العدد 8 - الملف
 

تمهيداً لإعداد هذا الملف عن أمانة عمان الكبرى، استكمالاً لملف سابق عن البلديات في المملكة، التقى فريق ے الأمين عمر المعاني في قاعة اجتماعات الأمانة، في حوار شامل حول الرؤى التي تحكم عمل أمانة عمان الكبرى. الأمين أبدى سعة صدر إزاء كل الاستفسارات والملاحظات، وعكَسَ صورة رجل صريح ومنفتح، صاحب رسالة، ويحمل رؤية حداثية لتطور المدينة، نستذكر أنها قادت في بدايات عمله إلى حملة انتقادات تثير الشبهات بعيداً عن الحوار النقدي الذي يستهدف المصلحة العامة.

بهذا، وجد فريق ے نفسه أمام معادلة غير تقليدية، فالعمل البلدي تغير خلال العقود الأخيرة في العاصمة التي سابقت الريح على الدوام في نموها السكاني الذي تضاعف ألف مرة في مئة عام، وفي توسّع مساحتها التي تضاعفت هي الأخرى 1680 مرة خلال الفترة نفسها.

إن زيادة عدد مناطق عمّان من 20 منطقة إلى 27 منطقة العام 2007، أضاف إلى مساحة الأمانة ألف كيلومتر مربع.

الحياة المعاصرة رفعت التوقعات التي ينتظرها المواطن من مجلس الأمانة، فلم يعد يكتفي بنظرته التقليدية لمسؤوليات «الأمانة» في مد شبكة الطرق وصيانتها، وفي إزالة النفايات وإدارتها ومنح التراخيص للبناء ومزاولة المهن وتخطيط المدينة وغير ذلك من أمور عملية. فحماية البيئة، وإقامة حدائق وفضاءات جديدة، وفتح مكتبات عامة، والارتقاء بالمدينة لتصبح صديقة للأطفال، ورفيقة بالمشاة وذوي الإعاقات وكبار السـن، لم يعد ترفاً بل بات جزءاً من تطلعات المواطن العمّاني، بقدر ما هو من أبجديات حقوق الإنسان.

لقد حتّم تطور المجتمع التغير في العمل البلدي. فأصبح لا بد من النهوض بموارد الأمانة المحدودة قياساً بما تواجه من مسؤوليات وتحديات. فمع العام 2005، كانت ميزانية الأمانة نحو 110 ملايين دينار، وقد تضاعفت أربع مرات، بارتفاع ميزانيتها للسنة المالية 2010 إلى 430 مليون دينار. بهذا التوسع في التخصيصات المالية، أصبح ممكناً أن تفكر الأمانة بمشاريع أكبر ومبادرات طموحة وجريئة.

إقامة حدائق الحسين في منطقة دابوق قصة نجاح بما تمثله من متنفس لكل أهالي عمان. لكن إقامة الحديقة في موقعها هذا في أقصى غرب عمان يجعل الوصول إليها مكلفاً بعض الشيء، ما حدا بالأمانة أن تأخذ على عاتقها بناء حدائق أخرى في مناطق شعبية وأقل رعاية، وقد اختيرت قطعة أرض يملكها «الضمان» مجاورةً للتلفزيون لإنشاء حدائق الملك عبدالله الثاني بتكلفة إجمالية ستبلغ حوالي 120 مليون دينار شاملة ثمن الأرض.

باتت عمان بحاجة إلى فراغات وفضاءات كبيرة، ولم يعد كافياً لجوء الأمانة إلى حلول سابقة كتهيئة مساحات وملاعب صغيرة في غير منطقة.

عمّان نشأت وتطورت على وقع هجرات وحروب إقليمية وأخرى دولية، لذلك كانت بلديتها، على اختلاف مسمياتها، تلهث دائماً لتأمين الخدمات لناس ومناطق وأنشطة جديدة.

ورغم جهود التخطيط التي لم تتوان عنها أمانة عمان، إلا أنه كان ينقصها مخطط شمولي، وجد توجيهاً ملكياً العام 2006 لإنجازه. وانخرطت كوادر الأمانة في إعداد الدراسات المستفيضة اللازمة لذلك، وأنجزت معظم مراحل هذا المخطط الشمولي الأربع، ليتحدد في ضوئها استعمالات الأراضي، وتحديد ما هو للسكن وما هو للتجارة، وأين تقام أبراج وأين يجب أن لا تقام، وما المناطق المخصصة للنقل أو للصناعة أو للبيئة والفضاءات المفتوحة.

