العدد 3 - اقتصادي | ||||||||||||||
يشكل الربع الثالث من العام، منحنى جديداً في النشاط الاقتصادي، مع عودة نحو 375 ألف مواطن لقضاء الصيف في البلاد، بحسب بيانات صادرة عن وزارة السياحة. بيانات وزارة الداخلية تشير إلى أن معدل الذين يدخلون البلاد من مواطنين أردنيين يبلغ نحو 2.5 مليون شخص كل عام، ويبلغ معدل الذين يغادرون نحو 2.3 مليون شخص، لكن بيانات «السياحة» توضح أن عدد من يقيمون أكثر من ليلة منهم ولديهم إقامات في الخارج يراوح بين مليون و1.2 مليون شخص، يضخون في الاقتصاد كل عام نحو 565 مليون دينار، منهم 375 ألف مواطن يمضون إجازة الصيف في البلاد. بيانات البنك المركزي تشير إلى أن نحو 1.97 مليون أردني غادروا البلاد في العام 2008 لغايات السياحة والعلاج والتعليم، بينما بلغ حجم إنفاقهم في الخارج 710 ملايين دينار، ما يقلل من الإيرادات السياحية للدولة، ويساهم بشكل جزئي في عجز الموازنة، الذي ارتفع من 38.4 مليون دينار في النصف الأول من العام 2008 إلى 530.1 مليون دينار للنصف الأول من العام 2009، بحسب بيانات وزارة المالية. الذين يمضون إجازة الصيف في البلاد، يعملون على تحريك عجلة قطاعات اقتصادية راكدة مثل التجارة والسياحة والإنشاءات، حتى إن كثيرين منهم يقيمون في الفنادق، إذ تكشف بيانات «السياحة» أن 90 ألفاً من الأردنيين المقيمين في الخارج يشغلون فنادق 3 نجوم فأكثر في المملكة، خلال أشهر الصيف (تموز/يوليو – أيلول/سبتمبر). ورغم النقلة التي يُحدثها هؤلاء من خلال تنشيط كثير من الخدمات، فإن دراسة متخصصة دعت المؤسسات الرسمية المعنية، مثل وزارتي التخطيط والعمل، والبنك المركزي، إلى إجراء المزيد من الأبحاث عن دور وأثر مدخرات المقيمين في الخارج في الاقتصاد الوطني، وحذّرت من عدم توظيف قدراتهم في قطاعات اقتصادية إنتاجية مثل الصناعة والزراعة والتصدير، وهي القطاعات التي من شأنها المساهمة في تحسين أداء الاقتصاد الوطني ورفع نسبة نموه. الدراسة التي أعدتها غرفة تجارة عمان في نيسان/إبريل 2007، وهي الوحيدة في هذا المضمار، تشرح أوضاع الأردنيين في البلاد التي يعملون بها، والمهن التي يمتهنونها، وسلّم الرواتب التي يتقاضونها، وتحدّد الخصائص السكانية لهم. التطرق إلى المغتربين يكاد ينحصر في بيانات شهرية يُصدرها البنك المركزي يُظهر فيها حجم تحويلاتهم والمبالغ التي يرسلونها إلى أقاربهم أو تلك التي يودعونها في البنوك، والتي تقدَّر بمليارَي دينار سنوياً. التحويلات تراجعت العام الجاري وللمرة الأولى منذ العام 2001، بحسب بيانات البنك المركزي، إذ كانت تشهد زيادة مُطردة وبمعدل 10 في المئة سنوياً، إلا أنها انخفضت من 1.29 بليون دينار للنصف الأول من العام 2008 إلى 1.23 بليون دينار للنصف الأول من العام 2009، وبنسبة تراجع بلغت 4.4 في المئة. إلى جانب دراسة غرفة تجارة عمان، هنالك دراسة قديمة نسبياً أصدرها البنك المركزي في العام 2001، حول الأردنيين في الخارج. عضو غرفة تجارة عمان رياض الصيفي، يرى أن زيارة المواطنين المقيمين في الخارج، كل عام «كفيلة بتعويض ركود تشهده قطاعات مختلفة خلال الأشهر المتبقية من العام». يؤيده في ذلك عضو غرفة تجارة عمان هاني الخليلي، مع الأخذ في