العدد 7 - احتباس حراري
 

رغم خيبة الأمل الكبيرة التي تسود أوساط النشطاء البيئيين، والمتطوعين من أجل حماية الكوكب من التلوث، وتأثّر الأردن كسائر دول العالم بتبعات التلوّث والتغيّر المناخي، فقد جاء تكليف حازم ملحس بوزارة البيئة، وهو الناشط البيئي المعروف، ونائب رئيس جمعية الشجرة، بمثابة تحقيق أفق جديد، لدفع جهود الحدّ من الاحتباس الحراري، والمساهمة بشكل أكبر يجعل الصناعة والخدمات والسلوك الإنساني، بشكل عام، رفيقاً للبيئة في الأردن.

الوزير المكلف حديثاً حازم ملحس تحدّث في مؤتمر صحفي عقده لعرض نتائج المشاركة الأردنية، مبيناً أنّ «الحضور القوي والفعّال» للوفد الأردني المشارك في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي، سوف يكون له نتائج إيجابية في دعم الاقتصاد الأردني، وخلق فرص عمل جديدة للأجيال المقبلة.

ملحس أقرّ أنّ ما صدر من القمة هو بمثابة إعلان سياسي، وأنّ المؤتمر أخفق في بلورة اتفاقية قانونية ملزمة لخفض الانبعاثات بعد كيوتو، إلا أنه أشار إلى أنّ الفترة المقبلة قد تحمل اتفاقاً بيئياً جديداً وطموحاً، بخاصة إذا ما اتفقت الدول الكبرى، مشيراً إلى أنّ «إخفاق كوبنهاغن، لم يمنع من خلق أرضية للحوار البيئي قد تثمر مستقبلاً».

رغم ضآلة مساحته، وقلّة موارده، إلا أنّ الأردن شارك بفاعلية في المؤتمر، عكست الجهود المستمرة للوفد المكلف، وغالبيتهم نشطاء بيئيون، فإلى جانب الوزير، هناك أمين عام الوزارة فارس الجنيدي، والعديد من الخبرات الأردنية التي شاركت في الوفد، فأثبت قدرته من خلال انتخاب الأردن عضواً في «لجنة الامتثال لاتفاقية كيوتو» مندوباً عن قارة آسيا، إلى جانب عشر دول في العالم، بحيث تناط بهذه اللجنة مهمة فرض العقوبات على الدول الصناعية غير الملتزمة بالاتفاقية. كما تم انتخاب الأردن عضواً في «اللجنة التنفيذية لمشاريع آلية التنمية النظيفة» مندوباً عن قارة آسيا.

ملحس أكّد أنّ «وجودنا في هذه اللجان سيساعدنا في تسويق مشاريعنا في التنمية النظيفة وتجارة الكربون بما يرفد خزينة الدولة»، وكان استخدامه مصطلحات مثل «التنمية النظيفة» و«المشاريع الخلاقة» دليلاً على نشاطه الواسع في المجال البيئي سابقاً.

على هامش مشاركته بالمؤتمر مع الأمانة العامة لاتفاقية التغير المناخي، تم الإعلان عن اتفاقية وقّعها الأردن يحصل بموجبها على 81 ألف دولار لمشروع Needs المكرس لإعداد الدراسات الاقتصادية البيئية لمشاريع خفض انبعثات الغازات الدفيئة. وقد تم تأكيد أنّ موقف الأردن حيال القضايا البيئية، بخاصة ما يتعلّق بالتغيرات المناخية، منسجم تماماً مع مواقف مجموع «77 + الصين»، كما أنه ملتزم بما اتفق عليه وزراء البيئة العرب في اجتماعهم الذي عقد أخيراً في مصر.

ومن نتائج المؤتمر أنه تمّ تخصيص 30 بليون دولار كدعم من الدول الصناعية للدول النامية، من أجل التكيف مع الظواهر الناجمة عن التغير المناخي. ملحس بيّن أنّ الوزارة ستعمل على تقديم مشاريع مفيدة للحصول على أكبر قدر من التمويل لهذه المشاريع.

ملحس التقى برئيس وزراء مملكة نيبال، وتمّ بحث إمكانية إطلاق مبادرة بيئية مشتركة تتعلق بالجبال، تهتمّ بداية بالعمل على حماية الجبال من العوامل البيئية المختلفة، وتمنع استغلالها لغايات البناء والصناعة. وتحاكي هذه المبادرة، مبادرة «الجزر في البحار»، التي يتمّ التركيز عليها عادة في هذه المؤتمرات، خشية غرقها. وقد تحدّث ملحس عن أهمية مثل هذه الاتفاقية، حيث سيتم الاستفادة من خبرة مملكة نيبال، في حماية الجبال والعمل على تحسين منظرها والعمل عليها.

خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده ملحس في مكتبه في عمّان إثر عودته من كوبنهاغن في 22 كانون الأول/ديسمبر 2009، أعلن عن مبادرات ستقوم بها وزارة البيئة للعمل على بناء القدرات الوطنية في القطاعين العام والخاص، إضافة إلى القطاع الأكاديمي والبحث العلمي والشركات الهندسية، ما له أهمية بالغة في تمكينها من تنفيذ مشاريع وبرامج وخطط، للحد من ظاهرة التغير المناخي في مختلف المجالات، وفتح فرص استثمارية في مجالات الطاقة المتجدّدة. وتمّ التطرق إلى المشاكل البيئية التي يعاني منها الأردن منذ فترة طويلة، وعلى رأسها مشكلة منطقة الهاشمية، التي تحتوي على مبنى مصفاة البترول، التي تؤثر سلباً، ولسنوات، على صحة المقيمين هناك، إضافة إلى مشاكل أخرى مثل «سيل الزرقاء»، وريّ المزارع بالمياه العادمة غير المعالجة، ما تسبّب بامتناع دولٍ عن شراء منتجاتنا الزراعية، وقد وعد الوزير بالعمل بشكل مكثف ممنهج لحلّ مثل هذه المشاكل.

