العدد 7 - الملف
 

«رجل الأمن العام ما زال في كثير من الحالات يحتاج للتدريب للتعامل مع المواطنين». هذا تصريح لم يصدر عن جهة دولية او محلية تعنى بحقوق الإنسان، إنما هو اعتراف شجاع بتقصير بعض أفراد الأمن العام وإفراطهم أحياناً باستخدام القوة مع مواطنين عبّر عنه الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام الرائد محمد الخطيب في تعليقه على صور بثت عبر موقع يوتيوب لضرب رجال أمن لـ«مواطن ذي أسبقيات»، بحسب الخطيب، في منطقة وسط البلد.

التصريحات عبّرت عن أداء مهني متقدم للخطيب، بحسب إعلاميين، وهو الأمر الذي تميّز به الناطق الإعلامي خلال تصريحات متفرقة حول حوادث مشابهة تكررت مؤخراً.

ورغم تأكيده المستمر أن «استخدام العنف من رجال الأمن لم يصبح ظاهرة»، إلا أنه أشار إلى أن «مديرية الأمن العام، تحرص كل الحرص على التعامل مع المواطنين وفق القوانين والأنظمة والتعليمات المرعية، التي تحرم التعذيب أو الضرب، سواء المبرح أم غيره».

مديرية الأمن العام في الأردن من أكثر الأجهزة الأمنية الموضوعة تحت المجهر، لكنّها نجحت في هذا الامتحان، واجتازته بانحيازها للشفافية ودقة المعلومة وتوفيرها للجميع، بخاصة الإعلام.

ورغم أن استطلاعات رأي غير علمية، وتعليقات على المواقع الإلكترونية كشفت عن عدم رضا المواطنين عن أداء المديرية، إلا أن المكتب الإعلامي فيها استطاع أن يبقى صلة وصل بين بين الأمن والمواطن والإعلام، ما بدّد كثيراً من الهواجس والمخاوف والتحفظات لدى المواطن.

كان خير من قام بهذه المهمة الناطق باسمها، إذ لم يتوان الرائد الخطيب في كثير من الحالات عن الاعتراف بحدوث خلل أو تجاوز أو خطأ من رجل الأمن، وهو دائم الترديد لعبارة: «ستتم محاسبة كل من تثبت إساءته للمواطن»، وهو ما حدث فعلاً في أكثر من حالة، فقد تم الإعلان عن تشكيل لجان تحقيق مع رجال أمن في حالات عديدة، بعضها أعلنت نتائجة، وأخرى ما زال التحقيق فيها جارياً.

مديرية الأمن العام، بحسب إعلاميين، استطاعت تحقيق طرفي معادلة بالغة الصعوبة؛ التوازن بين دور رجل الأمن، رمز السلطة في تطبيق القانون في قضايا محفوفة بالسرية والكتمان، وبين الدور الإعلامي، وما يتضمنه من بحث عن الحقيقة والتعامل معها بشفافية ومراعاة حق العامة بالاطلاع عليها.

تبديد الشكوك ومد جسور التواصل بين المواطن ورجل الأمن العام وكيف تستطيع المؤسسة الأمنية كسب ثقة المواطن بخطابها الإعلامي مهمة بالغة الصعوبة وربما لم يكتمل بناؤها حتى الآن، لكن الخطيب قطع أشواطاً مهمة في هذا المجال، واستطاع إعطاء الإعلام الأمني شكلاً ومصداقية أكثر تقبلاً من غيره من الناطقين الإعلاميين في الوزارات والمؤسسات الحكومية المختلفة.

يقول الخطيب لـ ے إنه واجه في البداية شكّ الإعلاميين المتلازم للصيغة الأمنية، ومدى اكتمالها، إذ دائماً ما يكون هناك سؤال أخير يلي أي تصريح: «هل من مزيد؟».

هذا الإرث من التشكيك بالرواية الأمنية لا يتحمله شخص بعينه بقدر ما رسخته حالات عديدة من التعتيم الإعلامي على حوادث تم كشف تفاصيلها من المحيط، وهو التحدي الذي استطاع الخطيب أن يتخطاه عبر إطلالة إعلامية يومية في مختلف وسائل الإعلام، يبث فيها المعلومة عن الحدث مهما كانت حساسيته، وبتفاصيل مقبولة.

