العدد 3 - الملف
 

ينفجر أصدقاء رنا ضاحكين لدقائق بعد أن تروي لهم نكتة سريعة كان والدها، الذي يكبرها بثمانية وثلاثين عاماً، قد وجدها سخيفة لا تدعو للضحك.

النكتة التي روتها رنا، 18 سنة، واحدة من طرائف عديدة تنتشر في أوساط الشبّان والشابات في البلاد، إذ يقول صغار السن أنهم يجدونها مضحكة، بينما لا يستسيغها الكبار.

«مرة كان في اثنين بيحبوا بعض، بس بعض ما بيحبهم»، نموذج على سلسلة نكات تقوم على اللعب على سياق الكلام والمعنى، تليها تعليقات مشابهة مثل: «اثنين راحوا يزوروا بعض، طلع بعض مش بالبيت»، و«اثنين ضربوا بعض، صار بعض يبكي».

ترى رنا أن الطرائف على هذا النسق بدأت بالانتشار في أوساط الشباب في الأردن منذ نحو أربع سنوات، حين شرع صغار السن في ابتكار أساليب خاصة في التهريج والمرح، تختلف عن تلك التي يتداولها الآباء والأمهات، إذ يعتقد بعض الشبان أن الأجيال التي سبقت لم تنجح في تفنيد نظرية «الكشرة» الأردنية.

عندما تبدأ هذه النكات بالانتشار بين صغار السن، تنطلق معها عمليات «التبهير»، التطوير، الإضافة والحذف. فأصدقاء رنا لم يكتفوا بالضحك على سلسلة «بَعَض»، بل أضافوا إليها حلقات جديدة: «مرة بنتين ناموا مع بعض، نيّالو بعض».

«الكبار بيفهموها بس ما بيضحكوا عليها، ما بيشوفوها بتضحّك»، تقول رنا لـ«ے»، مضيفةً أنها ترى في إمكانية اللعب على معنى كلمة «بعض» أمراً مسلّياً، غير أن والدها، البالغ من العمر 56 عاماً، لا يرى فيها ما يدعو للمرح.

تفسر رنا الاختلاف في طريقة التجاوب مع هذه النكات بين الجيلين بقولها: «هذا ناتج عن اختلاف الخبرات والتجارب التي مر بها جيلنا عن تلك التي اختبرها الكبار».وتضيف: «أسلوب حياتنا يختلف عن أسلوب حياتهم».

الشبان والشابات لديهم مصطلحاتهم ومفرداتهم الخاصة في التعبير عن الأمور، ما يصعّب من مهمة آبائهم وأمهاتهم في فهم النكات التي يروونها، كما تقول الطالبة الجامعية، التي تسكن في العاصمة عمان.

تورد رنا مثلاً هنا كلمة «تحشيش»، التي يفهمها أهلها على أنها تعاطي الحشيش، بينما تعني هذه الكلمة «الضحك المفرط» في قاموس الشباب.

لم تعد الشابة تجرؤ على رواية نكاتها إلى آخرين من جيل «الكبار» بعد أن استقبلت رد فعل والدها الذي ضحكَ «مجاملة» بعد أن أسمعته إحدى الطرائف. تقول رنا إنها تكتفي بتبادل هذا النوع من النكات «الشبابية» مع أقرانها، كي لا «يستثقل دمي أو يستغبيني الكبار»، على حد تعبيرها.

والد رنا، هاني سروجي، يقول إنه كثيراً ما يشعر أن المفردات في النكت التي يرويها له ابنه وابنته «ليس لها معنى في السياق، مع أنها تكون واضحة ومفهومة» وحدها.

يوافق الأب ابنته على أن الجيل الجديد يمتلك حس الدعابة أكثر من جيله هو. «الجيل الأصغر يميل للضحك أكثر، لأن الانفتاح الذي يعيشه له تأثير كبير»، يقول سروجي لـ«ے»، في إشارة إلى التطور التكنولوجي وتدفق المعلومات الذي واكب نشأة جيل ابنته.

ويضيف أن هناك كثيراً من الكلمات التي لا يعرفها جيله، مثل كلمة «حفرتل» التي يستخدمها الشبان للإشارة إلى أولئك الذين يعدّونهم غير متحضّرين أو منفتحين بما فيه الكفاية.

«لو شرحوا لي معاني مفرداتهم، ربما أفهمها نوعاً ما، لكن لن يكون بوسعي استعمالها» في رواية النكات، يضيف سروجي.

