العدد 7 - شأن اقتصادي
 

يعدّ الاقتصاد الأردني نمطاً مثالياً لاقتصاد صغير مفتوح، تميزه سمتان: شح الموارد، وصغر حجم السوق، كما يمكن عدّه اقتصاداً سياسياً بامتياز، وذلك لحساسيته العالية تجاه الأحداث الإقليمية والدولية، واعتماده على المنح والمساعدات الخارجية.

ورغم الأزمات الكثيرة التي عصفت بمنطقة الشرق الأوسط، وتأثيراتها السلبية في أكثر الأحيان في الاقتصاد الوطني، إلا أنه استطاع تجاوز الآثار السلبية لمعظم هذه الأزمات، وتحقيق إنجازات طيبة، خلال السنوات العشر الأخيرة بخاصة. ويظهر ذلك بجلاء في نمو الناتج المحلي، ومعدل دخل الفرد، وظهور قطاعات جديدة نشطت في الإسهام إيجابياً في اقتصادنا الوطني، مثل قطاع تكنولوجيا المعلومات.

وخلال مسيرته منذ الاستقلال حتى يومنا هذا، ورغم ما تحقق من إنجازات، بقي الاقتصاد الوطني محكوماً بأعراض مزمنة، أهمها عجز الموازنة، وعجز الميزان التجاري، والاعتماد على المساعدات الخارجية، والمديونية المرتفعة.

وربما تكون السياسات الاقتصادية التي تم تبنيها على مدى عقود، قد أسهمت في تخفيف بعض الآثار الجانبية لهذه الأعراض، إلا أنها لم تفلح في علاجها بشكل تام.

وتفاقمت هذه الأعراض مؤخراً بعد وصول رياح الأزمة المالية العالمية إلينا، ودخول الاقتصاد الوطني مرحلة جديدة من التباطؤ. ومع أننا شهدنا مثل هذا التباطؤ سابقاً، إلا أن المرحلة الحالية تتميز بخطورتها بسبب انحسار المساعدات الخارجية، العربية منها بخاصّة، وارتفاع عجز الموازنة إلى رقم غير مسبوق يقدَّر بـ1.2 بليون دينار، يشكل حوالي 8 في المئة من الناتج المحلي، وارتفاع المديونية الداخلية إلى مستوى قياسي، حيث لامست حاجز عشرة بلايين دولار. وإذا ما أضيف إلى ذلك مقدار المديونية الخارجية (نحو 5 بليون دولار)، وتراجع الاستثمارات الخارجية والصادرات الوطنية، فإننا في وضع صعب وأمام تحدٍّ كبير، وغدا المشكل الاقتصادي همّاً يشغل بال صانع القرار كما يُقلق المواطن، لانعكاس ذلك على مستوى معيشة الفرد، وتدنّي إمكانية إيجاد فرص عمل جديدة.

تبيّن المعلومات الرسمية أن الأردن حصل على مساعدات خارجية زادت قليلاً على 700 مليون دولار العام 2008، و786 مليون دولار العام 2009 (ملتزَم بها).

لكن يبدو أنّ المساعدات العربية تحديداً قد جفّت، كما أنّ فوائض النفط التي وصلنا جزء منها على شكل استثمارات في قطاعات مختلفة وأسهمت في نمو الاقتصاد، لم تعد متاحة. وإذ يتزامن تراجع الإيرادات الحكومية مع انخفاض المساعدات الخارجية واستمرار تباطؤ الاقتصاد، فإن معدل النمو الاقتصادي العام 2010 سيكون متواضعاً، ومع أن صندوق النقد الدولي قدَّر مؤخراً نسبة النمو بـ 4 في المئة، إلا أن ذلك قد يكون تقديراً متفائلاً.

