العدد 7 - الملف | ||||||||||||||
خلال ثلاثة أعوام فقط، استطاعت قضية عمال المياومة في القطاع العام أن تحجز لها مكاناً بين العناوين المهمة في البلد، ليكون 2009 هو العام الذي يشهد تثبيت الإنجازات التي صنعها العمال بقيادة «لجنة عمال المياومة». العمال الذين يقعون في أدنى مستويات العمل الحكومي هم الآن بانتظار اكتمال تحويلهم إلى عمال منتظمين، وقد تم تحويل كثير منهم بالفعل بعد استجابة حكومة نادر الذهبي للمطلب العمالي من خلال إقرار مسمى وظيفة «عامل قطاع عام» كي تتمكن قانونياً من تثبيتهم. لهذا الإنجاز سيرة أبطالها مجموعة من العمال المواظبين، صنعوا بجهدهم قصة عمل نقابي خاصة. رغم أن اسم عامل المياومة محمد السنيد هو الأبرز بين بقية زملائه في لجنة عمال المياومة، لكنه بمجرد أن طَرحَت عليه ے فكرة هذه المتابعة، أكد ضرورة أن تُنسَب الفكرة لصاحبها، وهو عامل مياومة آخر اسمه فايز الخلايلة يعمل في زراعة الزرقاء. قال ذلك بتلقائية وبساطة. المتابع لنشاط عمال المياومة منذ انطلاقته بشكل منظم في الأول من أيار/مايو 2006، يلاحظ حرص العمال على ممارسة نشاطهم بأقصى مستويات أخلاقيات العمل العام، حتى قبل أن يتعرفوا على هذه التسمية، أو ربما بسبب أنهم لم يتعرفوا عليها الا متأخراً. ما زال أعضاء لجنة عمال المياومة يذكرون أول نشاط لهم بقدر من الطرافة رغم أن محتوى ذالك النشاط يخلو من أية طرافة. ففي مطلع العام 2006 اتخذت الحكومة قراراً بزيادة رواتب العاملين في القطاع العام بواقع عشرة دنانير لمن تقل رواتبهم عن 300 دينار، وخمسة دنانير لمن تزيد رواتبهم عن 300 دينار. غير أنها تعاملت مع عمال المياومة الذين كانت رواتب غالبيتهم حينها أقل من 100 دينار بوصفهم من ذوي الرواتب العالية وزادتهم خمسة دنانير. في الأول من أيار/مايو اتفق عمال المياومة في وزارة الزراعة على التجمع أمام مبنى الوزارة احتجاجاً على استثنائهم من تلك الزيادة، وأبلغوا بعض الصحف بذلك، لكنهم عندما وجدوا أنهم لأول مرة أمام الوزارة وهم الذين يعتبرون في أدنى سلم العمل فيها، ارتبكوا أمام سؤال موظفي الوزارة عن سبب حضورهم الجماعي فأجابوا أنهم قدموا لتهنئة الوزير بمناسبة يوم العمال وللرجاء بأن يعطوا الزيادة التي يستحقونها. لكن بعض الصحف سألت الوزارة عن موقفها من «الاعتصام» فصرح أمينها العام أن الأمر للتهنئة وليس هناك من اعتصام، غير أن العمال أكدوا ما جرى وأن هدفهم الفعلي هو الاحتجاج، وقد كان عددهم حينها 17 عاملاً فقط. تلك كانت البداية التي تلاها 19 اعتصاماً وتجمعاً، وكانت الظاهرة تنمو وتكبر بتأثير الإصرار والمواظبة. يبلغ عدد عمال المياومة أكثر من 13 ألفاً يتوزعون على وزارات الزراعة والأشغال والمياه والصحة والآثار ومؤسسة المناطق الحرة والموانئ، لكن النشاط بدأ به عمال الزراعة. وهؤلاء يحتلون أدنى مراتب العمل الحكومي