العدد 7 - العالم
 

خيّم شبح اتفاقية كيوتو على محادثات مكوكيّة مشحونة هدفها «إنقاذ كوكب الأرض» احتضنتها العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، وشهدت مشاركة لأطراف «النزاع المناخي» الثلاثة الولايات المتحدة، الصين والهند.

أسبوعان من التشاور والاجتماعات بين ممثلين عن 100 دولة من بينها دول مؤلفة من جزر صغيرة والدول الأقل نموّاً وأكثرها في إفريقيا، اختتما باتفاقية «هشّة» و«معوّمة» قادتها الولايات المتحدة الأميركية، ومثّلت «صدمة» لعديد المشاركين ودعاة حماية البيئة الذين تلقى كثير منهم الضرب في مظاهرات هزّت هدوء العاصمة الدنماركية «الباردة».

القضية الأساسية التي تصدرت أولويات القمة هي «تقاسم الأعباء» بين الدول لتفادي مصير بروتوكول كيوتو، والتمكن من خفض انبعاثات الغازات الدفيئة نحو 80 في المئة في حلول 2050، بالمقارنة بالمستويات التى كانت عليها العام 1992، للحدّ من مخاطر ظاهرة الاحتباس الحراري، بخاصة أنّ الدول النامية تعلم جيداً أن التّصدّي لهذه الظاهرة يحتاج بلايين الدولارات التي تعجز عن توفيرها.

الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وقف في وقت غير عادي، نحو منتصف الليل بتوقيت كوبنهاغن، ليعلن أنّ المباحثات بين قادة الدول حول مشروع وثيقة للتّصدّي للاحتباس الحراري تشهد «الكثير من التوتّر»، ولكن مع «بعض الحلحلة».

وأضاف ساركوزي إثر مشاورات «اللحظة الأخيرة» ضمن مجموعة ضمّت ثلاثين من قادة الدول، بينهم الرئيس الأميركي باراك أوباما، أن «أوروبا موحدة تماماً، وإفريقيا تدعم مواقفنا، ومواقف الولايات المتحدة قريبة من مواقفنا».

اجتماعات القمّة كانت وصلت إلى طريق مسدودة، إلا أنّ قادة الدول الرئيسية في العالم عملوا طوال اليوم الأخير للتوصّل إلى حلّ في الساعات الأخيرة.

وظهرت بعض تفاصيل هذا الاتفاق عقب اجتماع ضم الرئيس أوباما ورئيس الوزراء الصيني وين جياباو، ورئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ، ورئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما.

الرئيس الأميركي أنهى مأزقاً تمثّل في انتهاء المفاوضات من دون نتيجة تُذكر، وشدّد على أنه ما زال يتعين على العالم الذهاب إلى مدى أبعد في مكافحة ارتفاع درجة حرارة الأرض.

جميع الأطراف أقرّت أنّ الاتفاق ناقص، ذلك أنه لم يلامس الطموحات التي توقّعتها الأمم المتحدة من المحادثات التي جرت خلال الفترة 7-11 كانون الأول/ديسمبر. لكن هذه الأطراف أبقت على «النغمة الدبلوماسية» عندما قالت إنها نقطة بداية لجهود دولية منسقة لتفادي التأثيرات المفجعة للتغير المناخي.

أوباما، وبعد محادثات مع رئيس الوزراء الهندي ورئيس جنوب إفريقيا أدت إلى هذا الانفراج، قال: «هذا التقدّم لم يأت بسهولة. ونعرف أنّ هذا التقدم وحده غير كاف.. قطعنا شوطاً طويلاً، ولكنّ علينا الذهاب إلى مدى أبعد».

بعد كشف تفاصيل قليلة عن الصعوبات التي واجهت محادثات المناخ، مهّد الرئيس الفرنسي فيها للإعلان عن «الاتفاقية الضحلة»، كشف ساركوزي عن أنّ الاتفاقية تضمّ بندين رئيسيين هما تحديد سقف ارتفاع حرارة الأرض بدرجتين مئويتين، وخطط لتقديم مساعدات جديدة للدول النامية بقيمة عشرة بلايين دولار سنوياً من 2010 إلى 2012 ترتفع إلى 100 بليون دولار سنوياً ابتداءً من العام 2020.

يُظهر نصّ الاتفاقية غياب أهداف ملزمة لخفض انبعاث الغازات بالنسبة للدول الصناعية، لكنها تتضمن التزامات لدول بعينها أُدرجت أسماؤها في ملحق بالاتفاقية.

فشل متوقَّع

الاتفاقية «الضحلة» التي أعلن عنها في نهاية المؤتمر الذي حضرة 130 رئيس دولة ضمن وفود تضم ما يزيد عن 15 ألف مسؤول ودبلوماسي ومستشار وصحفي، جاءت وكأنما لتحقيق نبوءات الكثيرين الذين لم يتوقّعوا أن يخرج «هوبنهاغن»، من hope، أي أمل، باتفاقية تنقذ كوكب الأرض وتحمي آخرين من التشرد.