يتساءل العديد من المتهمين بالشأن الاقتصادي: ما العمل، وماذا يمكن للحكومة الجديدة أن تفعل؟ وقبل الإجابة بشكل مباشر عن هذه التساؤلات، لا بدّ من الإقرار بأنّ أخطاء جسيمة قد ارتُكبت في الماضي، أهمّها التوسع في الإنفاق العام دون دراسة متأنية لأثر ذلك مع نمو الاقتصاد وعجز الموازنة. كما أنّ الشراء المبكّر لديون نادي باريس بقيمة بليوني دولار من أموال التخاصّية دفعة واحدة قبل سنوات قليلة، وبخصم متواضع، كان إجراءً غير موفَّق، وكان من الحصافة إبقاء جزء من هذا المبلغ لدى الحكومة تحسّباً لظروف صعبة.

ويبدو واضحاً أنّ الإيرادات الحكومية ستنخفض العام 2010، وستكون كافية بالكاد للإنفاق الجاري، وإذا لم يتمّ الحصول على مساعدات جديدة أو استئناف المساعدات العربية، فلن يكون بإمكان الحكومة التوجه نحو إنفاق رأسمالي بهدف تنشيط النمو الاقتصادي.

ورغم ثقتي العالية بخبرات وزير المالية محمد أبو حمور، وكفاءته، إلا أنّ مهمته ستكون صعبة للغاية، وسيكون مضطراً للتشدد في الإنفاق العام ابتداءً.

وعودة إلى التساؤل حول ما يمكن فعله لتجاوز هذه التحدّيات، يمكن القول إنّ التوجه نحو الاعتماد على الذات، والاستغناء عن المساعدات والمنح الخارجية يكاد يكون أمراً مستحيلاً على المدى القريب، ولا بدّ من البدء فوراً بوضع برنامج إصلاح اقتصادي وطني مدته خمس سنوات، يكون عماده إعادة تثبيت الاستقرار المالي، وتحديد سقوف متشددة للإنفاق العام ونسبة العجز إلى الناتج المحلي، والحد من نمو حجم الموازنة، مما يعني بالضرورة تقليصاً تدريجياً لمساهمة القطاع العام في الناتج المحلي الإجمالي.

كما أنّ من العناصر الرئيسية لهذا البرنامج، الحدّ من إصدار ملاحق الموازنة، إلا في أقصى الحالات الطارئة، والحدّ من الموازنات المستقلة التي ضَعفت السيطرة عليها، وإعادة تقويم الممتلكات والأصول الحكومية وحصرها، والتخلص من ذوات العائد المتدني أو السلبي.

ويجب أن يستهدف هذا البرنامج زيادة تغطية الإيرادات للنفقات الجارية، بحيث تصل إلى 125 في المئة على الأقل في نهاية البرنامج، كما تقتضي الضرورة مراجعة المشاريع الكبرى وفق سلّم أولويات حسب أهميتها وإسهاماتها في النمو الاقتصادي.

ولا بد كذلك من مراجعة شاملة ودقيقة للمؤسسات والهيئات المستقلة التي نمت بشكل واضح، بحيث يتم إلغاء تلك التي حققت أهدافها، أو لم تعد ضرورية، ودمج المتشابه منها، وخفض نفقاتها، وغني عن القول إنّ الشق المالي في مثل هذا البرنامج لا يكتمل إلا بتنسيق وتناغم مع السياسات النقدية التي يضطلع بها البنك المركزي الأردني.

وفي جانب السياسات التجارية والاستثمارية، لا بدّ للبرنامج المقترح من أنّ يركز على سبل تنشيط الصادرات ودعمها، وخفض العجز التجاري بشكل تدريجي، ووضع حملة مكثفة مدعومة دبلوماسياً لجذب استثمارات جديدة.

لا يتسع المقام لمزيد من التفاصيل في عناصر هذا البرنامج، وأظن أن الفريق الاقتصادي في الحكومة الجديدة لن تغيب عن ذهنه هذه المقترحات وغيرها. ويمكن في نهاية مدة البرنامج وفي ضوء منجزاته، التقدم خطوات أكبر نحو تحقيق شعار الاعتماد على الذات، وأنّ كل ما سلف يقدَّم بمعزل عن أيّ تطورات سياسية إقليمية أو دولية، تلك التي لا يمكن استثناؤها أو التقليل من آثارها في اقتصادنا الوطني.

نحو تحقيق شعار الاعتماد على الذات
 
01-Jan-2010
 
العدد 7