العدد 7 - الملف
 

في العام 2009، وصل عدد الأفلام المشاركة ضمن احتفالية «مهرجان الأردن للفيلم القصير»، إلى أكثر من 500 فيلم من دول مختلفة.

المهرجان واحد من ثمرات «تعاونية عمّان للأفلام المستقلة»، التي أشّرت على واحدة من قصص النجاح الباهرة على الساحة الأردنية.

البداية في العام 2002، حين قدم المخرج والكاتب الأردني حازم البيطار من الولايات المتحدة، حاملاً هاجس نقل الصورة الحقيقة للقضايا الإنسانية العربية عبر كاميرا ديجتال صغيرة وفيلم «مستقل» في مضمونه وفكره وإبداعه وتمويله.

البيطار، الحائز على بكالوريس في علم الحاسوب وماجستير في إدارة المؤسسات، اكتشف خلال فترة إقامته في الولايات المتحدة، وعمله في مؤسسات حقوقية، أن إنتاج فيلم مستقل كفيل بالمساهمة في كشف حقائق أي قضية «حقوقية» في العالم، وهذا ما اختبره في قضية البروفسور الفلسطيني مازن النجار الذي اعتقل في فلوريدا بتهمة الإرهاب بناء على أدلة سرية، فكان أن أنتج فيلماً وثائقياً عنه، بعدما عجزت المؤسسات الإعلامية عن كشف حقائق القضية.

بعد عمله في الأردن بضعة شهور، وجد البيطار «فراغاً سينمائياً» على مستوى السينما التجارية والمستقلة والفنية، يعيده إلى طغيان السينما التجارية الأميركية، ما يعكس «العولمة المسعورة» التي تعمل على طمس الهوية المحلية واستبدالها بأجنبية، فضلاً عن غياب دور رسمي جدّي لدعم استمرارية أي حراك سينمائي جاد.

ضمن هذا الواقع، لم يتردد البيطار بالبدء بتنظيم ورشات تدريبية مجانية حول كيفية صنع الأفلام المستقلة لمجموعة من الشبان المهتمين، كما قام بإنشاء «تعاونية عمان للأفلام المستقلة»، وإيجاد إطار لهؤلاء الشبان للتفاعل والتعلم والإنتاج.

البداية كانت بإرساله بريداً إلكترونياً يدعو فيه إلى تلك الورش المجانية، ولم يكن يعرف ماذا سيأتيه بعد ذلك، إذ كانت المحاولة بمثابة «بالون اختبار»، إلا أن المفاجأة تمثلت بإقبال كبير من الشبان على الورشات.

الورشات التي عقدها البيطار وما زال، تقدَّم بشكلين؛ عملي ونظري، وتغطي موضوعات عدة؛ كتابة النصوص، السنوغرافيا، تصميم الصوت، التمثيل وغيرها من الأمور ذات الصلة.

توفر التعاونية للطلبة معدات إنتاج من كاميرا رقمية وجهاز حاسوب وميكروفون وبرنامج مونتاج رقمي ومعدات إضاءة بسيطة مجاناً (مقابل إنتاجهم أفلاماً مستقلة).

وتقوم التعاونية بالترويج لهذه الأفلام في المهرجانات العربية والدولية، فضلاً عن تبني المواهب المتميزة، وإشراكها في عملية صنع فيلم من إخراج البيطار نفسه.

يوضح البيطار أهمية السينما المستقلة، التي جاءت جريئة في طرحها المتميز بطابع إنساني خاص وشكلت ثورة على المضمون الذي تطرحه أفلام هوليوود، بكونها «تعطي أكبر قدر من الحرية والإبداع لصانع الفيلم»، والذي عادة يقوم بدور الكاتب والمخرج والمنتج في الوقت نفسه.

أحد الأسباب الأساسية وراء نجاح تجربة السينما المستقلة في العالم بشكل عام والعالم العربي بخاصة، هو توفر كاميرات الفيديو الديجتال والإنترنت والأقراص المدمجة بأسعار معقولة، حتى بات بإمكان أي شخص إنتاج فيلم خاص به، فضلاً عن سهولة تواصل المنتجين مع المهرجانات المعنية بالأفلام القصيرة وإرسالها عبر الإنترنت.

التعاونية تعقد ثلاث ورشات سنوياً لأكثر من 60 طالباً في مناطق مختلفة من الأردن، إضافة إلى ورشات متخصصة للطلبة المتميزين. ومنذ العام 2005 بدأ البيطار بالخروج من حدود العاصمة عمان والاتجاه نحو الريف والمدن الأخرى، فعقد ورشات عدة في جرش وغور المزرعة ومخيم البقعة.

