العدد 7 - الملف
 

خبر صغير نشره راديو البلد العام 2009 على موقعه الكتروني، تسبب في زيارة ليلية لثلاثة مسلحين محتجين على الخبر، ومطالبين بسحبه عن الموقع الإلكتروني للإذاعة.

الترغيب والترهيب الذي مارسه «زوار الليل» على كادر الإذاعة، لم يفلح في سحب خبر مندوب الشؤون البرلمانية في الإذاعة حمزة السعود، الذي نسب فيه للنائب السابق محمود الخرابشة قوله حول أسباب تجديد عقد رئيس جامعة البلقاء التطبيقية عمر الريماوي، والذي ذكر فيه السعود أن التجديد هدف إلى تمكين الريماوي من إعادة الأموال التي أخذها من الجامعة قبل استبعاده من منصبه.

خبر «جريء» لم يرفع الراية البيضاء أمام ردة الفعل «العنيفة»، أعاد من خلاله راديو البلد تأكيد انحيازه إلى حرية التعبير النابعة من سياسة الراديو الهادفة إلى كشف الحقائق.

حرية التعبير التي يدافع عنها الراديو قادته نهاية العام 2008 إلى أروقة المحاكم بتهمة الإساءة إلى مجلس النواب المنحل بسبب تعليق لأحد قراء الموقع الإلكتروني للإذاعة لم يرُقْ للمجلس.

المجلس لم يكتفِ بمقاضاة الإذاعة، بل سارع إلى اتخاذ خطوات «انتقامية» بإصدار أمانة المجلس قرار يقضي بمنع الإذاعة من بث جلسات مجلس النواب عبر أثيرها الإذاعي، وإغلاق الأستوديو الإذاعي الخاص بالإذاعة في المجلس والذي أسس العام 2006 مع بداية بث الإذاعة لجلسات المجلس على الهواء مباشرة، وهو الإجراء الذي وصفته مديرة الإذاعة سوسن زايدة بـ«غير المبرر» في حينه.

وبذلك تكون احتجبت الخدمة التي انفرد راديو البلد بتقديمها للمستمع الأردني، ولم يشفع للراديو حكم البراءة الصادر عن محكمة الاستئناف الأردنية في 30 آذار/مارس 2009 لإعادتها مرة أخرى بسب الرفض المتكرر للمجلس، كـ»إجراء كيدي».

«المشاكسة» صفة التصقت بالإذاعة منذ انطلاقتها في تشرين الأول/أكتوبر العام 2000 تحت اسم عمان نت قبل أن يتغير العام 2008 إلى راديو البلد، «مشاكسة» تمثلت وقتها في كسرها احتكار الإذاعة الرسمية الأردنية للأثير مدة زادت على خمسين عاما.

يقول مؤسس ورئيس مجلس إدارة راديو البلد داود كتاب إن فكرة الإذاعة ولدت العام 2000 خلال مؤتمر اتحاد الإذاعات الدولي أمارك. ويتابع لـ ے : «الفكرة الوليدة لإنشاء إذاعة مجتمعية خاصة اصطدمت بقانون الإعلام المرئي والمسموع الذي لم يكن يسمح بإنشاء إذاعات وتلفزيونات خاصة».

القانون المانع لم يجهض الفكرة التي وجدت في الإنترنت فضاء مفتوحا للتطبيق. وبـ«مناورة عابرة للحدود» استطاع سكان عمان الاستماع للإذاعة من خلال قيام بعض الإذاعات الفلسطينية بأخذ بث الإذاعة من الإنترنت وإعادة بثه على موجات إف إم.

وفقا لكتّاب، انتظرت الإذاعة على الإنترنت حتى تموز/يوليو العام 2005، العام الذي شهد تعديل قانون المرئي والمسموع ليسمح بإنشاء إذاعات وتلفزيونات خاصة، لتنطلق الإذاعة على تردد 92.4 موجة إف.إم، كأول إذاعة مجتمعية في الأردن تستهدف في الأساس مجتمع العاصمة الذي يقطن فيها نحو 38.8 في المئة من سكان الأردن، البالغ تعدادهم حوالي 6 ملايين.

تهتم الإذاعة المجتمعية بقضايا مجتمع سكاني محدد، تقوم على رصد ومتابعة أخباره وخدمة الجمهور، والعمل على إيجاد حلول لمشاكله الحياتية، إضافة إلى إشراك المجتمع المحلي في رسم السياسات الإعلامية للإذاعة.

وتيرة المنافسة بين الإذاعات ترتفع، فيما يواصل الراديو كوسيلة إعلامية انتشاره في العاصمة عمان والمحافظات على حساب وسائل إعلام أخرى، وفقاً لدراسة مستقلة أعدها برنامج تدعيم وسائل الإعلام في الأردن، وبتمويل من الوكالة الأميركية للإنماء الدولي.