«المؤتمر بشكل أساسي كان مؤتمر مفاوضات، لم يكن لبحث مشاريع أو إنجازات»، هكذا وصف الناشط البيئي باتر وردم مؤتمر كوبنهاغن. وقال إنّ موقف الأردن كان منسجماً مع موقف الدول النامية، مبيناً أنّ «الأردن تراكمت لديه خبرة بموضوع البيئة النظيفة»، ما انعكس بتمثيل الأردن في غير لجنة، وقد وفّر المؤتمر فرصة لبناء علاقات مع الدول الأخرى، بخاصة دول الاتحاد الأوروبي.

وردم أكد أنّ المشاركة الأردنية «كانت منظّمة بشكل عام، وستظهر نتائجها في العام المقبل»، وعن المشاريع التي يقوم بها الأردن لدعم خفض الانبعاثات الحرارية، بين أنّ هناك «ستة مشاريع، ستجلب إلى الأردن حوالي 100 مليون يورو، أولها مشروع محطة العقبة، والمشاريع الأخرى في طور التحقق، من قبل مختصين عالميين قبل الموافقة عليها».

وردم رأى في تكليف ملحس بوزارة البيئة «أمراً إيجابياً سيساعد على دعم الاقتصاد البيئي، فالبيئة لم تعد عائقاً أمام الاستثمار، بل إنّها تصب في نطاق تنظيم الاستثمار، ومن الممكن أن تفتح الآفاق لمصادر دخل إضافية وفرص عمل جديدة».

ترجمة مثل هذه التوجهات تمّت من خلال مشاركة عدد كبير من الخبراء الأردنيين في المشاريع التي تقيمها مؤسسة الأمم المتحدة لبرامج التطوير، مثل برنامج التكيف مع التغير المناخي لضمان ديمومة إنجازات أهداف الألفية التنموية في الأردن، حيث سيقوم البرنامج بتحديد الثغرات في عملية التكيف مع ندرة المياه وتقييم التأثيرات المباشرة وغير المباشرة للتغير المناخي على الصحة والتغذية والأمن البشري، ويشارك الخبير الأردني منذر الشريف في هذه اللجنة، كما تشارك رانيا عبد الخالق في برنامج تطوير القدرات المؤسسية ذات الصلة بتنفيذ اتفاقيات الأمم المتحدة المتعلقة بالبيئة الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي، والاتفاقية الإطارية لمكافحة التصحر، واتفاقية التنوع الحيوي. وتشير عبد الحق إلى أنه تمّ تخصيص 600 ألف دولار لتنفيذ مشروع هذا البرنامج.

مشاركة الفريق الأردني في العديد من الاجتماعات التي استمرت لساعات متأخرة في كوبنهاغن، أسهمت في تحقيق مكاسب للدول النامية ومن ضمنها الأردن، بحسب أمين عام وزارة البيئة فارس الجنيدي، الذي أضاف: «رغم أنه للأسف لم يتمّ التوصل إلى اتفاقية ملزمة في قمة كوبنهاغن لخفض الانبعاثات من الدول الصناعية، إلا أنه تمّ التوصل إلى إعلان سياسي من الدول المشاركة يمهّد لاتفاقية جديدة في حزيران/يونيو 2010 لدول الأطراف»، مبيناً أنّ من نتائج المؤتمر تخصيص 30 بليون دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة لصندوق التكيف للدول المتأثرة من ظاهرة التغير المناخي.

وأشار الجنيدي إلى تسجيل أوّل مشروع على مستوى الأردن للتحول نحو استخدام الغاز الطبيعي بدلاً من الوقود الثقيل في محطة العقبة الحرارية، حيث سيؤدي إلى تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة بنحو 400 طن سنوياً، وسيتم بيع هذه الكمية بمبلغ يتجاوز 2 مليون يورو سنوياً، يخصص منها 15 في المئة لصندوق حماية البيئة.

وقال إنّ العمل يجري على تسجيل مشاريع أخرى ضمن آليـة التنميـة النظيفة التي أصبح الأردن من الدول الرائـدة فيها، مبيناً أنّ إجمالي العوائد لمشروع آلية التنمية النظيفة من محطة العقبة الحرارية حوالي 50 مليون يورو، وأنّ الحكومة حصلت على أوّل دفعة بقيمة مليون ونصف المليون يورو، متوقعاً الحصول على نحو 4 ملايين مطلع العام 2010.

تكليف حازم ملحس، الناشط البيئي المعروف بأنه من أوائل من اقتنوا سيارة كهربائية للحفاظ على البيئة في الأردن، على رأس وزارة راسخة عمرها أربعة أعوام، جاء بمثابة تحدٍّ للعمل على تحقيق بيئة آمنة ونظيفة، وكما قال ملحس في مؤتمره الصحفي: «كنت أعارض لسنوات طويلة، بعدين حكولي تعال خود الوزارة ونشوف شو رح تعمل».

«كوبنهاغن» و«ملحس»: نشطاء من أجل بيئة آمنة
 
01-Jan-2010
 
العدد 7