العدد 8 - محلي | ||||||||||||||
«عملية خوست» التي نفذها الانتحاري الأردني همام خليل البلوي في قاعدة للمخابرات المركزية الأميركية في أفغانستان، كشفت «اضطراباً شديداً في الأداء الإعلامي للدولة»، بحسب الكاتب الصحفي محمد أبو رمان، وآخرين كتبوا حول «الرؤية الإعلامية الرسمية الغائبة» في التعاطي مع الحدث. الإعلاميون رأوا أن الحادثة «أعادتنا إلى زمن غابر كانت الحكومات تعتقد فيه أن طمس الخبر أو إخفاءه، يمكّنها من التمتّع بحرية أكبر». البداية كانت خبراً قصيراً بثته وكالات الأنباء العالمية بصيغة «خبر عاجل»، في وقت متأخر من ليلة الثلاثين من كانون الأول/ديسمبر 2009، يؤكد مقتل سبعة من عملاء المخابرات الأميركية في منطقة «خوست» بأفغانستان في هجوم انتحاري. للوهلة الأولى لم يبدُ أن للخبر تبعات أكثر من ذلك. عدد من الصحف الأردنية اكتفت بنشره موجزاً فقط، فيما لم يتسنَّ لصحف أخرى نشره. في اليوم التالي أعلن الأردن رسمياً «سقوط شهيد في أفغانستان». الخبر بثّته وكالة الأنباء الأردنية الرسمية بترا، وجاء مقتضباً: «صرح مصدر مسؤول في القيادة العامة للقوات المسلحة بما يلي: استُشهد مساء اليوم النقيب الشريف علي بن زيد أثناء مشاركته في أداء الواجب الإنساني الذي تقوم به القوات المسلحة الأردنية في أفغانستان، ليلتحق الشهيد بكوكبة الشهداء الأردنيين الذين قضوا نحبهم في ميادين الشرف والرجولة وإعلاء سمعة الأردن، والمساهمة في حفظ السلام ومساعدة المدنيين المتضررين في مناطق الأزمات في مختلف دول العالم، مسطّرين أبهى صور التفاني والتضحية في القيام بالواجب، خدمةً للوطن وللإنسانية جمعاء». منذ اللحظة الأولى، حاول الأردن الرسمي فصلَ الحادثتين بعضهما عن بعض، وأصرّ على أن استشهاد الضابط الأردني جاء على خلفية مشاركته في عمليات الإغاثة الإنسانية التي يقدمها الأردن لمتضرري الصراع الدائر في أفغانستان. غير أن الصحافة العالمية بدأت بـ«التنبيش» في طبيعة الانفجار، وهوية الانتحاري الذي استطاع اقتحام قلعة محصّنة، جعلت منها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية مركزاً رئيساً لها لإدارة عملياتها في شرق أفغانستان. في الثاني من كانون الثاني/ يناير 2010، كان الملك عبدالله الثاني والملكة رانيا العبدالله وولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، في استقبال جثمان النقيب الشريف علي بن زيد آل عون لدى وصوله إلى مطار الملكة علياء الدولي على متن إحدى طائرات سلاح الجو الملكي الأردني. وكالة بترا أعادت القصة نفسها عن طبيعة المهمة التي كان الشريف يشارك فيها بأفغانستان. في اليوم نفسه، كانت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية تضع اللمسات الأولى على القصة التي ستتفجّر بعد قليل، وذلك حين سرّب لها مصدر أمني أميركي أن ضباط CIA الذين قُتلوا في «قاعدة شابمان» في «خوست»، كانوا يعملون على جمع المعلومات التي تتيح تحديد أهداف الطائرات من دون طيار، كاشفةً أن «منفذ الاعتداء الانتحاري ادّعى أنه مخبر يريد تقديم معلومات، ما أتاح له الدخول إلى القاعدة مزنّراً بمتفجرات مخبأة تحت ثيابه». لكنّ المتحدثين باسم الوكالة رفضوا التعليق