطيوي، شاب دأب على المرور من أمام المحال بوسط البلد، يقول إنه مع نقل خطوط السرافيس من رغدان إلى المحطة والمجمع الشمالي في طبربور، بات يزور وسط البلد «بالمناسبات». خليل العابدي، صاحب محل أدوات منزلية بجانب محل الحلويات، يرى أن ما يحصّله من محله الصغير بالكاد يكفي لقمة عيشه وعائلته، ولا يفكر بما هو قادم «خوفاً على الصحة ليس أكثر»، على حد قوله. هذا الحال، دفع الأستاذ الجامعي سمير إبراهيم إلى إعداد دراسة أكاديمية، حيث يقوم بالتردد على التجار بشكل شبه يومي، وعقد اجتماعات معهم؛ تحضيراً لرسالة بحثية يعدها منذ سنتين، تتناول الأبعاد الإنسانية لمنطقة وسط البلد. يقول إبراهيم: «الحال ليس على ما يرام، فبعض التجار بدأوا يفكرون بإغلاق محالهم، وهذا ما لا تريده الأمانة الرامية إلى مدّ وسط البلد بالحياة؛ الحياة لا تتأتى من الأبنية الجميلة إنما من الناس». الكاتب الصحفي إبراهيم غرايبة يرى أن «من واجب الأمانة أن تضع في الحسبان في التخطيط والتنفيذ للمباني والأسواق حياة الناس اليومية والاجتماعية وعلاقاتهم وتفاعلهم بالمكان»، مقترحاً إمكانية «أن يكون لكل حي أو تجمع سكني من خمسة آلاف شخص هويته وعلاقته الخاصة بالمكان وبالناس، كأن يعاد تصميم الأحياء السكنية لتكون معظم شوارعها غير نافذة، وتتيح للأطفال والمشاة القدرة على التحرك والتجمع واللعب بسهولة وأمان». القاص رسمي أبو علي ومن خلال مشاهداته اليومية، يلحظ أن «المشاريع المنفذة من قبل الأمانة لم تراع خصوصية المكان ولا المواطنين العاملين أيضاً، وهذا يبدو جلياً من خلال حجم الضرر الذي تكبده التجار هناك». أمانة عمان الكبرى صاحبة مشروع «وادي عمان» و«تطوير الساحة الهاشمية» ترى أن التطوير يأتي منسجماً مع طابع المدينة بوصفها بوابة تمتد من الشمال الشرقي إلى وسط البلد. وتهدف إلى «تعزيز السياحة وجعل وسط البلد مركزاً للتطوير والنمو وإقامة أحياء مدنية تعج بالنشاطات التجارية». على امتداد شارع الهاشمي المحاذي للساحة الهاشمية، حتى شارع الملك طلال أقدم شوارع وسط البلد، تتوزع المحال باختلاف تجارتها على جوانب الطرق، تشكل نسيجاً جاذباً للمستهلكين والسياح على سواء، تنتظر خططاً تطويرية تحمل روحاً أكثر إنسانية على من يعمل أو يعيش في هذه المنطقة. الاستملاكات أزمة المخطط استملاك أراضٍ لسير عمل المخطط الشمولي، يعدّ من أعقد الخطوات التي نفذتها الأمانة، بخاصة بعد بدء استملاكها لأراض في حي القيسية الذي يصل عدد المساكن فيه إلى 117 في منطقة وادي عبدون، والمجاور لكريدور عبدون الممتد على شارع يصل حتى تقاطع مرج الحمام الواقع على طريق المطار. مدير دائرة الاستملاكات في الأمانة أحمد العرموطي أكد في تصريحات سابقة أن المواطنين الذين تم استملاك أراضيهم في حي القيسية تم الاتفاق معهم وإنهاء موضوع الاستملاك، في حين أن نسبة الأراضي التي تم الاتفاق مع أصحابها لم تتجاوز 25 في المئة فقط من مساحة الأراضي. الأمانة أعلنت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2009 عن استملاكها نحو 450 دونماً في حي القيسية بغية إقامة مشروع مجمع الدوائر الحكومية، معها 100 دونم هي ملك للأمانة، وطال الاستملاك مساكن على مساحة 550 دونماً ممتدة من أرض المحطة حتى شارع الأمير هاشم الواصل بين عبدون وطريق المطار. قررت الأمانة كذلك في كانون الأول/ ديسمبر 2009 العدول عن استملاك أراضٍ في منطقة المحطة بوسط البلد ووادي عبدون لإعادة النظر في أسلوب تنفيذ مشروع وسط البلد لمتغيرات اقتضتها ظروف عدة، أبرزها آثار الأزمة المالية العالمية، وفق المعاني. الأمين نفى حينها أن يكون قرار العدول عن بعض الاستملاكات المحدودة لعدد من قطع الأراضي يعني بالضرورة التخلي عن مشروع وسط المدينة. والعدول كان عن استملاك 116 دونماً من أصل 516 دونماً التي هي المساحة الفعلية للمشروع. قيمة التعويضات التي وصفها الأهالي بـ«القليلة»، كانت الأمانة احتسبت خلالها المتر الواحد بـ80 ديناراً، في حين كانت قيمته لا تتجاوز 23 ديناراً، و125 ديناراً لمتر البناء فيما لا تتجاوز قيمته 45 ديناراً، بحسب رئيس لجنة الاستملاك في أمانة عمان أحمد العرموطي. وراوحت قيمة الاستملاكات فيها بين 210 إلى 240 مليون دينار أردني، ويرى المعاني أن تعويضات الاستملاك عادلة، وأن الأمانة غير ملزمة بدفع التعويضات بما يناسب الأسعار الحالية. آخر الاستملاكات التي كانت تنوي الأمانة تنفيذها وعدلت عنها هي استملاك 150 دونماً من أراضي منطقة المحطة لتنفيذ مشروع وسط المدينة، ويتكون من شريط يمتد بطول 4 كيلومترات وبمساحة 388 دونماً للمشروع الذي تملك الأمانة من أراضي المنطقة التي سيقام فيها زهاء 180 دونماً. عدول الأمانة عن هذه الاستملاكات مردُّه ارتفاع قيمة التعويضات التي أقرتها المحاكم لبعض مالكي الأراضي، والتي تفوق ما قدّرته الأمانة. |
|
|||||||||||||