وبحسب الدراسة التي رتبت الإذاعات وفقا للعشرة الأكثر انتشاراً، لم يكن راديو البلد ضمن قائمة الأكثر انتشاراً، فيما حلّ في المرتبة السابعة ضمن الإذاعات المؤثرة في صناعة القرار.

رغم ذلك، فإن مديرة الإذاعة سوسن زايدة لم تبدِ استياء من الترتيب «الذي لم يراع خصوصية الإذاعة كإذاعة مجتمعية»، متفائلة في الوقت نفسه بتوسع قاعدة المستمعين.

في خضم المنافسة على استقطاب الجمهور، طوّر راديو البلد أسلوباً فريداً ينسجم مع سياسته كإذاعة مجتمعية، يقوم على فتح باب الإذاعة أمام جمهور المستمعين والمتطوعين بعد تأهيلهم لعمل الإعلامي لتكوّن بذلك «جيشاً» ممن بات يطلق عليهم لقب «المواطن الصحفي».

وتعزيراً لمفهوم المواطن الصحفي، تقول زايدة: «فتحت الإذاعة أبوابها أمام سكان العاصمة ممن يتملكون المهارة والرغبة لممارسة العمل الإعلامي بعد تدريبهم على المهارات الأساسية للعمل».

وتطبيقاً لفكرة «المواطن الصحفي» أسست الإذاعة «نادي مستمعي راديو البلد» من أكثر من مئتي ناشط من المواظبين على الاستماع للإذاعة، تَشكَّل غالبيتهم من سائقي التكسي، ويجتمع «النادي» في مقر الإذاعة مرة كل شهر لمناقشة مضمون البث ونوعيته وجودته.

بحسب زايدة، فإن الاجتماع الشهري للنادي يأتي بمثابة تغذية راجعة من قبل الجمهور حول طبيعة البرامج المقدمة والسلبيات والايجابيات، ليصار إلى تطوير المنتج الإعلامي بما يتناسب ومتطلبات المجتمع.

تجلي دور «المواطن الصحفي» لنادي المستمعين خلال الانتخابات البلدية التي جرت في 31 تموز/ يوليو عام 2007 حيث شارك عدد كبير من المستمعين في التغطية المباشرة للانتخابات التي شهدت خروقات وصلت حد التزوير حسب اتهامات جبهة العمل الإسلامي.

وفي تجريه مماثلة قام فريق النشرة الشبابية المكوّن من مجموعة من طلبة الجامعات المتطوعين بنقل وقائع انتخابات مجلس طلبة الجامعة الاردنية التي جرت في 17 كانون أول/ ديسمبر 2009، فريق المتطوعين سبق قيامه بالمهمة الصحفية تأهيله وتدريبه على العمل الإعلامي من قبل كادر الإذاعة.

وإضافة للتغطية الإخبارية التي يقوم بها المتطوعون فسحت الإذاعة أمامهم المجال لإعداد برامج خاصة بإشراف كادر الإذاعة الصحفي، على غرار برنامج «موسيقى مع مكادي» الذي يهتم بالموسيقى، وبرنامج «الإذاعة المدرسية» الذي يعده ويقدمه طلبة مدارس كل أسبوع، ويتناول مشاكل المدارس والتعليم المدرسي.

الإذاعة التي حرمتها الإجراءات «الكيدية»، وفق الإذاعة، لمجلس النواب من البث الإذاعي، تسعى منذ 2006 إلى خوض عمار تجربة بث جديدة مع أمانة عمان، التي تعد بالنسبة للإذاعة المجتمعية المؤسسة الأكثر أهمية في النطاق الجغرافي الذي تعنى به.

البث الإذاعي لجلسات أمانة عمان يبقى معطلاً وسط تكرار المبررات والاتهامات، وفيما ترى الأمانة أن عدم البث مبعثه الإمكانيات الفنية، تقول الإذاعة إن منع البث مردّه رغبة الأمانة في عدم إشراك الناس في صناعة قرار الأمانة من خلال تعزيز الرقابة على عملها، بحسب زايدة.

إذاعة مشاكسة في سقف الحرية والطرح والموضوعات التي تتصدى لها، كما يقول مستمعون مواظبون على الإذاعة، يشعر المرء أنها إذاعة معارضة، رغم النفي المتواصل من إدارتها، وإصرارهم على نهجهم المحايد.

وكخطوة على طريق تعزيز ثقافة الإذاعات المجتمعية، يسعى مجلس إدارة شبكة الإعلام المجتمعي الذي يشرف على إدارة الإذاعة إلى إنشاء شبكة إذاعات مجتمعية في المملكة، فقد نالت الموافقة على إنشاء إذاعة في منطقة الأغوار، فيما تنتظر إذاعة مدينة الزرقاء الموافقة على طلب الترخيص الذي رفضته مراراً حكومات سابقة.

بذلك يكون راديو البلد نواة لثقافة إعلامية، قوامها المواطن الفاعل في صناعة الإعلام بعد أن كان متلقياً حسب.

راديو البلد: من الإنترنت إلى سائقي التكسي
 
01-Jan-2010
 
العدد 7