على هذه المعلومات، فيما سارع «تنظيم القاعدة» إلى تبني العملية. في اليوم نفسه، واجه الأردن موقفاً عصيباً، حين أعلنت حركة طالبان أن منفّذ العملية أردني، وأن الأردن هو الذي جنّده للوصول إلى الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، المصري أيمن الظواهري. لكنّ الردّ الأردني جاء سريعاً و«غير مدروس»، حين أكّد وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال نبيل الشريف أن «هذا الكلام لا أساس له من الصحة، ولا توجد للمملكة أية صلة من قريب أو بعيد بهذا العمل». طالبان، ومن خلال بيان صادر عنها، أكدت أن منفذ الهجوم يُدعى همام خليل البلوي، يُكنى بأبي دجانة الخرساني، وهو أردني الجنسية، ويعمل لمصلحة الأجهزة الأمنية الأردنية التي جندته للالتقاء بالظواهري، مبينةً كذلك أنها «تملك شريطاً» يدعم مزاعمها بهذا الشأن. منذ ذلك اليوم، تدافعت وسائل الإعلام العالمية إلى نشر المعلومات تباعاً، حيث تبين أن منفذ العملية هو الأردني همام خليل البلوي، 32 عاماً، وأنه كان عميلاً ثلاثياً، للمخابرات الأردنية، والمخابرات الأميركية، وللقاعدة وطالبان. الإعلام المحلي ظلّ «في سباته العميق»، ولم «يجرؤ» على نشر أيٍّ من المعلومات المتوفرة، والتي واصلت فضائيات عربية نشرها على مدار الساعة. وتأخرت الإفاقة من السبات حتى السادس من كانون الثاني/يناير، عندما تمكّنت صحيفة الغد من الحصول على تصريح مما أسمته «مسؤول رفيع المستوى»، أكد لها «ضمناً» صحة الأخبار المتداولة في الإعلام العربي والعالمي، إذ قال إن «الأردن سيواصل حربه ضد الإرهاب وضد تنظيم القاعدة»، وأضاف: «إننا نتعاون في سبيل مكافحة الإرهاب مع سائر أجهزة الاستخبارات المعنية بهذا الملف». إذا كانت «عملية خوست» فتحت الباب للاطلاع على التنسيق الأردني الأميركي في «الحرب على الإرهاب»، فإنها كشفت «قصور الرؤية الرسمية لإعلام قوي يستند إلى المصلحة الوطنية ويدافع عنها»، بحسب كاتب في صحيفة يومية رغب في عدم نشر اسمه. ويؤكد الصحفي، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن «الأردن من بين أكثر المتضررين من الإرهاب»، لذلك ينبغي أن لا تكون «حرب الأردن على الإرهاب كما لو أنها عمل يخجل من أن يكشفه»، مستذكراً تفجيرات الفنادق الثلاثة العام 2005، التي نفّذها انتحاريون من تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين»، بزعامة الأردني أبو مصعب الزرقاوي الذي قُتل في العراق في حزيران/يونيو 2006، بغارة أميركية. ويتحدث الصحفي عن دور كبير للأردن في تعقّب الزرقاوي وتزويد الأميركيين بالمعلومات التي أدّت في النهاية إلى تصفيته. ويذهب إلى أن «محاولة الأردن التنصّل من دوره في أفغانستان، في البداية، أحرجت عائلة الشهيد الشريف علي بن زيد». لكنّ الموقف الرسمي الأردني ظلّ على حاله، ولم يحركه تدفق المعلومات من أجهزة الإعلام العالمية التي أكدت أن المخابرات الأردنية هي التي قدّمت البلوي إلى CIA على أنه «عميل سوبر»، ويمكن له أن يحدد مكان أيمن الظاهري. الجهات الرسمية خلال «أزمة خوست»، اختارت على الدوام وسائل إعلام أجنبية لتبثّ روايتها من خلالها: وكالة الأنباء الفرنسية، مجلة تايم