مورست عليه ضغوطات عشائرية، أسوة بما يحدث على الدوام في بقية مناطق البلاد، لكنه وقف في وجهها، والمفارقة أنه ظل يتمتع بشعبية كبيرة، هو الذي لم يتوانَ، في موقفٍ جريء، عن رفع قضية قانونية على أشقائه لتحصيل حقوق البلدية، ضارباً بذلك مثلاً يُحتذى للآخرين، ودرساً مفاده أن المواطنين سواسية، وأن النزاهة أساس العمل العام، ومؤكداً أن القائد يستطيع أن يصنع فرقاً إذا ما كانت الرؤية واضحة، وإذا ما انتهج خطى الحاكمية الرشيدة.

إنه خالد الحنيفات، رئيس البلدية الشاب، 37 عاماً، الذي امتلك عقلية منفتحة، ونجح في تحقيق معادلة صعبة: النأي عن سياسة الاسترضاء، واتخاذ قرارات تبدو غير شعبية، وفي الوقت نفسه نيل احترام أبناء محافظته الذين أدركوا أنه يحمل مشروعاً مختلفاً، وأنه آن أوان التغيير، فأكبروا ذلك فيه، وإن بدا ذلك في بعضٍ منه تقبُّلاً على مضض.

فمثلاً، إثر أحداث الشغب الأخيرة في الطفيلة، صيف 2009، اتخذ الحنيفات موقفاً حاسماً برفض التدخل لإخلاء سبيل مطلوبين أمنياً أو من ذوي الأسبقيات، ضارباً عرض الحائط الضغوط العشائرية، منحازاً لسلطة الدولة وهيبتها.

توصف الطفيلة بأنها من بين المناطق الأكثر فقراً وبطالة والأقل إمكانيات وموارد في البلاد، ورغم ذلك حقق المجلس البلدي الذي يرأسه الحنيفات، إنجازات لافتة، حظيت باعتراف دولي.

ومثلما هي حال محافظات أخرى، شمالاً وجنوباً، تشكو محافظة الطفيلة غياب دور مؤثر للقطاع الخاص، وتوقف المصانع عن تشغيل أبناء المحافظة، وعدم وجود مبادرات حكومية للحد من البطالة والفقر. ما استدعى التفكير بإيجاد حلول لهذه القضايا «المزمنة». وهذا ما اشتغلت عليه البلدية، بإمكانياتها المتوافرة، مدعومةً بهمّة القائمين عليها، وعلى رأسهم الحنيفات.

هذا الانشغال بالهمّ العام، والانخراط في المسائل المعيشية للناس، والتفكير بحلول «خلاّقة» وعملية لمشاكلهم، هو ما يفسّر نيل بلدية الطفيلة الكبرى، نتائج مميزة من بين بلديات المملكة، في استطلاع أجراه المعهد الجمهوري الدولي، وهو منظمة غير حكومية بالولايات المتحدة الأميركية، لقياس أداء المجالس المنتخَبة.

نتائج الاستطلاع الذي استند إلى مقابلات شخصية مع 500 أسرة في كل مدينة، أظهرت أن نحو 68 في المئة من أهالي الطفيلة يعتقدون أن المجلس البلدي الحالي أكثر نجاحاً في أداء مسؤولياته من سابقه، وهي نسبة تؤكد أن سكان الطفيلة يشعرون أن الأمور في بلديتهم تسير في الاتجاه الصحيح.

أكثر من ذلك، أن بلدية الطفيلة أصبحت، إلى جانب أمانة عمان الكبرى، عضواً في الجمعية الأورومتوسطية للأقاليم والحكم المحلي، لتمثيل الأردن في الجمعية التي مقرها تركيا. جاء ذلك بتنسيب من مجلس الوزراء، بعد إجراء عملية تقييم للبلديات في المملكة.

كان الحنيفات نال نحو 5300 صوتاً في الانتخابات البلدية 2007، بفارق نحو 2000 صوت عن أقرب منافسيه. وهو يؤكد أنه «لم تكن هناك اتهامات بالتزوير»، كما شاع في بلديات أخرى حينئذ.

خلال تولي الحنيفات رئاسة البلدية، تراجعت نسبة رواتب العاملين فيها في الموازنة، 42 في المئة، نتيجة زيادة التحصيلات بنحو 90 في المئة (عوائد الإيجارات والتراخيص ومحكمة البلدية). إذ ارتفع إيراد تراخيص البناء مثلاً إلى نحو 73 في المئة، بسبب «تفعيل آلية التحصيل، وتركيز الرقابة لإيقاف البناء العشوائي» بحسب الحنيفات. وقد بلغت موازنة البلدية 4 مليون دينار بعجز 700 ألف دينار، بعد أن كانت 1.5 مليون دينار مع وجود عجز.

«المايسترو» الذي يقف وراء هذه الإنجازات، يؤكد لـ ے، أن ما أُنجز لا يمثل سوى بداية الطريق، فـ«ما زال هناك المزيد من العمل». وهو يفتح مكتبه على الدوام للمواطنين، ويعرض الموازنة على الناس، ويناقشهم في خطط البلدية، مستعرضاً التحديات والطموحات.

التحدي الذي تواجهه البلدية وتعمل على تجاوزه، يتمثل في حاجة كوادرها إلى التدريب، كما يرى الحنيفات الذي درس الهندسة الميكانيكية في جامعة البلقاء التطبيقية. وهو يؤكد أن «العمل جارٍ لإطلاق استراتيجة لتحقيق هذا الهدف، بحيث يتم تقديم الخدمة للمواطن باحتراف».

نسبة الموظفين الذي يحملون شهادة البكالوريس في بلدية الطفيلة أقل من 5 في المئة، والبقية يحملون الثانوية العامة كحد أعلى، منهم 20 في المئة عمال نظافة، وهناك نحو 80 في المئة من الموظفين البالغ عددهم 500 موظف تقريباً، من الأردنيين.

يصف كثيرون البنية التحتية لمدينة الطفيلة بـ«المتهالكة»، ويرون أنها تتطلب جهداً كبيراً لتطويرها وتأهيلها. يقرّ الحنيفات بذلك، مستدركاً أن البلدية أنفقت نحو 750 ألف دينار على البنية التحتية، أي ما نسبته 25 في المئة من موازنة البلدية. ففي العام 2009، تم تنفيذ أكثر من 250 ألف متر خلطة ساخنة، و200 ألف فرشيات، إضافة إلى إنشاء طرق جديدة، وتحسين وضع الأطاريف والأرصفة، وتفعيل مصنع الحاويات، إذ تم تصنيع نحو 600 حاوية خلال العام.

كما أطلقت البلدية مواسم ثقافية في المحافظة، وثمة نية لتشكيل مجلس بلدي للأطفال، فضلاً عن التوجه إلى تبني مشاريع الطاقة النظيفة عبر توليد الطاقة بالرياح، بدعم أوروبي. كل تلك المشاريع يجري العمل عليها معاً، وبالتزامن، لتحقيق نقلة نوعية في المحافظة، بحسب ما يؤكد الحنيفات.