صبحي خضر، 19 عاماً، يتجنب سرد طرائفه لأبناء الجيل الأكبر في العائلة، لأن النكتة «ستفقد روحها» في حال قام بشرحها. «هم يفهمون هذه النكات، لكنهم يجدون أنها غير مناسبة لعمرهم».

حنا برغوث، يختلف الأمر بالنسبة لوالده كما يرى. إذ لا يعرف الشاب، البالغ من العمر 20 سنة، ما إذا كانت نكاته ستُضحك أبيه لو شرحها له، إلا أنه يجزم بأن الوالد لا يفهم هذه الطرائف من المرة الأولى.

«الكبار ليس لديهم حس المفارقة»، يقول حنا لـ«ے».

في كل «شلّة» من الأصدقاء، يكون هنالك غالباً «مصدّر» للنكت، ينقل النكات إلى بقية الأصحاب.

يستمتع حنا بفكرة أنه هو مصدّر هذه النكات في أوساط أصدقائه في الجامعة، قائلاً إنه يتزوّد بها من الإنترنت والرفاق، ثم ما يلبث أن يبدأ في «بثّها» إلى الجميع من حوله.

يرتبط الكثير من هذه النكات بعضها مع بعض، مشكّلةً «سلاسل نكتية»، يُبنى كل تعليق فيها على التعليق السابق. من أشهر هذه السلاسل سلسلة «الفيل»، التي توظف حجم الفيل كحيوان ضخم الجثة في مفارقات متنوعة.

«كيف بتحط فيلين بقنينة من دون ما يلمسوا بعض؟»، يسأل حنا صديقاً ما، واضعاً إياه في حيرة من أمره، إلى أن يعطيه الإجابة، وهي ببساطة: «بتحط فيل ثالث بينهم».

ثم يواصل الشاب السلسلة نفسها بـ«معضلة» أخرى، وهي كيفية جعل أربعة فيلة تركب دراجة هوائية (بسكليت).

بعد أن يستسلم الشخص المقابل ويعلن عجزه عن تقديم حل، يكتشف أن المسألة مرتبطة بالسؤال السابق. «تجعل فيلاً واحداً يركب البسكليت، ثم تجعله يمسك بالقنينة»، التي فيها أصلاً ثلاثة أفيال منذ النكتة السابقة.

يتابع حنا سلسلة أخرى بالسؤال عن الفرق ما بين «الفيل» و«الباب». الإجابة هي أن الباب له زرفيل، غير أن الفيل ليس له زرباب.

القاسم المشترك الأكبر بين هذه النكات هو المفارقة البعيدة عن الواقع، أو الإجابات البسيطة المباشرة التي لا يتوقّعها الشخص المقابل.

«كم طفيلي بدّك حتى تفكّ لمبة؟»، الإجابة: «واحد».

عبد الحكيم الحسبان، أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة اليرموك، يرى أن جيل الكبار مر بتجارب حياتية أكثر من تلك التي اختبرها صغار السن، مما يجعله يعرف مسبقاً المفارقات التي ترد في نكات الشباب، ولا يرى فيها أية غرابة تدعو للضحك.

يشير الحسبان إلى استخدام الشبان والشابات ما يسمى الحدس في ابتكار النكات السريعة التي تتعلق، في كثير من الأحيان، بمفارقات حول الحيوانات وأحجامها، مثل الفيل والنملة.

«المقصود بالحدس أن تدرك واقعاً ما في عملية عقلية واحدة، فنحن نعرف مثلاً أن النملة صغيرة والفيل كبير، ونتلاعب بهذه الحقائق»، يقول الحسبان لـ«ے».

فضلاً عن ذلك، أخذت نكات الشباب في الأردن خلال العقد الماضي تنأى شيئاً فشيئاً عن تناول المواضيع السياسية، بحسب الحسبان. «الجيل الجديد تعرّض لنزع الآراء السياسية من تفكيره من خلال الإعلام، المدرسة، المسجد وغيرها، فانعكس هذا الأمر على الطرائف التي يجري تبادلها»، يضيف الأستاذ في علم الإنسان.

في الوقت الذي ينتقد فيه كثيرٌ من الكهول حالةَ «الفَلَتان» و«السخْف» التي يرون أنها حلّت بالأجيال الجديدة، لا يحبّ الشبان والفتيات «العبوس والجدية الزائدة» لدى أهاليهم، ويستمرون بتبادل النكات والتعليقات التي تدعو لـ«التحشيش» في لقاءاتهم، عبر الهاتف الخلوي، الإنترنت وغيرها من عِدَد ولوازم عصر «الانفتاح».

نكات الشباب: قاموس من التعابير لتفنيد نظرية «الكشرة»
 
01-Sep-2009
 
العدد 3