العدد 8 - راحلون
 

كان خبراً فاجعاً؛ أن يرحل عن دنيانا رجلٌ فذّ، ترك أثره الريادي في المجالات العمرانية والوطنية والثقافية والاجتماعية، ضمن الفضاء الفلسطيني اللبناني بخاصة، وعلى الصعيد العربي بعامة. إنه المعلم حسيب جريس الصباغ، أحد المؤسسين، والرئيس الفخري لمجموعة شركة اتحاد المقاولين CCC، الذي غيبه الموت، الثلاثاء 12 كانون الثاني/يناير 2010، هو الذي ظل قدوة في حبه لوطنه، وبذلَ ماله وجهده لخدمة فلسطين الساكنة دوماً في القلب والعقل والوجدان.

وُلد الصباغ في طبرية بفلسطين العام 1920، ونشأ وترعرع في صفد، حيث فقد والده باكراً، قاده طموحه إلى القدس حيث أنهى دراسته الثانوية 1938 في «الكلية العربية»، قبل أن ينتقل إلى الجامعة الأميركية في بيروت، حيث تخرج سنة 1941 مهندساً مدنياً، لينخرط مباشرة في مجال المقاولات والبناء، فأسس في حيفا مع شركاء له، شركة «اتحاد المقاولين» CCC، الاسم الذي سيستعيده سنة 1952 بعد نكبة فلسطين وارتحاله مع عائلته إلى بيروت، والذي سيصبح عنوان امتياز واحدة من أبرز شركات المقاولات والبناء عالمياً، وقد أسسها بالشراكة مع قريبه وصهره المعلم سعيد توفيق خوري.

كان النجاح الباهر الذي حققه الشريكان، بالاشتراك مع رجل الاقتصاد المرحوم كامل عبد الرحمن، بمثابة رد على النكبة أهداه الصباغ إلى وطنه، إسهاماً في جهاد شعبه دفاعاً عن حقه في الوجود وفي الحياة، معْلياً اسم فلسطين في أرجاء العالم، حيث انتشر شعار CCC جاعلاً من مناقبيته الشخصية، التي استحق بها احترام كل من عرفوه في مجال الأعمال وتقديرهم، نموذجاً للإخلاص في العمل والصدق في التعامل، موجّهاً الأنظار إلى قضية شعبه العادلة.

وبالروح الوطنية نفسها دافع الصباغ عن قضايا الوطن العربي، الذي احتضن شركته وأتاح لها النجاح.

لا حاجة اليوم في العالم العربي لتعداد المشاريع الكبرى المشهودة التي اضطلعت بهاCCC، والتي كان الصباغ يفخر بها، مبرزاً إياها كثمار جهد ونشاط وعبقرية شعبه الفلسطيني، لكن الراحل اتسم بقلة الكلام حتى إنكار الذات، وكان دائماً يتجنب الحديث عن أعماله الثقافية والاجتماعية والخيرية التي كرّس لها أفكاره ووقته وماله.

وما زالت في البال مبادرة الصباغ للرد على الحرب الأهلية اللبنانية، التي تمثلت في تشييد الجسور بين الديانات والحضارات، تأسيس «مركز التفاهم الإسلامي – المسيحي للدراسات» في جامعة جورج تاون بالولايات المتحدة الأميركية. كما أنه أحد مؤسسي مؤسسة التعاون، التي وجهت عنايتها لدعم أنشطة نوعية في أرض فلسطين 1948، وذلك للمحافظة على الوجود العربي في داخل دولة الاحتلال. كانت زوجته وشريكة حياته ديانا تماري، بمثابة اليد اليمنى له في هذا المجال، وقد أسس وفاء لها وتخليداً لذكراها بعد رحيلها العام 1978، مؤسسة تحمل اسمها، توزع سخاءها على العديد من المؤسسات الصحية والخيرية والجامعية في أنحاء العالم. وإذا كانت أمراض الشيخوخة قد أقعدت «المعلم» حسيب الصباغ في السنوات الأخيرة، وحالت دون اضطلاعه بموقع القيادة، فإن الصرح الإنساني والوطني الذي أقامه على أساسٍ من عمله العمراني، ما زال مستمراً بإشراف أبنائه سناء وسهيل وسمير، في عطائه في هذه المجالات كافة، وبالروحية التي أرساها المعلم المؤسس.

يوسف كنعان

مدير شركة CCC، لبنان

حسيب الصباغ: المعلّم المؤسس
 
01-Feb-2010
 
العدد 8