العدد 8 - محلي
 

تكليف سمير الرفاعي بتشكيل الحكومة الجديدة، اشتمل على جرعات قوية من التأكيد على وظيفتها في ترجمة رؤى الإصلاح والتحديث، ومواصلة هذه المسيرة «بالبناء على الخطط والبرامج والأهداف التي تضمنتها الأجندة الوطنية 2006-2015».

فإلى أي مدى ستنهض الحكومة بهذه المهام السامية التي تعطلت بما فيه الكفاية على أيدي من هم مكلفون بها على امتداد سنوات؟ هذا التساؤل سيرافق الحكومة على مدار ولايتها. لكن وجود عناوين محددة ذات صلة بالإصلاح في الأجندة الحكومية، يضعها مبكراً على المحكّ، وبخاصة ما يتصل بتطوير الحياة السياسية والبرلمانية، في أعقاب حل مجلس النواب في منتصف ولايته، وإقرار إجراء انتخابات تسهم في «تطور العمل السياسي والحزبي البرامجي».

عريب الرنتاوي، الإعلامي ومدير مركز القدس للدراسات السياسية، يرى أن «كل حديث عن الإصلاح السياسي خارج نطاق إصلاح جذري لقانون الانتخاب ضرب من الوهم».

حكومة الرفاعي ربما تدرك ذلك، لذلك لم تتوانَ عن الإمساك بهذا الملف وإنْ بحذر شديد؛ فهذه الحكومة الأولى في عهد الملك عبد الله الثاني، التي تتخذ خطوات إجرائية مباشرة بشأن تعديل قانون الانتخاب لمجلس النواب، ولم تكتفِ بتأكيد التزامها اللفظي بكتاب التكليف الملَكي؛ فقد عمد رئيسها إلى تشكيل لجنة وزارية برئاسته شخصياً لهذا الغرض، وهذا التزام ليس رسمياً فقط، بل هو شخصي أيضاً في اتجاه إجراء الانتخابات قبل نهاية العام، وتعديل قانون الانتخاب ترجمةً للتوجيهات الملَكية.

لجنة قانون الانتخاب تشكلت برئاسة رئيس الوزراء وعضوية خمسة وزراء بصفاتهم الوظيفية، هم: رجائي المعشر، نايف القاضي، أيمن عودة، موسى المعايطة، توفيق كريشان ونبيل الشريف.

وزير التنمية السياسية موسى المعايطة، أفاد بخصوص الاجتماع الأول للّجنة، 17 كانون الثاني/يناير، بأن اللجنة لم تحسم رؤاها بعد بشأن نظام الانتخاب الذي سيُعتمد، لافتاً إلى أن الأمور ما زالت في إطار «العصف الذهني»، لكنه يرى صعوبة في التخلي عن الصوت الواحد، موضحاً أن «آفاق تعديل القانون تبقى تدور في فلك الصوت الواحد»، وأن هناك وجهات نظر تدعو إلى «إعادة توزيع الدوائر الانتخابية».

المعايطة الذي قدم عرضاً في الاجتماع المذكور لنماذج الأنظمة الانتخابية في العالم، أكد ما سبق أن شدّد عليه رئيس الوزراء من أن الحكومة ملتزمة بإجراء الانتخابات النيابية «قبل نهاية العام الجاري»، وبتحسين الإجراءات المتعلقة بالعملية الانتخابية كأولوية قصوى، ومن ذلك «إلغاء نقل تسجيل الناخبين الذي جرى في الانتخابات السابقة، وضمان سرية الاقتراع» لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة.

أما بشأن الحوار الوطني حول تعديل قانون الانتخاب، فقد ذكر المعايطة أن رئيس الوزراء طلب إليه تنظيم هذا الحوار مع الأحزاب السياسية ومع منظمات المجتمع المدني للتشاور معها والاطلاع على وجهة نظرها.

تصريحات حكومة الرفاعي تشي حتى الآن بخشيتها من اتخاذ توجه جريء بخصوص تعديل قانون الانتخاب، وليس أدلّ على ذلك من أن الأجندة الوطنية التي دُعيت الحكومة للبناء على ما جاء فيها من خطط وبرامج، تنطوي على أكثر من خيار في إطار تبني النظام الانتخابي المختلط، وأحد هذه الخيارات يقوم على الصوت الواحد، فإذا كان هذا الخيار خارج نطاق البحث كنقطة انطلاق، فلا يبقى للمجتمع السياسي في الأردن سوى أن يقرأ على تنمية الحياة السياسية والحزبية والبرلمانية السلام!

