العدد 8 - محلي
 

كان الحزن يخيّم على المنزل. جلست الوالدة على الصوفا، وإلى يسارها ابنها الشريف حسن، وعلى يمينها الشريف عبد الله، وعلى كرسيّ مرتفع جلست «فدى»، العروس التي ترمّلت مبكراً، إذ تزوجت الشريف علي قبل نحو سنة وخمسة أشهر فقط من رحيله، ولم يحظَيا بقضاء شهر العسل معاً بسبب انشغاله؛ فخلال زواجهما سافر علي عشر مرات على الأقل، وكانت الرحلة الأخيرة هي الأطول، فقد غاب ثلاثة أسابيع ليعود بعدها في كفن.

لم يُخْفِ ضابط المخابرات الشاب عن أهله، أنه كان يغادر البلاد في مهمات سرية، لكنه لم يخبرهم قطّ بطبيعة عمله، وحافظ على التزامه بالتقيد التام بعدم الإفصاح عمّا يصدر إليه من أوامر، متحلّياً بقدْر عالٍ من المهنية.

«أحبّ مهنته كثيراً وأخلص لها»، يقول شقيقه عبد الله، «تحركه مجموعة من المبادئ العليا لخدمة مليكه ووطنه».

انخرط في سلك المخابرات العامة بعد أن أنهى دراسته الجامعية في Emerson College في بوسطن بالولايات المتحدة الأميركية العام 1999، وذلك عن رغبةٍ بالعمل في هذا الجهاز.

لم يكن يحب السهر والاختلاط كثيراً، حتى إنه في إحدى المرات دُعي لحضور حفل زفاف، وعندما ذكّرته العائلة بالدعوة، قال: «أنا بشتغل حتى إنتو تروحوا على العرس».

كان ذلك بعد تفجيرات فنادق عمان على يد إرهابيين من «القاعدة»، تلك الحادثة التي تركت أثراً كبيراً في نفس عليّ، بحسب شقيقه عبد الله.

كان اشتراكه في محاربة «القاعدة» عملاً «نابعاً من إيمانه في الدفاع عن بلاده وعن دينه»، كما قال شقيقه حسن. فقد كان مؤمناً، واعتمَرَ مرتين.

أحبَّ عليّ الحياة، وأمضى أسعد أوقاته في الترحال في ربوع الأردن، وصيد السمك في خليج العقبة.

كان لطيفاً متواضعاً، يحب الناس، و«كان قلبه كحجمه، كبيراً»، تقول فدى.

في اليوم المقرر لعودته شعرت الوالدة بحركة غير اعتيادية في المنزل، تجمّعَ الأولاد عند الساعة التاسعة مساء. «أخبروني أن... وهو صديق للعائلة، آتٍ لزيارتي، كانت الساعة قد قاربت العاشرة مساء، فعرفت وقلت: عليّ مات». أقيم العزاء، وخيّم الحزن على المنزل. لقد رحل عليّ إلى الأبد ولم يكن قد أكمل بعد الخامسة والثلاثين من عمره.

ما يزيد من غلواء الحزن، أن القاتل كان أردنياً. «الله كبير» تقول فدى، فيما انهمرت الدموع من عينيها، مؤْثرةً البكاء بصمت وهي تستذكر عبارة حبيبها الغالي؛ كان دائماً يقول: «الله كبير».

الشريف علي: رحلَ محبُّ الحياة
 
01-Feb-2010
 
العدد 8