الحسبان متابعة قضايا الأردنيين العاملين في الخارج، الذين تشكل تحويلاتهم نحو 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية، والبالغ 14 بليون دينار. الخليلي يعتقد بضرورة إعداد تقارير سنوية لمعاينة تأثير التغيرات الدولية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية، في إشارة منه إلى حربَي الخليج الأولى والثانية، وأزمة غذاء عالمية تفجرت في آذار/مارس 2008، والأزمة المالية العالمية التي تكشفت في الولايات المتحدة الأميركية في أيلول/سبتمبر 2008. كل هذه الأحداث، بحسب الخليلي، تركت آثارها على عمل الأردنيين في الخارج. دراسة البنك المركزي استندت إلى بيانات العام 1995، وجاء فيها أن 40 في المئة من العمالة الأردنية في الخارج يحملون شهادة الدراسة الثانوية العامة، 25 في المئة الشهادة الجامعية، و15 في المئة يحملون الدبلوم المتوسط. وفي الجانب المهني، فإن 27 في المئة مؤهّلون من النواحي الفنية، 11 في المئة يعملون في الإدارة والأعمال الكتابية، و50 في المئة يعملون في ميادين الإنتاج المختلفة. بيانات وزارة الخارجية تفيد بأن هنالك نحو نصف مليون أردني يقيمون في دول الخليج، معظمهم في السعودية. بيانات «السياحة» تشير إلى أن المقيمين الأردنيين في الخارج ينفقون في القطاعات كافة، على سبيل المثال 16.7 في المئة من الملايين التي ينفقونها تذهب إلى تكاليف الإقامة، بينما تُقدَّر حصة الطعام والشراب بنحو 22 في المئة، الأنشطة الترفيهية 11 في المئة، العلاج 8.7 في المئة، الدراسة 4.6 في المئة، التنقلات الداخلية 8.4 في المئة، وأخيراً ينفق هؤلاء على التسوق نحو 23.6 في المئة. تأتي أهمية زيارة الأردنيين الذين يعملون في الخارج بالنظر إلى التراجع الملحوظ الذي تشهده إيرادات الدولة من رسوم ومساعدات، والتي انعكست على مناحٍ اقتصادية عدة، ما خفّضَ توقعات معدلات النمو للعام الجاري من 5 إلى 3.3 في المئة. وتُظهر البيانات الصادرة عن وزارة المالية لشهر تموز/يونيو 2009، انخفاض إجمالي الإيرادات المحلية والمساعدات الخارجية خلال النصف الأول من العام الجاري بنسبة 4.2 في المئة. إذ بلغ إجمالي الإيرادات 2.3 بليون دينار مقابل 2.4 بليون دينار خلال الفترة نفسها من العام 2008، في تراجع يحدث للمرة الأولى منذ العام 2004، فقد كانت تلك الإيرادات والمساعدات تزيد كل عام وبمعدل 300 مليون سنوياً. الخبير الاقتصادي منير الحمارنة، يرى أن زيارة المغتربين الأردنيين كل عام تضيف ميزة نسبية للاقتصاد المحلي، وتساهم، بشكل ملحوظ، في ضخ سيولة في الأسواق، لكنه يلحظ تراجعاً في تلك الميزة خلال العامين الأخيرين مع تراجع مدخرات هؤلاء، بسبب تآكل رواتبهم نتيجة نسب التضخم التي وصلت إلى مستويات قياسية في الخليج من جهة، وانحسار زيادات الرواتب والمكافآت بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية على معظم الدول من جهة أخرى. ويزيد: «يمثل التضخم في الدول المضيفة للعمالة أحد العوامل المهمة في التأثير في مدخرات العاملين في الخارج، فالتضخم الخارجي من شأنه التقليل من الأموال التي تُنفَق كل صيف، لأن العمال ينفقون جزءاً من مدخراتهم ودخولهم على السلع الاستهلاكية». بيد أنه يستدرك بالقول: «ما زالوا يساهمون في الاقتصاد الوطني، وبنسب جيدة». رئيس جمعية المستثمرين في قطاع الإسكان زهير العمري، يتفق مع الحمارنة في مساهمة الأردنيين العاملين في الخارج في تحريك عجلة الاقتصاد، حتى ولو بشكل مؤقت كما يقول، في ظل التراجع الذي شهدته صناعة الإنشاءات، تأثراً بالأزمة المالية العالمية، وإحجام البنوك عن منح تسهيلات للقطاع. البيانات الصادرة عن دائرة الأراضي والمساحة تفيد بأن حجم التداول في قطاع العقار خلال النصف الأول من العام 2009 تراجع بنسبة 10 في المئة ليبلغ 1.97 بليون دينار، مقارنة بالفترة نفسها من العام 2008 والبالغ حينها 2.2 بليون دينار. وبلغت إيرادات الدائرة خلال النصف الأول من العام 2009 نحو 125.2 مليون دينار، بانخفاض بلغت نسبته 38 في المئة، مقارنة بالنصف الأول من العام 2008. العمري يرى أن صناعة الإنشاءات هي المستفيد الأكبر من مدخرات العاملين في الخارج مع إقبالهم على شراء الأراضي والشقق صيف كل عام، إضافة إلى تحريك قطاعات أخرى موازية مثل صناعات مستلزمات البناء في حال قرر هؤلاء تشييد مبانٍ لغايات السكن والإقامة في أوقات الزيارة. يتفق المستثمر في قطاع الإسكان خالد الحسن، مع ما ذهب إليه العمري، ويقول: «معظم عمليات الشراء التي يقوم بها المواطنون المقيمون في الخارج تتم خلال الصيف، ما يعيد الحياة لصناعةٍ تراجعَ نشاطها تأثراً بتداعيات الأزمة المالية العالمية التي دفعت البنوك للتشدد في منح التسهيلات للمواطنين في الداخل لشراء شقق». ويلفت الحسن إلى أن استثمارات المغتربين في العقار تزيد من استقرار السوق، كونهم «يشترون للسكن واستخدامات الزيارة، ولا يضاربون في العقار». لكن نقيب تجار المواد الغذائية خليل الحاج توفيق، يبدو متشائماً، رغم إقراره بأهمية زيارة الآلاف كل عام. وهو يركز على سلبيات يمكن أن يتركها هؤلاء، وتحديداً على معدلات التضخم. يقول: «من الطبيعي أن يؤدي تزايد الإنفاق الاستهلاكي للسلع الكمالية، مثل السيارات والأثاث وشراء الأراضي والإقبال على المستوردات، إلى زيادة حدّة الضغوط التضخمية وارتفاع مستويات الأسعار بمعدلات عالية، وهو ما يحدث صيف كل عام». ويضيف: «حجم الطلب الإضافي على السلع والخدمات المدعومة بالقوة الشرائية الناجمة عن زيارة العاملين في الخارج لا يقابلها عرض موازٍ من السلع والخدمات في الاقتصاد الأردني، ومثال ذلك ما يحدث صيفاً عند عودة المغتربين التي تؤدي إلى ارتفاع أسعار الأراضي والشقق السكنية والخدمات الترفيهية والسياحية والنقل وغيرها». بيانات الإحصاءات العامة تشير إلى ارتفاع متوسط أسعار البيع للمستهلك للأشهر الستة الأولى من العام 2009 بمقدار 0.5 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام 2008، بينما بلغت الزيادة في ذلك المتوسط خلال الربع الثالث من العام 2008 ولأشهر تموز/يوليو وآب/أغسطس وأيلول/سبتمبر: 1.9 و0.86 و1.52 في المئة لكلٍّ منها على التوالي، وقد اتخذت الأسعار اتجاهاً نزولياً في أشهر تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر 2008، عندما تراجعت بنسب 1.47 و0.54 و3.38 في المئة لكلٍّ منها على التوالي، مع بداية الشتاء وعودة المغتربين إلى بلدان إقامتهم. |
|
|||||||||||||