لدرجة أن اللجنة شبهته بالعبودية. كان أول إنجاز حققته اللجنة هو رفع رواتب عمال المياومة من 90 دينارا إلى 120 ديناراً ابتداء من أواخر 2006، ثم جرى شمولهم بالتأمين الصحي والضمان الاجتماعي والإجازات بعد أن كانوا محرومين من كثير من تلك الحقوق الأولية. كان لتلك الإنجازات تأثير كبير على اتساع الحركة وشمولها للعمال بالمياومة في باقي الوزارات. في يوم العمال، العام 2007، دعت اللجنة إلى اعتصام شامل لجميع عمال المياومة من مختلف المناطق والمواقع الوظيفية، وكان لقاء العمال معاً تجربة خاصة، فقد تعارفوا مباشرة للمرة الأولى، وكان عليهم خلال لحظات أن ينظموا أنفسهم ويختاروا وفداً عليه أن يدخل إلى مبنى مجلس النواب ويفاوض. يومها، حاول نواب فض الاعتصام من خلال إعطاء وعود، كما حاولت أجهزة الأمن تفريقهم بالتخويف حيناً والوعود حيناً آخر. في الواقع كانت حركتهم تنمو بينما يواجهون قدراً كبيراً من الاستغراب المختلط بالتعالي، فعامل المياومة لم يكن يسمع له صوت ولم يكن يسمح له بإظهار صوته، فهو يعين وينقل ويفصل بقرار من أي مدير. نجح محمد السنيد وزملاؤه في تأسيس تجربة نقابية خاصة، فقد طرقوا مختلف الأبواب النقابية والحزبية، محاولين العثور على جهة تتبنى قضيتهم أو تتعاطف معها. النقابات العمالية أبلغتهم أنهم غير مشمولين بنشاطها لأنهم عمال قطاع عام، والنقابات أبدت تعاطفها مجاملة، وأغلب الأحزاب لم تكترث، وبعضها حاولت استثمار أو توظيف حركتهم، غير أن اللجنة كانت واضحة تماماً في هدفها وتعاطيها مع الجميع، فلم تناقش إلا مطالب عمال المياومة في التثبيت من خلال التحويل إلى وظيفة الراتب المقطوع وتلبية بعض الحقوق الأولية. اللجنة اعتمدت بالأساس على تماسك العمال خلف مطالبهم، غير أن نشاطها اتسع ليشمل التضامن مع عمال آخرين ليسوا جميعهم من عمال المياومة كما حدث في الإضراب الكبير الذي نفذه عمال مؤسسة الموانئ في العقبة. محمد السنيد وزملاؤه؛ صالح قبيلات ومحمد متروك العبادي وفايز الخلايلة وأمجد الحجايا عن عمال وزارة الأشغال، وعلى عطية العجالين عن عمال وزراه المياه وغيرهم كثيرين، واصلوا جهودهم في مقدمة مئات العمال. لم يكن لديهم أي مقر أو إمكانات للإنفاق على نشاطهم، غير أنهم خاضوا تجربة بأقل النفقات، عقدوا اجتماعاتهم في بيوتهم أو مواقع العمل، أو في الدقائق الأخيرة قبل القيام باعتصاماتهم. اللجنة واجهت الكثير من الضغوطات الإغراءات في آن، فصاحب الفكرة فايز الخلايلة رفض أن يتم تلبية مطلبه بشكل فردي، وبالنسبة للسنيد فإنه رفض ذلك مرات عديدة مخلصاً لوعده الذي أطلقه أمام زملائه بأن يكون آخر من يتم تثبيته في عمله، بل إنه قبل أشهر عندما جرى تحويل كل عمال الفئة التي ينتمي إليها وهم العاملون بمهنة سائق، أسرع إلى تحويل مسماه الوظيفي إلى «عامل ماتور» كي ينتظر بقية زملائه. |
|
|||||||||||||