عبر الورشات العديدة التي عقدت خلال الأعوام الماضية، أنتجت التعاونية حتى الآن 60 فيلماً مستقلاً، شارك 25 فيلماً منها في مهرجانات عربية ودولية. وتعنى التعاونية دائماً بمضمون الأفلام التي تحمل توجهاً إنسانياً في الغالب، ففيلم «شرار»، مثلاً، يناقش قضية قبول الإنسان بواقعه في ظل انعدام الخيارات، أما فيلم «المشهد» فيصور الحالة النفسية التي يعيشها القناص الإسرائيلي وهو يقوم بعمله.

وتركت التعاونية للمهرجانات العربية والأجنبية أخذ دور «الحكم»، في ظل جمهور عربي ونقاد سينمائيين يعدون الأفلام القصيرة «عملاً سينمائياً منقوصاً»، ولا يحظى باهتمام كبير، بعدما طغت السينما الأميركية والمصرية والمسلسلات الدارمية على المشهد.

لكنّ التعاونية تسعى بشكل متواصل لكسر هذه «النمطية»، ولتخترق المألوف، فمنذ العام 2004 التعاونية بتنظيم «مهرجان الأردن للفيلم القصير» بجهود متواضعة، وقد جاء المهرجان «بعد محاولات لإقصاء أفلام التعاونية من العروض المحلية»، بحسب البيطار.

المهرجان توسّع تدريجياً، وفي عامه الثالث تحول إلى مهرجان عالمي تحت رعاية أكبر مهرجان للأفلام القصيرة في العالم، وهو مهرجان كلير مون فيراند الفرنسي، وبات يستقطب أفلاماً لمخرجين من مختلف أنحاء العالم.

التعاونية غيرت حياة كثير من طلبتا الذين امتهنوا صناعة الأفلام بشكل أو بآخر، فإضافة إلى نيل بعضهم جوائز، أكمل آخرون دراساتهم العليا في الخارج، ومنهم من ينتج أفلاماً وثائقية لقنوات فضائية مثل الجزيرة والعربية، وبعضهم من التحق بمؤسسات للعمل في سياق صناعة الأفلام نفسها.

يذكر البيطار أن من بين طلبة التعاونية المتميزين؛ أصيل منصور، داليا الكوري، عمر صالح، يحيى العبدالله، سهاد الخطيب، العباس سعيد، عمار قطينة.

أفلام طلبة التعاونية التي صنعت بإمكانيات بسيطة وعبر ورشات تعقد في عطلة نهاية الأسبوع، حققت نجاحات لم تحققها مؤسسات أخرى في الأردن، فقد اختارت خمسة مهرجانات عالمية معترف بها من قبل مؤسسة الأوسكار السينمائية أربعة أفلام من إنتاج التعاونية، وهي فيلم The View وفيلم «شرار» وفيلم Growing up Amman وفيلم Overdose، وجاء هذا الاختيار ضمن مقاييس عالمية أهّلت هذه الأفلام للمشاركة في العروض الرسمية لتلك المهرجانات.

سبعة أفلام من إنتاج التعاونية، فازت بجوائز عديدة، وبعضها حاز أكثر من جائزة في مهرجانات عربية ودولية، منها مهرجان الزيتون في إيران ومهرجان الفيلم العربي الفرنسي في الأردن ومهرجان تاغيت في الجزائر ومهرجان ماغما في إيطاليا ومهرجان الأردن للفيلم القصير ومهرجان أوران في الجزائر ومهرجان الشرق الأوسط الدولي، حيث حاز فيلم «المشهد» من إخراج البيطار وأحد طلبته المتميزين رفقي عساف على الجائزة الأولى، وهي أكبر جائزة ينالها فيلم عربي قصير حتى الآن، وبتحكيم لجنة دولية.

التعاونية لم تغفل عن جهود صناع الأفلام الأوائل في الأردن، لذلك أنشأت قاعدة بيانات للأفلام الأردنية، ووضعتها على موقعها، وقد بنتْ تلك القاعدة بالرجوع إلى المصادر المتوفرة، ومنها كتاب شاشات العتمة.. شاشات النور للناقد السينمائي ناجح حسن، وبحثها المستمر الذي كشف أن فيلم «صراع في جرش» هو أول فيلم مستقل في الأردن، وأنتج العام 1956.

يؤكد البيطار أن التعاونية لم تتلقَّ أيّ دعم من أي جهة رسمية، وبقي البيطار ملتزماً بالمساهمة في تحقيق تنمية ثقافية مستدامة عبر أفلام مستقلة تماماً وإمكانيات بسيطة، وبمجهوده وإيمانه القاطع بضرورة هذا التغيير، لذلك فهو يسعى إلى التوسع في تجربته لإنتاج أفلام طويلة بأقل تكاليف ممكنة.

تعاونية عمان للأفلام المستقلة: تنمية ثقافية عبر كاميرا ديجتال
 
01-Jan-2010
 
العدد 7