العدد 7 - الملف
 

عام ناجح»، هكذا يصف رئيس تحرير يومية «الغد» موسى برهومة حصيلة عمله في الصحيفة خلال العام 2009.

الأمر يبدو كذلك لمتابعي الصحيفة، فللمرة الأولى خلال خمسة أعوام من عمرها، تمتلك الصحيفة هوية وطنية سياسية واضحة المعالم، ضمن مشروع يطغى عليه الجانب الإصلاحي المعتمد على النقد البنّاء.

هذا الأمر تحقّق من خلال عشرات القضايا التي طرحتها «الغد» على صفحاتها، وبشكل شبه متصل، آخذة على عاتقها فتح «ملفات مسكوتٍ عنها»، كسحب الجنسية من مواطنين أردنيين، وسرقة السيّارات والحملات الأمنية التي نُفّذت في مناطق عشائر متنفّذة، إضافة إلى ملف العنف المجتمعي الذي طغى على روزنامة العام 2009.

يؤكد برهومة أنّ الحدث الأبرز الذي أسهم في تكريس هوية وطنية للصحيفة، هو «العدوان الإسرائيلي على غزة»، فقد كانت «محطة مهمة للصحيفة للتعبير عن هويتها الخاصة».

بحسب متابعين وصحفيين، فإنّ الغد قبل برهومة لم تستطع تكريس تلك الهوية، فرئيس التحرير السابق جورج حواتمة جاء إلى صحيفة «مخلخلة نفسياً»، وقد بذل جهوداً كبيرة لإصلاح هذا الجانب، أما الرئيس الذي سبقه أيمن الصفدي، فقد وضع الصحيفة في مواجهة الأطراف الرفضوية، محلياً وعربياً؛ الأحزاب، النقابات، سورية، حزب الله، حماس، إيران، لتغدو الصحيفة «صورة متطوّرة عن غيرها من الصحف المحلية الأخرى الصادرة بثوب رسمي». أما رئيس التحرير الأوّل عماد الحمود، فقد انشغل بالقضايا التأسيسية، ولم يكن تكريس هوية خاصة بالصحيفة ضمن أجندته.

برهومة، رغم اعترافه بأهمية العدوان على غزة في حسم خيارات الصحيفة، إلا أنه يؤكد أنّ «الغد في الحرب مثلها في السلام». ويقول: «هي صحيفة ضدّ الاحتلال والعسف والظلم واغتصاب حقوق الآخرين، وهي مع السلام والجمال والانتصار لحقوق المهمّشين والأطفال والنساء والشباب».

أكثر ما أزعج برهومة لدى تسلّمه رئاسة تحرير الغد هو انطباع لدى كثيرين أنها «صحيفة عمّان الغربية»، وهو الأمر الذي عمل على تبديده بتفعيل التقارير اليومية من قاع المدينة، إضافة إلى تفعيله المحافظات الأخرى، وإفراده صفحة يومية لمشاكلها التي تعانيها، في خطوة يرى أنها تصب في مصلحة فتح مكاتب خاصة بكل محافظة.

الحرية الإعلامية، من الملفات المهمة التي جرى حسمها في الغد؛ حرية بسقف عالٍ، وأحياناً بلا سقف، وذلك إدراكاً لأهمية الصحافة كمنبر من منابر الحرية، ومحاولة تكريس العدالة، ورفض الانغلاق.

إلى ذلك، اشتغلت الصحيفة على موضوعة التعدّدية، مع إدراك عميق أنّ «السبق الصحفي لا يكمن في خبر يسرّبه مسؤول»، بحسب برهومة، بل هو «فضح الممارسات السياسية والاجتماعية التي تضرّ البلد».

الغد التي كانت سابقاً «في مهبّ القلاقل»، بخاصة خلال الأعوام الثلاثة الأولى من عمرها، استطاعت اليوم أن توفّر للعاملين فيها جوّاً من الراحة النفسية، حتى باتوا يعملون من دون النظر إلى ساعاتهم.