في ظل هذا المناخ، تواصل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني الإعراب عن قلقها إزاء النتيجة التي سيتمخض عنها الحراك السياسي الجاري.

أحزاب المعارضة التي أشادت بـ«كشف الحكومة عن بعض ملفات الفساد»، في تصريح لتنسيقيتها يوم 6 كانون الثاني/يناير، طالبت بفتح باب الحوار حول قانون الانتخاب مع مؤسسات المجتمع المدني وفي مقدمتها الأحزاب السياسية للوصول إلى قانون انتخاب عصري وديمقراطي.

أحزاب المعارضة، رغم انشغالها بالتحضير لعقد «مؤتمر مجابهة التطبيع»، أواخر كانون الثاني/يناير 2010، وعقد «مؤتمر اقتصادي وطني» في مدة أقصاها نهاية شباط/فبراير، قررت تلبية دعوة وزارة التنمية السياسية الموجهة للأحزاب السياسية للحوار حول تعديل قانون الانتخاب يوم الثاني من شباط/فبراير، وتقديم ورقة عمل تبين رؤيتها في القانون المعمول به، ومقترحاتها لقانون جديد.

الناطق الرسمي باسم لجنة التنسيق العليا لأحزاب المعارضة نشأت أحمد، أعلمَ ے أن ائتلاف المعارضة يشدد على التزام الحكومة بإجراء الانتخابات قبل نهاية العام، ويطالب «بإلغاء قانون الصوت الواحد المجزوء»، و«بنظام انتخاب مختلط مع توزيع مقاعد المجلس النيابي مناصفة بين القائمة النسبية على مستوى الوطن، وبين المقاعد الفردية».

تكتل المعارضة الذي تنضوي تحت لوائه أحزاب: العمل الإسلامي، الشيوعي، «حشد»، الوحدة الشعبية، البعث الاشتراكي، البعث التقدمي والحركة القومية للديمقراطية المباشرة، يطالب بأن تشرف على الانتخابات، بحسب ناطقه الرسمي، هيئةٌ مستقلة عليا يشارك في عضويتها ممثلون من القضاء ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب.

الرنتاوي أعرب لـ ے عن عدم تفاؤله بتحقيق اختراق في مجال الإصلاح السياسي، رغم أن الحكومة، بحسب تقديره، أطلقت مبادرات إيجابية في مجال الاقتصاد والنزاهة والشفافية والإعلام ومدونات السلوك، إلى جانب إطفاء بعض البقع الأمنية الخارجة عن القانون والقبض على المطلوبين. ورجّح أن يقتصر الأمر على إجراءات تجميلية حول شكل العملية الانتخابية وقانون الانتخاب، عادّاً كل حديث آخر مبالغة، ولافتاً إلى أن الأوساط الحكومية تؤكد أنه سيتم الإبقاء على الصوت الواحد، ما يعني أن الاستجابة لدعوات الأحزاب بنظام انتخابي مختلط غير واردة.

ويرى الرنتاوي أن الجوانب التي يمكن أن يمسّها التعديل تقتصر على مراجعة الجوانب الإجرائية واللوجستية لتصبح أكثر شفافية ونزاهة، وعلى إعادة النظر في جوانب ذات صلة بالكوتا النسائية، وربما بإجراء تعديل إيجابي طفيف على توزيع المقاعد، لكن دون أن تفضي إلى برلمان مختلف، أو إلى حراك سياسي حزبي يسهم في تفعيل الحياة السياسية في البلاد.

وبالاستناد إلى خبرة مركزه في إدارة حوارات وطنية حول الشأن الانتخابي، اقترح الرنتاوي «صيغة توافقية لنظام الانتخاب»، تتضمن: رفع عدد مقاعد «النيابي» إلى 120 مقعداً يخصَّص ثلثها، أي 40 مقعداً، للقوائم النسبية؛ وثلثاها الآخران، أي 80 مقعداً للدوائر، مع دمج دوائر البدو في المحافظات التابعة لها، والنص على مقاعد مضمونة للنساء ضمن القوائم بحيث تلتزم القوائم بترشيح امرأة ضمن كل ثلاثة ترشيحات، ما يكفل فوز حوالي 12 سيدة، مؤكداً أن هذه صيغة توافقية وليست قفزة في المجهول، عادّاً إياها بمثابة آلية تضمن فرز قوى حديثة وفاعلة في البرلمان.

