العدد 7 - عين ثالثة
 

في كانون الأول/ديسمبر 2009، كنت مع زميل لي في عدن لعقد لقاءات مع مسؤولين حكوميين وناشطين في ما يدعى «الحراك الجنوبي»، وهم جماعات معارضة يائسة دأبت على إقامة تظاهرات لا تني تزداد تشدداً في جنوب اليمن. وفي مؤتمر صحفي كان قد عُقد في محافظة صنعاء في اليوم السابق، أصدرنا تقريراً ينتقد ردة فعل الحكومة على الاضطرابات القائمة في الجنوب، التي اشتملت على الاستخدام المفرط للقوة في تفريق مظاهرات سلْمية الطابع إلى حد كبير، والاعتقالات العشوائية الكبيرة، والقمع بالجملة لما كان ذات مرة صحافة معارضة نشطة.

كان بعض أعضاء الحراك الجنوبي يدْعون إلى إقامة دولة يمنية جنوبية منفصلة. وكانت البنادق، وهي حاضر دائم في اليمن، قد شرعت بالظهور وسط بعض المظاهرات، كما شُنت بعض الهجمات المسلحة ضد قوات الأمن واليمنيين الشماليين الذين يعيشون في الجنوب في مزيد من المناطق الريفية.

في ذلك الصباح من أواسط كانون الأول/ديسمبر، بينما كنا على وشك مغادرة فندقنا، حيّانا اثنان من الشبان. وكان زميلي قد قابل أحدهما في تموز/ يوليو بينما كان يبحث في أمر الاضطرابات. وعندما أخبرهما أننا ذاهبان لمقابلة عدنان الجفري، محافظ عدن، طلب إلينا الرجل الثاني، محمد عبد الرب أحمد، وهو أستاذ جامعي، أن ننقل شكره للمحافظ، ومضى إلى رواية تجربة شخصية كشفت عن مدى التعسف العشوائي الذي أصبحت عليه السلطات.

قبل بضعة أشهر فحسب، كان محمد يشتري الفاكهة من ميدان الهاشمي، في مقاطعة الشيخ عثمان في عدن. وكان قادة الاحتجاجات قد دعوا إلى مظاهرات في ذلك اليوم، ذكرى انسحاب آخر القوات البريطانية من البلاد العام 1967. ورغم أن مظاهرات جرت في أماكن أخرى، إلا أن السلطات في عدن غمرت أماكن التظاهر، مثل ميدان الهاشمي، بقوات الأمن. وقامت، على نمطٍ كنا قد شهدناه سابقاً، باعتقال أشخاص نظرت إليهم على أنهم متظاهرون محتمَلون.

وتم اعتقال أكثر من 300 شخص في عدن في ذلك اليوم، من بينهم أشخاص من غير المتظاهرين. وانتهى المطاف بمحمد معتقلاً في مكان مجهول مع معتقلَين آخرَين، في زنزانة صغيرة مظلمة تماماً، ولمدة تسعة أيام دون أن يتمكّن من إبلاغ عائلته. ولم تستطع عائلته الحصول على أي معلومات عن مكان تواجده، أو عن أحواله، أو عن السبب في اعتقاله.

وربما كان محمد سيظل في تلك الزنزانة لولا أن عائلته تعرف المحافظ شخصياً، وطلبت مساعدته. ووفقاً لمحمد، شرع المحافظ في تفتيش مواقع الاعتقال حتى تم العثور عليه وإطلاق سراحه.

كان لعدنان الجفري فهم فجّ ومرعب إلى حد لا يصدَّق حول التزامات الدولة الخاصة بحقوق الإنسان، آخذين في الحسبان أنه كان قد درّس القانون ذات مرة في الجامعة، وعمل سابقاً وزيراً للعدل. وبعد محاضرة قصيرة عن الأوضاع الاقتصادية لجنوب اليمن وأزمته الاجتماعية، أكد أنه «قبل الحقوق، يحتاج الناس أن يأكلوا». ومضى إلى القول إنّ ثمة القليل من الوقت الذي يملكه الناس للحقوق الإنسانية. وأضاف: «ربما تسمعون عن الدستور والقوانين هناك في صنعاء. أما هنا، فلدينا الفقر».

وقال إنه ليس لمنظمة هيومن رايتس ووتش شأن بتشجيع الانفصاليين، دافعة باليمن إلى طريق التفكك، مثل الصومال. وأضاف: «تخرج زوجة أو ابن من البيت ولا يعودان. تخيلا كيف تشعر العائلة. إن الأمن العام هو أكثر أهمية من الحقوق، والحقوق السياسية سوف تتبع الازدهار والأمن».

أكدنا عدم إمكانية تحقق الأمن من دون حقوق، واستشهدت برواية محمد عن خطفه واختفائه قبل بضعة شهور فحسب، على يد الدولة. كان محمد ممتناً لتدخل المحافظ، لكن ماذا عن آخرين ممن اختفوا دون أن يخلفوا أثراً تقريباً، والذين لا تستطيع عائلاتهم الاستعانة بخدمات المحافظ ليعمل نيابة عنها؟ فقال: «لقد تجولت في كل السجون. وأنا أقوم بإطلاق سراح الجميع. هناك اثنان أو ثلاثة أشخاص ما زالوا في السجن، وهم هناك لأسباب وجيهة». وقد تم ترحيل بعضهم إلى صنعاء العاصمة، كما قال. وأضاف: «من الصعب عليّ إطلاق سراحهم هناك».

ربما كان حسين عقيل، 52 عاماً، في ذهن المحافظ عندئذ، وهو الرجل الذي يدرّس الاقتصاد والجغرافيا في جامعة عدن. ولم يكن عقل قد اعتُقل بسبب التظاهر، وإنما بسبب كتاباته المنتقدة لما وصفه بأنه «فساد رسمي». وهو الآن قيد المحاكمة في صنعاء بتهم «نشر شائعات كاذبة» و«زرع بذور الصراع». وأحد الأدلة المستخدمة ضده في القضية، سلسلسة من الأسئلة التي وضعها لطلبته، والتي يطلب إليهم فيها التعرف في خريطة إلى مواقع إنتاج البترول اليمني الخام، التي يصادف أنها تقع جميعاً في الجزء الجنوبي من البلاد. ولعل من أحد أسباب الشكوى الرئيسية، كما يقول الجنوبيون، هو إخفاق الحكومة المركزية في تخصيص موارد للجنوب تتناسب مع الدخل الذي تجلبه المنطقة للموازنة المركزية.

خلال إقامتنا القصيرة في عدن، سمعنا عدداً غير قليل من ناشطي المعارضة يتحدثون عن الحاجة إلى «الانفصال». وفي صنعاء، يقول الكثير من اليمنيين إن البطالة الهائلة والوجوه الأخرى للأزمة الاقتصادية ليست سائدة في الجنوب أكثر مما هي في الكثير من بقية أنحاء البلاد. لكن ردة فعل الحكومة على المنتقدين الجنوبيين، المتمثلة في حبسهم، وإغلاق منافذ الإعلام، واستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، لا تفعل سوى زيادة الأمور سوءاً بكل وضوح.

رسالة من عدن
 
01-Jan-2010
 
العدد 7