الصحيفة التي ينظر إليها كثيرون على أنها متقدّمة مهنياً، لم تنم على حرير المجد الذي حقّقته، بل عملت بجدّ من أجل مهنية بامتياز، ففتحت الباب أمام التدريب المستمرّ لكادرها، كما خصّصت وحدة للتحقيقات الاستقصائية، وهي الأولى في الصحافة المحلية، وعملت على تكريس خطاب مهني متميّز، من خلال دورات على مدار العام.

لعلّ أكثر ما ميّز الغد خلال العام 2009، هو رفعها شعار «الحياد الموضوعي»، وعدم الانزلاق إلى الخندقة وتصفية الحسابات، بل عملت على أن تكون حصّة الإصلاح كبيرة ووافرة على صفحاتها، وبقيت تعتمد الدقة معياراً لها، فقد نأت الصحيفة بنفسها عن كل المنعطفات التي كانت ميداناً للترجيح والتخمين.

لا شكّ أنّ إنجازاً مهنياً بهذا القدر، لا بدّ أن ينعكس إيجاباً على الصحيفة ككل، فقد استثمرت الدوائر التجارية والتسويقية المنجز، واستطاعت تسويقه، ما حقق عائداً إعلانياً كبيراً للصحيفة جعلها تتجاوز الأزمة المالية التي عصفت بكثير من الصحف في العالم خلال الصيف الماضي، كما استطاعت رفع عدد مشتركيها، وتوسعة قاعدة قرّائها.

«الغد تشبه طاقمها؛ جميلة، متواضعة، أنيقة، دافئة، خلاّقة، غير متعجرفة، ولكنها واثقة جداً بنفسها»، يقول برهومة. ويؤكّد أنه بوصفه رئيساً للتحرير، يرنو إلى أن يجعل من الغد بصحبة هذا الفريق «منبراً إعلامياً مهمّاً، ومركز إشعاع بكل ما تحمله الكلمة من معنى»، ولا يتوقف طموحه عند الساحة المحلية، بل يتعدّاه إلى الساحة العربية.

ظروف كثيرة مهّدت لمِجيء برهومة، وهو من خارج نادي رؤساء التحرير، لكنّه من داخل الصحيفة، فالبداية كانت مع عماد الحمود، التي يرى بعضهم أنها فترة كان اختيار رئيس التحرير فيها يخضع لاشتراطات الجغرافيا، بخاصة مع رأس مال أردني من أصل فلسطيني. في هذه المرحلة وضعت الصحيفة أساسها في الأردن، إلا أنّ خبراً صغيراً حول «تفجيرات الحلّة» العراقية كاد يهوي بالصحيفة.

مرحلة أيمن الصفدي، أو كما يدعوها العاملون في الغد: «المرحلة الستالينية»، جاءت لتخطّي «أزمة الحلّة»، فقاد فيها بناء الصحيفة مهنياً، واستطاع أن يتجاوز الأزمة، رغم أنه، أيضا، أسّس لتوتر داخل الغد، بحسب محرر طلب عدم نشر اسمه، ما استدعى إلى «مواجهته باعتصام وتوقف عن العمل من قبل معظم الصحفيين».

وقتها، كان لا بدّ من شخصية تصالحية تقود الركب من جديد، وكان الخيار هو جورج حواتمة. يؤكد المحرر أنّ «مرحلة حواتمة كانت مهمة، فقد استطاع بشخصيته التصالحية والتسامحية والاجتماعية، أن يجمع الفريق من جديد». ويقول: «جورج صحفي ليبرالي حقيقي، ولعلّه أكثر الصحفيين الليبراليين الشجعان في الأردن، عدا نزاهته وكفاءته وإنسانيته وعدالته».

صحيفة «الغد»: عام تكريس الهوية
 
01-Jan-2010
 
العدد 7