العدد 7 - اقتصادي
 

قرّر مجلس إدارة مصفاة البترول الأردنية في اجتماع عقده، الأحد 27 كانون الأول/ ديسمبر 2009، برئاسة رئيس مجلس الإدارة عادل القضاة، إنهاء عقد المدير العام أحمد الرفاعي، وعدم التجديد له، وتعيين نائبه عبد الكريم العلاوين مديراً بالوكالة إلى حين تعيين مدير جديد.

بحسب عضو مجلس الإدارة عبد الرحيم البقاعي، فإن المجلس صوّت بأغلبية ثمانية أعضاء لمصلحة عدم التجديد، وصوّت ثلاثة ضد القرار، فيما تغيّب اثنان عن الجلسة هما نقيب المهندسين وائل السقا، وممثل البنك الإسلامي للتنمية/جدّة، جمال صلاح.

مؤيدو القرار هم: عادل القضاة، واصف عازر، نبيه سلامة، ناصر المدادحة، محمد الداود، محمد البندقجي، محمد العلان، وليد عصفور. في حين عارضه: عبد الرحيم البقاعي وممثلا مؤسسة الضمان الاجتماعي عمر الكردي وناصر الشريدة.

المناهضون لقرار تنحية الرفاعي، يرون أن خبرة الرجل، ومعرفته بتفاصيل أحوال الشركة، ضروريتان في هذه المرحلة التي يتم السعي فيها إلى تنفيذ مشروع توسعة المصفاة، لذلك، فإن قرار إنهاء عقده، يتسبب بـ«عدمَ استقرار إداري» ليس مناسباً في مرحلة حسّاسة كالتي تمرّ بها المصفاة، على حدّ تعبير ممثل صندوق تقاعد نقابة المهندسين وائل السقّا، الذي صرح

لـ ے بأنه تغيّب عن الجلسة بسبب مرافقته قافلةَ «شريان الحياة 3»، وأكد أنه لو حضر كان سيصوّت ضد القرار.

القرار جاء وسط خلافات حادّة عصفت بمجلس الإدارة في ظل أجواء مشروع التوسعة، حيث انقسم أعضاء المجلس إلى فريقين؛ مؤيد للمشروع ومعارض له، قاد الأولَ رئيسُ مجلس الإدارة عادل القضاة، فيما قاد الآخر المدير العام أحمد الرفاعي.

منذ اليوم الأول لتسلّم رئيس الوزراء سمير الرفاعي مهامه، صدرت مجموعة من القرارات التي تعكس رغبة الرئيس الجديد في ترسيخ الشفافية في العمل. الخطوة الأولى تمثلت بانسحابه من إدارة مجموعة من الشركات التي كان يديرها، تلا ذلك إصدار مدونة السلوك المتعلقة بالوزراء، ثمّ انسحاب شركة الأردن دبي كابيتال من بعض العطاءات، مثل مشروع توسعة المصفاة، ومشروع الكمشة لإنتاج طاقة الرياح الذي سعت للحصول عليه في عهد الرفاعي قبل أن يتبوأ رئاسة الحكومة. ضعف فرصة الشركة في الحصول على توسعة المصفاة، بحسب ما أكدته مصادر لـ ے طلبت عدم الكشف عن هويتها، لا يقلّل من أهمية انسحاب الأردن دبي كابيتال من المشروع. كما أن إعادة النظر في إجراءات التوسعة، ترسل إشارة قوية للرأي العام بنيّة الحكومة الجديدة وضع المشروع في الطريق الصحيحة تمهيداً لاستكماله.

الملف الذي جاء جاهزاً من الديوان الملكي، وتبنّته الحكومة في أول جلسة لمجلس الوزراء، يعدّ مؤشراً مهماً على آلية عمل حكومة الرفاعي على صعيد العلاقة مع الديوان الملكي، وعلى صعيد آخر هو توقُّع مزيد من الشفافية في المستقبل.

قصة التوسعة بدأت مع انتهاء امتياز مصفاة البترول قبل نحو عامين، مرّت خلالها العملية بالكثير من التفاصيل عطّلت تنفيذ المشروع الذي يعدّ واحداً من المشاريع الكبرى في المملكة. وقد بدا أن المشروع لم يكن شفافاً، وتم إخفاء اسم الشريك الذي سيتولى مشروعاً إستراتيجياً يشكّل لبنة من لبنات أمن الطاقة الذي ستعتمد عليه البلاد في توفير المشتقات النفطية مستقبلاً.

الغموض الذي لفّ مسألة الشريك في البداية، لم يقتصر على الإعلام والأفراد، بل طال أعضاء في مجلس إدارة المصفاة، لم يتمكنوا من معرفة جنسية الشريك ولا أي معلومات عنه أو منه، بحسب مصدر في المصفاة رغب في عدم نشر اسمه.