هذه الجهود الذي تنفذها دوائر التخطيط والتنظيم المعنية في الأمانة، تمر على اللجان المحلية ثم اللوائية، وتعرض المخرجات لاطّلاع الرأي العام عليها لتمكين المتضررين من الاعتراض.

ترافق هذا العمل مع إجراء الأمين المعاني مئات اللقاءات مع سائر شرائح المجتمع، والتي شهدت إقبالاً كبيراً من المواطنين على حضور هذه الاجتماعات، ومشاركة واسعة منهم بإبداء آرائهم وتقييماتهم التي ترحب بهذا التوجه.

مجتمع أهل عمّان مثله مثل المجتمع الأردني بعامة، مجتمعٌ شاب، وأغلبية سكانها وفقاً للهرم العمري هم من فئة صغار السن، لذلك استجابت الأمانة لهذا التحدي بإطلاقها العام 2006، مبادرة عمّان مدينة صديقة للطفل.

ترجمةً لهذا التوجه، أتيح لخمسين ألف طفل في تسع مناطق، انتخاب 158 ممثلاً عنهم في لجان بلدية، يُفترض أن تمهد عند تعميم التجربة، لنشوء أول مجلس بلدي من الأطفال في عمان، وشارك عدد من هؤلاء في أحد اجتماعات مجلس الأمانة في دورته الحالية للاطلاع على كيفية إدارة الاجتماعات واتخاذ القرارات. كما شارك أطفال خلال السنوات الأربع الأخيرة، في تصميم أو إعادة تأهيل أربع حدائق في أربعٍ من أفقر مناطق عمّان.

الحراك الثقافي الجديد الذي أطلقته الأمانة في التسعينيات، استقر بعد حين عند أداء الدائرة الثقافية في الأمانة وما يتبعها من أنشطة، وغلب بحسب تقييمات الأمانة نفسها على الدعم المقدم للحركة الثقافية، الكم وليس بالضرورة النوع. والآن تستشعر الأمانة مسؤوليتها في دعم الإبداع، ومراعاة حاجات الفئات الناشئة، ومأسسة التعاون مع المؤسسات الثقافية من روابط كتاب وفنانين وغيرها.

وسطُ المدينة؛ بدءاً من المحطة وانتهاء بشارع المطار، صار مكتظاً وغير مرغوب، وطارداً للتاجر والمستثمر والفنادق، باتجاه مناطق جديدة في غرب عمّان. وبموازاة ذلك، أخذت شوارع ومواقع عديدة تفقد روحها ورمزيتها لتاريخ المدينة مثل شارع فيصل الذي أصبح مترهلاً وحجارته سوداء. لذلك قررت الأمانة أن تعيد للمناطق التجارية القديمة حيويتها وخلق الفراغات المناسبة لذلك.

وغير بعيد عن الوسط، هناك جبل القلعة الذي أخذ يكتشف حضوراً جديداً له بعد مشروع إعادة التأهيل الذي تبنته الأمانة، والذي يشير إلى دور جديد للأمانة في الحفاظ على تراث المناطق القديمة في عمان، والتي ترمز لبداية الحياة المدنية فيها.

وهناك تحديات جديدة ذات صلة بالواقع المروري وبمسؤوليات جديدة للأمانة في الإشراف على تنظيم النقل في عمّان، تنتظر إبداعات كوادر الأمانة المشهود لها بكونها أكبر بيت خبرة أردنية في الكفاءات الهندسية، إذ يعمل فيها حوالي 2800 مهندس من مجموع موظفين يبلغ 25 ألفاً، إضافة إلى الشراكة مع معهد عمّان المتميز في مجال التخطيط الحضري.

هذه عناصر رئيسية في لوحة أكثر اتساعاً، أتيح لفريق ے أن يقف عليها بمساعدة الأمين ونخبة من الخبرات في الأمانة ومعهد عمّان، كمقدمة لإعداد هذا الملف عن أمانة عمّان الكبرى.

روح العاصمة: سباقٌ مع الزمن لاستعادتها
 
01-Feb-2010
 
العدد 8