ويختم الرنتاوي بقوله إن الإسلاميين لا يمكن أن يحصلوا على كل حصة مقاعد القائمة النسبية، وأنه في كل الأحوال ستكون هناك أغلبية برلمانية مريحة موالية للحكومة، لكن الجديد أن الصيغة المقترحة «ستأتي بقوى معارضة حيوية وإضفاء طابع حداثي سياسي كُتْليّ على البرلمان».

للتحديث نصيب

تبدي حكومة الرفاعي عزيمة غير مسبوقة في مجال تحديث آليات العمل الحكومي وتفعيلها؛ فخلافاً لحكومات كثيرة سابقة، لم تكتفِ الحكومة بإعلان حماستها للتوجيهات الملكية بهذا الخصوص، دون تغيير أساليب العمل التقليدية، إذ إن كل المؤشرات تؤكد عزم رئيس الوزراء على التحديث وإحداث فرق في الأداء.

فالطاقم الحكومي بدأ عمله بصياغة ميثاق شرف لقواعد السلوك الخاصة برئيس الوزراء والوزراء والتوقيع عليها، ثم أصدرت الحكومة مدونة قواعد السلوك لعلاقة الحكومة مع وسائل الإعلام لوقف الممارسات الاسترضائية.

كذلك لم يقم الرئيس بِحثّ أعضاء فريقه في اجتماعات مجلس الوزراء على إنجاز خطط وزاراتهم فقط، بل ذهب إلى وزاراتهم بنفسه من أجل مزيد من التعبئة في هذا الاتجاه.

كتاب التكليف الملكي دعا الحكومة إلى وضع منهجية عمل محكمة تضع أهدافاً محددة للإنجاز في جميع المجالات، وتحدد برامج زمنية لتنفيذها، «ليكون مدى التقدم في تنفيذ هذه البرامج المعيار الواضح لتقييم الأداء»، مشدداً على الانتهاء من إعداد خطة عمل كل وزارة بعد مناقشتها وتبنّيها في مجلس الوزراء، خلال شهرين، من أجل تحقيق المنهجية المشار إليها.

خلال 18 يوماً، تمكن الرئيس من زيارة ستّ عشرة وزارة، بدأها يوم 4 كانون الثاني/يناير، بزيارة وزارات الصناعة والتجارة، والمالية، والتخطيط والتعاون الدولي؛ تلاها يوم 11 كانون الثاني/يناير، بزيارة وزارتي السياحة، والتنمية الاجتماعية؛ ثم زار يوم 18 من الشهر نفسه، وزارات المياه، والصحة، والزراعة؛ استتبعها في اليوم التالي بوزارتي التنمية السياسية، والتربية والتعليم، ثم في اليوم الذي يليه بوزارات الثقافة، وتطوير القطاع العام، والأوقاف. وفي 21 من الشهر نفسه، زار الرئيس وزارات التعليم العالي والبحث العلمي، والعمل، والطاقة والثروة المعدنية. وبعد انتهاء الوزارات من إقرار خططها، سيقوم مجلس الوزراء بإقرار الخطط مجتمعة بوصفها خطة الحكومة التي سيرفعها مجلس الوزراء للملك عبد الله الثاني.

مشروع اللامركزية

أكدت حكومة الرفاعي أنها ملتزمة بالعمل على ترجمة مشروع اللامركزية وتشكيل المجالس المحلية في سائر المحافظات في المملكة. ولذا قرر رئيس الوزراء تشكيل لجنة وزارية لمتابعة موضوع اللامركزية برئاسته، تضم تسعة وزراء بصفاتهم الوظيفية، هم: رجائي المعشر، نايف القاضي، توفيق كريشان، محمد أبو حمور، نبيل الشريف، أيمن عودة، موسى المعايطة، عماد فاخوري وعلي الغزاوي.

كانت لجنة وزارية برئاسة وزير الداخلية نايف القاضي في عهد حكومة نادر الذهبي، قد أنجزت مسوّدة مشروع قانون للامركزية، ورفعته إلى مجلس الوزراء الذي أحاله إلى ديوان التشريع للاستئناس برأيه.

هذه المسوّدة نفسها لمشروع قانون اللامركزية، هي التي ستنطلق منها حكومة الرفاعي لتطبيق المشروع. وقد مثّل تشكيل الحكومة الجديدة فرصة ثمينة لمراجعة وتطوير المسوّدة قبل أن تمر بقنوات إصدارها الدستورية، بالنظر إلى وجود عدد غير قليل من القضايا الإشكالية فيها.