ذكر التفاصيل لا يعني بالضرورة التفريط بالحساسية للمؤسسة الأمنية، وهي قاعدة طبقها الخطيب، الذي يعرف لدى المقربين بـ«أبو جميل»، واستطاع حفظ هذا التوازن المربك، عبر الرد السريع، ولكن المتمهل، وهو ما تفرضه طبيعة المؤسسة والملفات التي تتصدى لها.

وعلى سبيل المثال لا الحصر تصريح الناطق الخطيب في حادثة ضرب الشاب عصام ذياب، 25 عاماً، في تشرين الثاني/نوفمبر 2009 من قبل أحد رجال السير في الأمن العام، أكد الخطيب أن «الحادثة تم تسجيلها لدى المدعي العام لتأخذ مجراها القانوني، فيما تم توقيف رجل الأمن العام، الذي سيتم تحويله إلى القضاء بتهمة الإيذاء».

وهناك حادثة اعتداء مواطنين في سحاب على سائقي شاحنات سعوديين صيف 2009، ليؤكد الخطيب التفاصيل الدقيقة حول مسوؤلية الطرفين، وتقصير السفارة السعودية في تعاطيها مع الحادثة. كما أن تصريحاته بشأن أحداث حي الطفايلة جاءت واضحة وشفافة، بحيث اتفقت مختلف وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية على الأخذ بها واعتمادها لدقتها.

هذا النوع من التعامل، جعل الناطق الإعلامي لمديرية الأمن العام، على غير العادة، الملجأ للحصول على المعلومة الصادقة والسريعة والشاملة لأي واقعة تتعلق بالأمن العام وقضايا المجتمع الأمنية والمرورية ومنح «أبو جميل» لقب «صاحب الابتسامة الدائمة والوجه البشوش» عن جدارة.

خلال عامين من تقلده منصبه الحالي، عمل الخطيب بأساليب غير تقليدية لبلورة نموذج إعلامي أمني لافت، ليكون بذلك أحد الذين أحدثوا فرقاً في مسيرة الإعلام الرسمي «رغم المنغصات والمعيقات من شد عكسي يرفض التغيير»، على حد تعبير أحد المقربين والذي فضّل عدم نشر اسمه.

مقاومة التغيير عُرف بيروقراطي سائد في كل مكان، إلا أن مديرية الأمن العام، وعبر مكتبها الإعلامي، استطاعت الحدّ من تأثير هذا التيار، إدراكاً منها أن اعتماد الردود الدفاعية هو قصور عن النهوض بالعلاقة بين مؤسسات الدولة والإعلام، بحسب الخطيب الذي يضيف: «الفعل السلبي يزيد الهوة بين المواطن والشرطي، لذا عملت مديرية الأمن العام على معالجة سياستها الإعلامية للخبر والتوعية الأمنية على أساس وأد الشائعات، وتنظيم علاقة التعاون بين الأمن العام والإعلام».

يؤكد الخطيب أن هناك جهداً مشتركاً من أعضاء المكتب الإعلامي مجتمعين للخروج من الصورة النمطية في التعتيم والتضييق على الصحفي، نحو الشفافية والانفتاح، بل و«المبادرة في منح المعلومة ما دام الهدف خدمة العملية الأمنية ضمن ضوابط قانونية واجتماعية ومهنية سواء أكانت شرطية أم صحفية».

ولأنّ كل تغيير تقابله مقاومة لجأ المكتب الإعلامي في مديرية الأمن العام وعلى رأسه محمد الخطيب إلى الاحتماء بالتوجيهات الملكية في هذا السياق. يقول الخطيب: «الملك عبدالله الثاني هو من دعا إلى منح الإعلام حرية سقفها السماء، ليؤدي مسؤوليته في تقويم الأخطاء وتعزيز الإنجازات»، إضافة إلى تأكيده دعم مدير الأمن العام لإنجاح المسيرة الإعلامية الجديدة.

بعد شهور طويلة من تطبيق هذا النهج، نجح المكتب الإعلامي في مديرية الأمن العام في تغيير الصورة النمطية المفعمة بالتشكيك الدائم بالرواية الأمنية، ليصبح المكتب الإعلامي المصدر الرئيسي، وأحياناً الوحيد للمعلومة الأمنية، وليغدو المرجع الأول في البحث عن الحقائق بما يخص قضايا الأمن العام.

الرائد محمد الخطيب: بثّ المعلومة بثقة رغم حساسية المؤسسة الأمنية
 
01-Jan-2010
 
العدد 7