الأميركية، وغيرهما. الأمر لم يتوقف عند حدود حجب المعلومة عن وسائل الإعلام المحلية، بل تعداه إلى منع وسائل الإعلام المحلية من الوصول إلى أطراف أخرى في الموضوع؛ عائلة همام البلوي التي تسكن في جبل الزهور بعمّان. ففي الوقت الذي كان فيه مراسلو شبكة CNN يتجولون في الشارع الذي تقطن فيه العائلة، ويسيرون بحرية إلى جانب والده يحصلون منه، ومن شقيق البلوي، على تصريحات خاصة، وفي الوقت الذي وصلت فيه وسائل إعلام عالمية أخرى إلى العائلة، منعت الأجهزة الأمنية على الدوام وسائل الإعلام المحلية من الاقتراب من عائلة البلوي، بل هدّدت صحفيين اثنين من صحيفة يومية بـ«الاعتقال» إن لم يغادرا المنطقة بسرعة، بحسب واحد منهما طلب عدم الكشف عن هويته. كاتب عمود يومي في صحيفة يومية، يؤكد أن «حادثة خوست» كشفت عن أن «مفردات الشفافية والصدقية وعدم حجب المعلومة عن وسائل الإعلام، هي عبارات إنشائية لتزيين البرامج الحكومية وتنميقها». «الحقيقة المؤلمة أن الإعلام الأردني سقط بشكل سافر في امتحان الصدق»، يؤكد الكاتب الذي طلب عدم الكشف عن اسمه. ويضيف: «نفى وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال، في البداية، أي صلة للأردن بالحادثة، في الوقت الذي كان فيه المتحدث الأميركي يشرح بوضوح مجريات العملية». لكن إعلامياً مقرباً من الشريف، يقول إن الشريف فعلاً «لم يُدر الخطاب الإعلامي في هذه القضية، بل كان إعلام الديوان الملكي هو المسؤول». الصلة بين المخابرات الأردنية ونظيرتها الأميركية، يرى الكاتب الصحفي أن «الأردن يجب أن لا يخجل من الاعتراف بها». فالأردن في رأيه، بلد صغير و«يتوجب عليه حماية مصالحه بكل الوسائل الممكنة، بخاصة أنه مستهدَف من بعض التنظيمات». كاتب آخر، في صحيفة يومية أيضاً، طلب كذلك عدم نشر اسمه، يستهجن عدم مسارعة الأردن إلى كشف العملية وتقديم الرواية الرسمية بعد إعلان حركة طالبان أنها تمتلك شريطاً لمنفّذ العملية ستبثّه في الوقت المناسب. ويضيف: «من حق الدولة أن تتحلّى بالصمت عندما لا تتوافر لديها المعلومات، أو عندما لا تريد الإفصاح عن معلوماتها، ولكن أن تصرّح بتفاصيلٍ لوكالة الصحافة الفرنسية في عمّان، ثمّ يطلب وزير الإعلام اعتماد رواية الوكالة الفرنسية، فهذا أمر يرقى إلى ما هو أبعد من الفضيحة والعجز!». وعد حركة طالبان ببثّ الشريط لم يطل انتظاره، فقد أطلّ البلوي على شاشة قناة الجزيرة الفضائية، وأكد أن تنفيذه الهجوم جاء «نكاية بالمخابرات الأردنية والأميركية»، وثأراً لمقتل الزعيم السابق لحركة طالبان- باكستان بيت الله محسود. في تعليقه على الحادثة، في مقالته بصحيفة الغد، 7 كانون الثاني/يناير 2009، رأى الكاتب محمد أبو رمان، أن الرواية الإعلامية الرسمية وقعت «في حبائل التأخر والارتباك والارتجال في تعاملها مع قصة الأردني أبو دجانة الخراساني». وقال أبو رمان إن تصريحَي وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال المتناقضَين رسَما بوضوح حالة الارتجال التي عانى منها الجانب الرسمي، مبيناً أن مَن دفع الثمن هو «صورة الأردن»، التي شكّلتها الروايات الإعلامية الأخرى، بالصيغة والكيفية التي تريد. |
|
|||||||||||||