لكن موسى المعايطة عضو اللجنة أوضح لـ ے أنه ليس هناك توجه لإعادة النظر بشكل جوهري في ما تم التوصل إليه، لافتاً إلى أنه سيكون هناك تريث قبل إقرار القانون بشكل نهائي بغرض إجراء تدقيقات في بعض جوانب المسوّدة، وبحث ما هي الأنظمة التي يجب اعتمادها إثر إقرار قانون اللامركزية، علاوة على دراسة الجوانب الفنية للمشروع وطواقم العمل اللازمة له وبناء القدرات اللازمة للنهوض بهذه العملية.

مشروع اللامركزية ظل تحت الأضواء قبل رحيل حكومة نادر الذهبي، لكن تشكيل الحكومة الجديدة، وبروز أولويات تتعلق بتعديل قانون الانتخاب، دفعت به إلى مرتبة متدنية من اهتمام الصحافة والأحزاب السياسية والرأي العام. حتى إن أحزاب المعارضة التي أعدت مقترحاتها لتعديل قانون الانتخاب، لم تبحث بعد ملاحظاتها على هذا المشروع، حسب ما أكده الناطق الرسمي باسم لجنة التنسيق العليا لأحزاب المعارضة نشأت أحمد، الذي حذّر من وضع الأحزاب والرأي العام تحت الأمر الواقع، مؤكداً أهمية المشاركة في الحوار حول القانون قبل إقراره.

أبرز مثالب مسوّدة قانون اللامركزية، تتمثل أوّلاً في اللجوء إلى تعيين ثلث عدد أعضاء المجلس المحلي المنتخب للمحافظة، كما لو أننا لم نتعظ من تجربة تعيين نصف المجالس البلدية في انتخابات 2003، التي جاء قانون البلديات الجديد لسنة 2007 ليتخلى عنها، وليقر العودة إلى انتخاب كامل عضوية المجالس البلدية بمن في ذلك رؤساؤها.

وثاني مثالب القانون، أن تحديد عدد أعضاء كل مجلس محافظة بثلاثين عضواً، لا يبدو مناسباً أمام الفروق الكبيرة في عدد السكان بين المحافظات، وإذا سلّمنا بأن العدد 30، يمكن أن يكون مقبولاً للمحافظات الكبيرة مثل العاصمة وإربد والزرقاء، فإن من الملائم، لا سيما من زاوية ترشيد النفقات العامة، خفْض هذا العدد في المحافظات الأخرى، باعتماد مستويين آخرين من العضوية؛ واحد للمحافظات المتوسطة الحجم، وآخر للمحافظات صغيرة الحجم.

أما المثلب الثالث، فيتمثل في أن المشروع اختار طريقة «أعلى النسب» لتحديد النساء الفائزات في التنافس على مقاعد الكوتا الأربعة في كل محافظة، وهي طريقة تحابي النساء في الدوائر الصغيرة، علاوة على كونها غير عادلة حينما تطبق في دوائر ليست متماثلة في عدد سكانها أو عدد الناخبين فيها، وهي الطريق نفسها المتبعة في تفويز المرشحات في انتخابات مجلس النواب، وكذلك في المجالس البلدية التي تطالب الحركة النسائية باستبدالها بطريقة الفوز لصاحبات أعلى الأصوات.

وأخيراً، فإن نظام الانتخاب، يعتمد عملياً نظام الصوت الواحد دون أن يسميه، مانحاً الحق في طريقة توزيع الدوائر وحصتها من المقاعد، إلى مجلس الوزراء لتصدر بنظام لاحق، وهذه مسألة جوهرية يجب أن يحسمها «قانون» صادر عن السلطة التشريعية، لا «نظام» صادر عن الحكومة. والمشكلة مرة أخرى، أن هذا النظام الانتخابي لن يفرز لمجلس المحافظة قادة محليين أصحاب رؤى وبرامج، بل مجرد ممثلي ولاءات فرعية، ومخاتير حارات. ولأن هذا النظام بطبعته الخاصة بمجلس النواب غير مناسب للتنمية السياسية، فإن تعديله مطروح بأمر ملَكي على أجندة الحكومة.

رغم الاندفاعة التحديثية حذر حكومي في مقاربة الإصلاح السياسي
 
01-Feb-2010
 
العدد 8