العدد 7 - الملف
 

البحث عن إثبات الذات، ومحاولة رفد الأسرة بدخل إضافي، قادها إلى ممارسة العديد من المهن. بعضها لم تستطع الاستمرار فيه، وأخرى لم توافق نفسيتها رغم «جدواها المالية» بحسب تعبيرها.

إلا أنّ إصرار الأربعينية تحية سنقرط على النجاح، جعلها تمتهن حرفة جديدة في البلاد؛ صناعة الفخاريات والتحف من الجبس، ومن خلالها صنعت فرقاً في حياتها وحياة أسرتها.

تتمنى سنقرط أن تكون فصول السنة الأربعة صيفاً، كي تستطيع أن تجفّف في زمن قياسي ما تصنعه من قطع فخار ونثريات تشكلها من الجبس. ويربكها قدوم الشتاء، إذ يعيق عملها، كونها لا تمتلك فرناً حراريّاًً تقدّر قيمته بثمانية آلاف دينار.

الخريف تبدو غير آبهة به، أما الربيع فهو «يشغل البال»، كما تقول، «يوم ممطر، وآخر مشمس»، وتخشى فيه عدم الالتزام بتسليم التجار والموزعين طلبياتهم في المواعيد المحدّدة، ما يحمّلها شروطاً جزائية.

العام 1989، عندما كانت سنقرط تسكن في حي فقير بالزرقاء، قبل أن تنتقل إلى ماركا الشمالية، انشغلت في المتاجرة بالهدايا الصغيرة والمواد الغذائية من الرمثا «الحدود مع سورية»، في خطة تراها «جريئة وفيها مكسب مالي».

تلك البضائع دفعتها للبحث عن مكان تعرضها فيه، بعد أن نشطت تجارتها وعرفها أهل الحي، فاتفقت وسيدات صديقات على استئذان صاحب أرض فسيحة لتعرض بمساعدة ابنها محمد ما تُحضره من سلع.

ظلت سنقرط تحافظ على تواصلها المستمر مع المعارف والجيران في ترويج تلك البضائع، في محاولة لإسناد راتب زوجها العسكري، الذي ترى أنه غير كافٍ لسدّ متطلبات المعيشة، ثم قرّرت السفر إلى سورية لتلقي تعليم صناعة قوالب الفخار وملحقاتها.

مشروعها المنزلي الخاص في ماركا الشمالية، دفع بالملكة رانيا العبد الله لزيارتها والتعرّف على المشروع من قرب.

تقول سنقرط: «قبل سفري إلى سورية في بداية التسعينيات، حصلت بدعم من أهلي على آلة صناعة التريكو، أنجزت بواسطتها كثيراً من الأعمال. ابنتاي وفاء 19 عاماً، وولاء 21 عاماً، ساعدتاني في ذلك، وكنت أعرض بضاعتي في منزلي». وتضيف: «كنت أنوّع في مشغولاتي؛ شالات، ملابس صوفية، أبسطة، وأشياء أخرى جذبت كثيراً من الزبائن».

تقاطعها مها سعيد: «أتذكرين عندما اكتظَّ المنزل بالزبائن وارتبكنا لدرجة أننا لم نصدّق أننا سننجح في ذلك».

سعيد تشكو قلة التمويل لمشاريع مجْدية وأفكار إبداعية، لكنّها لا تنكر الدعم الذي تلقّتاه من صندوق التنمية والتشغيل، فقد حصلت سنقرط على ثلاثة آلاف دينار من الصندوق لبدء مشروع أعمال الجبس.

قبل ذلك القرض تقول سنقرط: «لم أكن أملك المال، واستغرقني ثلاثة أشهر للعثور على المادة التي تُصنع منها قوالب الفخار».

عدم العثور على المادة اللازمة لصناعة الفخار أصابها بالإحباط، لكنَّ إصرارها دفعها للبحث مجدداً. يُطلق على تلك المادة اسم بوستم، لكنّ الاسم الشائع لها في الأردن هو آغو حلبي. تضحك قائلة: «اختلاف الاسم أعجزني، لكنّني تعرفت عليها من رائحتها».

قرّرت سنقرط الاستدانة من صديقتها والانطلاق في مشروعها بشراء كمية من آغو حلبي كافية لصناعة ثلاثة قوالب، وشراء ثلاثة شوالات من الجبس، لتباشر التصنيع بالمنزل.

تقول: «أعتقد أنني الأولى في هذه الصناعة بالبلد، كون ما تعتمده المشاغل قوالب مصنوعة من الفايبر، أما أنا فاعتمدت الطريقة الأصلية المستخدمة لدى السوريين».

إنتاجها كان يحمله ولدها للجيران، وسط إقبال ملحوظ، بعد أن قبلت سنقرط بربح ضئيل. توضح مديرة أعمالها: «كان الوضع صعباً، لكن بعد حصولها على قرض، استطاعت صناعة 106 قوالب ذات أشكال مختلفة وجميلة». وقد شاركت في 126 بازاراً، خيرياً وتجارياً، لكنها تحزن كونها لم تمتلك فرناً حرارياً بعد.

سنقرط، التي تحمل شهادة «المترك»، فازت بجائرة سيتي غروب العالمية العام 2006، وتعدّ تلك الجائزة شهادة لتميزها كونهم اختاروها من بين آلاف المشاركين، بعد أن رشّحها الصندوق لمؤسسة نهر الأردن التي بدورها قدمت سنقرط للعالم.

تقول: «صحيح أنني كنت سعيدة بتلك الشهادة، لكن لا أستطيع أن أخفي سعاتي لحصولي على ألف دينار إضافية لدعم مشروعي».

صناعتها تتضمن 11 مرحلة، تعدّها غير سهلة، لكن بمزيد من الجهد والإصرار تنجز ما هو مطلوب منها. وبلغة الحرفيين تفصّلها: «تصنيع القالب، الصب، التجفيف، المروتشة، التغراية، التجفيف، الدهان، الجوزة، فرنيش، الكتابة، اللمسات الأخيرة وتتضمن التذهيب».

سنقرط وصديقتها سعيد ترَيان أنهما أنجزتا نصف ما تأملان به، وتؤكدان سعيهما الدائم للحصول على دعم مالي لإنشاء مصنع صغير خارج المنزل، والعمل على توسيع قاعدة التسويق لمواجهة منافسة حادة باتت تهدد صناعتهما، وهي البضائع الصينية التي تغزو السوق المحلية.

تحية سنقرط: فخار يأسر العين و«لا يكسّر بعضه»
 
01-Jan-2010
 
العدد 7