خبير علم النفس الاجتماعى هيرالد فلتزر، صاحب كتاب حروب المناخ استعان بمقولة للشاعر الألماني هاينر موللر تقول إنّ «التفاؤل جهل»، ليوضّح أنّ القمة لن تحقق الكثير،

فلتزر أوضح أنّ المفاوضات التي ستجرى حول المناخ في كوبنهاغن ذات «أهمية رمزية» لأنها ستتناول مواقف كلٍّ من الصين والهند وأوروبا والولايات المتحدة من مسألة تقليص نسبة انبعاث ثاني أكسيد الكربون في العالم، وستنتهي من دون أن يتمّ التوصل إلى معاهدة دولية جديدة حول المناخ تحلّ محلّ بروتوكول كيوتو.

وفي استطلاع للرأي أجرته صحيفة غارديان البريطانية، توقع تسعة من كل 10 من خبراء المناخ أن الجهود السياسية المبذولة للتصدى لظاهرة الاحتباس الحراري لن تنجح.

«المرحومة» كيوتو

لم يتمكّن القادة المجتمعون من الخروج باتفاقية تضاهي اتفاقية كيويو التي ينتهي العمل بها في 2012، في وقت ما زال الخلاف «الأزلي» بين الدول «المتقدمة» و«النامية» يخيّم على المحادثات التي وجدت إفريقيا نفسها فيها مظلومة، وتصرّ الدول المتقدمة على أنها هي المظلومة، فيما تمتعت الدول النامية بـ«معاملة مناخية» أقلّ صرامة، رغم المعرفة المتوفّرة لدى الجميع أنّ الصين والولايات المتحدة تتصدران دول العالم في انبعاثات الغازات التي تؤدّي لظاهرة الاحتباس الحراري.

إفريقيا خرجت من القمة احتجاجاً على «نسيانها» وعدم إعطاء دولها الاهتمام الكافي. وبعد إعلان الاتفاقية قال الموفد السوداني «المفوّه» لومومبا ستانيسلاس ديا بينج الذي تترأس بلاده مجموعة 77 (130 بلداً نامياً) ويمثل هذه المجموعة في مؤتمر المناخ في كوبنهاغن، إنّ الاتفاق الذي تم التوصّل إليه في العاصمة الدنماركية هو الأسوأ في التاريخ.

بوليفيا جارة أميركا، عبّرت أيضاً عن معارضتها التامة للاتفاقية، متهمة رئيس الوزراء الدنماركي لارس لوكي راسموسين، رئيس المؤتمر، بأنه يقف عقبة أمام الديمقراطية والشفافية.

وبينما كان كيوتو أكثر قوّة وتحديداً وتفصيلاً، فإنّ الاتفاق الجديد خلا من تحديد دول معينة، وظلَّ عاماً وبعيداً عن اتهام دول بعينها بالمسؤولية عن تدهور كوكب الأرض.

ورغم اتفاق الفرقاء على اتفاقية هشّة، فإنّ كثيرين تذكّروا أن بروتوكول كيوتو خلا من هذا الاتفاق الضروري لتنفيذه الفعال. الدول النامية والأقل نمواً نظرت بعين الرضا والارتياح إلى بروتوكول كيوتو نظراً لقلة الالتزامات التي ألقاها على عاتقها في مجال حماية البيئة ومكافحة التلوّث المناخي وصيانة الغلاف الجوى للكرة الأرضية. الدول النامية والأقل نمواً كانت تخشى من أنّ أيّ التزامات تفرض عليها في مجال حماية البيئة سوف تحد من قدراتها وحرية حركتها على تنفيذ مشروعات التنمية، بخاصة في هذه المرحلة المبكرة من مراحل النمو، يضاف إلى ذلك أنّ الدول النامية والأقل نمواً قالت إنّه لا شأن لها بما يخص ظاهرة انبعاثات الغازات الدفيئة، ذلك أن هذه الظاهرة حدثت بفعل درجات التصنيع المتقدمة التي وصلت إليها الدول المتقدمة، بخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. بل إن الدول النامية والأقل نمواً ترى نفسها ضحية سياسات التصنيع الخاطئة التي اتبعتها الدول المتقدمة، وعرّضتها لمصير مشؤوم في حالة ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية؛ إذ لا تملك الموارد المالية والتقنية التي تعينها على مواجهة سلبيات هذه الظاهرة.

على عكس ذلك، رأت الولايات المتحدة التي لم توقّع على كيوتو أنّ البروتوكول ظالم لها، وغير محقّق لمصالحها. واستندت في ذلك إلى وجود دول وإن كانت نامية في الوقت الحالي، إلا أنها ليست كذلك في المستقبل القريب بخاصه الصين والهند، حيث ستتحول هذه الدول لتصبح من بين الدول المسؤولة عن ظاهرة انبعاثات الغازات الدفيئة؛ فهي تنفذ برامج ضخمة للتصنيع من دون أن تقدم أيّ التزامات في مجال تخفيض الانبعاثات.