الصمت حيال ما جري في مشروع التوسعة كان له أثمان كثيرة؛ الأول دفعه المساهمون في الشركة إثر الهزّات التي تعرض لها سهم شركتهم الذي انخفضت قيمته إلى النصف تقريباً؛ والثاني ثمن باهظ سيدفعه الاقتصاد في حال الاكتشاف بعد فوات الأوان أن الشريك لم يكن أهلاً لهذا المشروع الضخم البالغة تكلفته 1.2 بليون دينار، بحسب المصدر نفسه.

تلكؤ الحكومة السابقة في مشروع التوسعة تسبّب بخروج جميع الراغبين من المشروع، بسبب «ضبابية الصورة، وعدم اتضاح شروط المشروع»، بخاصة ما يتعلق بمدة الامتياز، ما أدى إلى خلو الساحة إلا من مستثمر واحد بقي اسمه سرّاً إلى أن تمكنتْ صحيفة الغد من الكشف عن أن رجل الأعمال الأردني خالد شاهين هو من يقف خلف المشروع، وهو الذي تقدم له من خلال ائتلاف إنفرا مينا.

ويضمّ الائتلاف شركة Tichnip المتخصصة في تصميم المصافي، وkBC الإنجليزية،

وWorley Parsons كشريكين فنيين، ودوتشيه بنك كمستشار مالي، وAllen& Overy، وSquire sanders Dempsey كمستشارين قانونيين.

ومع اقتراب إنفرا مينا من الظفر بالمشروع، قاد حراك إعلامي ونيابي حول الشريك ومدة الامتياز، حكومة الذهبي إلى إعادة فتح الباب إلى التقدم للمشروع، فتقدمت تسع شركات برسائل اهتمام للفوز بمشروع توسعة مصفاة البترول، يتوقع أن تبتّ المصفاة بأمرها قبل كانون الثاني/ يناير 2010.

الشركات التي تقدمت هي إنفرا مينا، سيتاديل، المستقبل، جن أويل، دبي كابيتال، شركة نور الكويتية، شركة ميتسوي، إضافة إلى شركة لينفت.

كان من بين المتقدمين شركات تتقدّم للمرة الأولى للمشروع، منها شركة جن أويل ومقرها تكساس، ونور الكويتية، ودبي كابيتال، وميتسوي، وليفنت.

«هدف حكومة نادر الذهبي من إعادة فتح باب التقدم للمشروع هو ترسيخ الشفافية في هذا المشروع، والحصول على أفضل عرض من بين الشركات المتقدمة لتنفيذ هذا المشروع الإستراتيجي»، بحسب وزير سابق في حكومة الذهبي.

مشروع التوسعة الرابع لمصفاة البترول تكلفته 1.2 بليون دينار، ويهدف إلى رفع الطاقة الإنتاجية للشركة، وتحسين مواصفات المنتجات البترولية لتكون صديقةً للبيئة، إذ سترتفع طاقة التكرير في المصفاة لتصل إلى 17.5 ألف طن يومياً. إذ الطاقة الحالية 14 ألف طناً يومياً، تشمل 4 آلاف طن طاقة الوحدات الإنتاجية القديمة التي سيتم إيقافها عند الانتهاء من المشروع الجديد.

من القضايا الشائكة التي أثير حولها جدل طويل، تلك الشروط المتعلقة بتفاصيل اتفاقية الامتياز التي ستمنح حصرية لمدة 15 عاماً، وتستفرد فيها الشركة الفائزة بعطاء التوسعة بالسوق، وتهيمن بموجبها على إدارة ملف استيراد النفط وتكريره وتسويقه محلياً، ما يغيّب المنافسة تماماً، ويجعل شريك التوسعة اللاعب الوحيد في السوق.

ما يهمّ في منح الامتياز، هو حجم الاستفادة التي يجنيها الاقتصاد والخزينة من هذا المشروع الضخم، بخاصة ما يتعلق برسوم الحصرية التي تؤكد المصادر المطلعة أنها «غير موجودة وغير مثبتة».

رسوم الامتياز ليس أمراً جديداً على الأردن وعلى الاقتصاد الوطني، بل هو نهج اتُّبع في كثير من المشاريع والقطاعات، حيث فُرض أكثر من مرة على مشاريع ذات علاقة بقطاع الاتصالات، فمثلاً عندما حصلت «زين» على امتياز العمل وحدها في السوق، دفعت رسوم ترخيص أولي بلغت 6 مليون دينار.