الإدارة الأميركية التي تزعمها آنذاك الرئيس جورج بوش الابن رأت أنّ الاتفاق لن يحقق الهدف منه ما دامت هذه القوى الاقتصادية الجديدة خارج نطاق الالتزامات؛ فما تفعله دول الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من تخفيض لانبعاثات الغازات الدفيئة سوف تبدده جهود الصين والهند في مجالات التنمية الصناعية.

خيبة أمل

منظمة «أصدقاء الأرض» غير الحكومية، قالت إنّ اتفاق كوبنهاغن يمثّل «كارثة على الدول الأكثر فقراً». وقال رئيس المنظمة نمو باساي في بيان «لقد أحبطنا من عجز الدول الغنية عن الالتزام بتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة الذي تعرف أنه ضروري، بخاصة الولايات المتحدة التي هي، تاريخياً، أوّل باعث عالمي لهذه الغازات».

في السياق نفسه، انتقد دعاة الحفاظ على البيئة اتفاق الحد الأدنى الذي توصل إليه الوسطاء الدوليون بهدف إبطاء ظاهرة الاحتباس الحراري، حيث قام نشطاء بحلق شعر رؤوسهم بسبب خيبة الأمل التي أصيبوا بها.

منظمة السلام الأخضر، أكّدت في بيان صدر بعد اتفاق اللحظة الأخيرة، أنّ المفاوضات التي أجريت تحت رعاية الأمم المتحدة فاشلة، ولم تتمكّن من التوصّل إلى اتفاق يقترب حتى مما هو ضروري للسيطرة على تغير المناخ.

تضارب مصالح

تقرير للبنك الدولي نشر في تشرين الأول/أكتوبر 2009، ذكر أنّ الاحتباس الحراري يكلّف الدول النامية سنوياً بين 75 و100 بليون دولار من أجل معالجة عواقبه بين العامين 2010 و2050. وقال كبير اقتصاديي البنك الدولي جاستن لين إن الدول النامية ستتكبد قرابة 75 إلى 80 في المئة من الأضرار الناجمة عن التغيرات المناخية، رغم أنها لم تسهم بأكثر من ثلث الانبعاثات الإجمالية من غازات الدفيئة العالمية.

وخلافاً لإدارة جورج بوش السابقة التى تجاهلت مخاطر ظاهرة التغير المناخي، رغم أنّ الولايات المتحدة من أكبر الدول الملوثة للبيئة، جعل الرئيس الأميركي باراك أوباما مسألة التوصّل إلى قانون حول المناخ أحد أولوياته التشريعية الكبرى، لكنّ التصويت على مشروع قانون حول المناخ بهدف تقليل نسبة انبعاث الغازات الدفيئة لم يتم قبل القمة، ما قلل من أهمية مشاركة الولايات المتحدة التي يريد ديمقراطيوها المحافظة على الأرض، فيما يبتغي جمهوريوها خلق فرص عمل من دون الانتباه للعواقب البيئية لذلك.

بحسب صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، يصف الجمهوريون القانون بأنه «الضريبة الوطنية الجديدة التى يفرضها الديمقراطيون على الطاقة»، ويرون أنه سيؤدي أيضاً إلى فرض قيود على الصناعة تسهم في ارتفاع أسعار الطاقة، وهو ما يضرّ بالاقتصاد الأميركي.

لكنّ أوباما ونظيره الصيني هو جنتاو كانا تعهدا بدفع مفاوضات المناخ مع مختلف دول العالم إلى الأمام، والعمل على إنجاح المفاوضات في كوبنهاغن. كما تعهّد هو جينتاو بخفض انبعاثات ثانى أكسيد الكربون في بلاده «بنسبة كبيرة» في حلول 2020 مقارنة مع مستوياتها العام 2005. كما تعهّدت الصين واليابان وكوريا الجنوبية «بالعمل معاً وبشكل وثيق» حتى تتكلل القمة بالنجاح، ووقعت الهند والصين اتفاق تعاون لإيجاد سبل لمكافحة تغير المناخ.

رغم ذلك رفضت الصين، وهي من أبرز الدول المنتجة لملوّثات الهواء في العالم، أي تقييد في مجال خفض انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، كما طالبت البلدان الصناعية بتقديم مساعدة مالية للبلدان النامية في هذا المجال.

الولايات المتحدة ومعها دول أخرى، بخاصة اليابان وكندا وأستراليا، تريد طي صفحة كيوتو والتوصل إلى اتفاق جديد، لكنّ مفاوضين يخشون أن ينطوي الاتفاق الجديد الذي تقترحه الولايات المتحدة على مرونة كبيرة جداً، ولا يسمح تالياً بلجم ارتفاع درجات حرارة الأرض.

الاتحاد الأوروبي الذي يتمسّك بمكتسبات اتفاقية كيوتو، عبّر في غير مناسبة عن خشيته من فشل قمة كوبنهاغن، بخاصة أنّ ضغط الشعوب الأوروبية على حكوماتها المتمسكة بالدبلوماسية لم يدع للمبعوثين الأوروبيين سوى العودة إلى بلادهم مظفرين، ولو باتفاق «ينقذ ماء الوجه».

«كوبنهاغن» على خطى «كيوتو»: لا جديد تحت الشمس
 
01-Jan-2010
 
العدد 7