اليوم، يقف مشروع التوسعة على أعتاب مرحلة جديدة، يعتمد اتجاهها على نتائج التقييم الذي تجريه حكومة الرفاعي لإجراءات حكومة الذهبي، إذ تشير البوصلة إلى أن الهدف من إعادة التقييم هو منح فرص متكافئة لكل من يرغب في المساهمة بالمشروع، شرط أن يكون مؤهلاً وقادراً على إدارة هذا المشروع الضخم، وتوفير التمويل اللازم له.

مشاريع أخرى كثيرة في حاجة إلى مراجعة، بخاصة أن نتائجها تقلّل من تنافسية الاقتصاد وتقدم نتائج سلبية عليه، ومنها مشروع توسعة مطار الملكة علياء الدولي.

بما يخص المطار وتلزيمه للائتلاف الذي قادته الشركة الفرنسية، فإن ما حدث عُدَّ سوءاً في إدارة الملف، فمن حيث المبدأ تم اختيار التصاميم ذات التكلفة الأكثر ارتفاعاً، رغم التوصيات التي وردت من جهات عدة، منها مؤسسة التمويل الدولية التي نصحت بعدم أخذ تلك المخططات، نظراً إلى تكلفتها المرتفعة وتدني العائد المتوقع على الاستثمار من هذا النوع.

تكلفة المشروع قُدّرتْ بحوالي 660 مليون دينار، وكان يمكن أن يُنفذ بتكلفة أقل من ذلك بكثير، وفقاً لآراء خبراء اقتصاد أردنيين في حينه.

التكلفة المرتفعة ستنعكس على تكلفة التشغيل لاحقاً، بالنظر إلى طبيعة المشروع القائم على نظام «البناء-التشغيل –التحويل»، وبالتالي فإن الخدمة ستكون مرتفعة على الزبائن الذين سيضطرّ الائتلاف الفائز بالعطاء إلى تحصيل تلك التكلفة منهم خلال فترة محددة.

من المآخذ على المشروع أيضاً، أنه لم يتم إشراك الهيئة التنفيذية للتخاصّية فيه، رغم أنها الجهة التي يُفترض أن تكون قائمة على موضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بحسب تقرير صادر عن المؤسسة الدولية للتمويل I F C.

الصيغة التي تم التوصل إليها أثناء المفاوضات، قامت على اتفاقية التشارك في العوائد بين الشركة الفرنسية والحكومة، وهي صيغة تضمن توفير نحو 45 في المئة من العائد إلى خزينة الدولة، والبقية تذهب إلى المشغّل على مدى 25 عاماً مقبلة.

الاتفاقية، ورغم أنها تبدو عادلة بالنسبة إلى لحكومة من حيث العوائد المتوقَّع تحقيقيها، بخاصة ما يتعلق بالحصة من إجمالي الدخل، إلا أن المشغّل حصل على حق رفع تكلفة الخدمات بما يتوافق ومعدلات التضخم السنوية، ما يعني استمرار ارتفاع التكلفة على مدى سنوات المشروع.

حال تنفيذ هذا البند من الاتفاقية، وهو الأمر المرجَّح، فإن هذا يهدد تنافسية المطار الأردني مقارنة مع بقية مطارات المنطقة التي تحظى بدعم من حكومات تلك الدول، ما سيحدّ من قدرة الناقل الوطني «الملكية الأردنية» على المنافسة مع بقية الشركات التي ستدفع بدل خدمات أقل في مطاراتها بالنسبة لما سيتم دفعه في الأردن.

في حال تراجع حركة النقل من المطار الأردني، فإن هناك حداً أدنى تلتزم به الحكومة تجاه الشركة المشغّلة، وهذا الحد الأدنى سيتم تحقيقه، لكن التساؤل هو: هل سيتم تحقيق رقم 12 مليون مسافر عبر مطار عمان في حلول 2030 كما هو مأمول في ظل تراجع تنافسية المطار والناقل الوطني، في وقت يعدّ فيه رفع نسبة بدل الخدمات في المطار مؤخراً مقدمة لما يمكن أن تشهده الأنشطة والخدمات في المستقبل؟

الاتفاقية تمّت، فهل كان بالإمكان العمل على مشروع بتكلفة أقل لتحقيق الأهداف نفسها؟ وهل بالإمكان تعديل نصوص الاتفاقية، أو التهرب من بعض استحقاقاتها؟

سؤالان مطروحان أمام الحكومة الجديدة التي ينبغي لها أن تتعامل مع الكثير من الملفات، بخاصة المشاريع الكبرى التي تتضمن قيوداً واستحقاقات مالية من الصعب تلافي آثارها.

في اتهام ضمني لسابقتها حكومة الرفاعي تعيد النظر في إجراءات توسعة المصفاة
 
01-Jan-2010
 
العدد 7