العدد 7 - الملف
 

ليس بالأمر السهل أن تجتذب فرقة موسيقية محلية زهاء أربعة آلاف شخص لمتابعة عرض موسيقي لها في بلد لا يعدّ الثقافة والفن من أولوياته. لكنّ الأمر حدث فعلاً، وهو ما حققته مجموعة «رم-طارق الناصر» خلال عرضها في مهرجان الأردن في تموز/يوليو 2009.

النجاح نفسه كان حاضراً في عرض «أصوات» على مسرح الأوديون ضمن فعاليات مهرجان موسيقى البلد في آب/أغسطس 2009 والذي قدمه الموسيقي المبدع طارق الناصر مع مجموعة من المغنين الذين عمل معهم خلال تجربته الموسيقية، وكان أبرزهم «ابو السعيد» الذي قدم أغنية «يا بو ردين» من التراث الأردني، وأثار حالة نادرة جداً من التفاعل مع الجمهور.

ما يجمع النجاحَين معاً هو المؤلف الموسيقي طارق الناصر، الذي يشكل «الإنسان» أحد مرجعياته الأساسية في التأليف، فضلاً عن مرجعيات مكانية وزمانية، ورؤى أخرى في التعامل مع الموسيقى بشمولية وانفتاح.

هناك دائماً ما هو جديد في تعامله مع الموسيقى، وموازنة بين هاجس الحداثة والنظر باحترام إلى الموروث، وهو ما مثّل محطته الأولى عندما وضع موسيقى مسلسل «نهاية رجل شجاع» العام 1992، من قصة وسيناريو حنا مينة، وإخراج نجدت أنزور، ليترك الناصر بصمته في هذا المجال.

موسيقى المسلسل شكلت منعطفاً عزز من اهتمام صناع الدراما بعنصر الموسيقى التصويرية، ليبدأ منذ ذلك الوقت نهجاً جديداً سار عليه كثيرون.

لكن الناصر لم يتوقف عند «نهاية رجل شجاع»، بل أتبعه بمسلسلات عديدة ألّف موسيقاها التصويرية ووزعها، حتى يمكن القول إنه أسّس لظهور «مهنة» جديدة في المنطقة.

نجاحات الموسيقى التصويرية للناصر تتالتْ مع عشرات المسلسلات؛ «الجوارح» الفانتازي من إخراج نجدت أنزور العام 1998، «يوميات مدير عام» الكوميدي من إخراج هشام شربتجي العام 1994، وغيرهما العديد، وصولاً إلى مسلسل «ملوك الطوائف» الدرامي من إخراج حاتم علي العام 2005، ومسلسلي «رسائل الحب والحرب» الدرامي من إخراج باسل الخطيب، و«الملك فاروق» التاريخي من إخراج حاتم علي العام2007، واللذين نال عنهما الجائزة الذهبية للموسيقى التصويرية من مهرجان القاهرة للإعلام في العام نفسه.

رغم اختلاف الأنماط الدرامية لتلك المسلسلات من دراما اجتماعية إلى كوميديا إلى فنتازيا إلى ما هو تاريخي، إلا أنّ الناصر أثبت دائماً أنه قادر على التعامل مع مختلف الأنماط بجدارة.

الناصر لم يتوقف عند التجديد في تأليف الموسيقى التصويرية، بل كان أوّل موسيقي في الوطن العربي يقوم بالمونتاج الموسيقي وتركيب المقطوعات الموسيقية على مشاهد المسلسلات الدرامية، ليضمن وجود أعلى حالات التناسق بين الصورة والموسيقى.

حين لم يشأ أن يظل محصوراً في إطار تأليف الموسيقى للأعمال الدرامية، التي قد تفرض أحياناً بعض القيود في تعامله مع الموسيقى، أسّس مع شقيقته المتخصصة بالفنون الجميلة رسل الناصر العام 1998 «مجموعة رم- طارق الناصر» المستقلة، لينطلق من تجاربه السابقة، ويبدأ بترجمة رؤيته الموسيقية الخاصة به.

وكان جديداً وقتها أن تؤدي فرقة في الأردن مؤلفة من 9 موسيقيين، «محترفين وهواة»، مقطوعات موسيقية تتمازج فيها أصوات الآلات المختلفة، لتخاطب الروح وتحاكي المشاعر الإنسانية على اختلاف حالاتها، بعيداً عن الشكل التقليدي للفرقة الموسيقية التي تعزف وراء مطرب.

«رم»، يصل عدد موسيقييها اليوم إلى نحو 25 عازفاً، أما عدد الذين امتزجوا بتجربتها، فيزيد على 60 موسيقياً من الأردن، بعضهم غادرها لبناء مشروعه الخاص، وآخرون استمروا مع الفرقة حتى اليوم. وبات في حكم المؤكد أن «رم» أوجدت بيئة موسيقية، ذات أثر بالغ على العاملين في مجال الموسيقى.

«الموسيقى الجيدة بحر أوسع من أن يتحدد بأي محدد»، بحسب الناصر، الذي يؤكد أنّ ذلك «يتطلب معرفة الأنغام الأخرى من دون تقديس الهوية الجامدة، لتكون قادرة على مخاطبة الإنسان في أي زمان ومكان».

موسيقى «رم» مجنونة وحالمة وراقصة ومغامرة ومباغتة، يختلط فيها الهدوء بالصخب، وتنتقل بين مواضيع مختلفة ذات عناوين خاصة: «حلم»، «قطار»، «تمرد»، «وجع»، «ليل»، «نار» و«حب»، كما أنها تجوب أماكن وأزمان؛ «أردن»، «رم»، «أندلسية»، «جرش» و«رمية». أما أغانيها فهي محاولة لإعادة إرساء أغنية محلية أردنية من جديد، تكون شبيهة بالعمّانيين، بعدما خفتَ بريق تلك الأغنية منذ سبعينيات القرن الماضي.

لم تقف تجربة «رم» عند حدود معينة، بل امتلأت بموروث موسيقي محلي وعربي، وأطلت على تجارب موسيقية عالمية. تحقق ذلك عبر بحث الناصر وتجريبه المستمرّ في الموسيقى، ومن خلال مشاركات المجموعة التي وصلت إلى قرابة 140 عرضاً في مهرجانات محلية وعربية وعالمية ثقافية.

عمل الناصر خلال مشواره مع مؤسسات إنتاجية كبرى؛ الشام الدولية، MBC، أوربت، سورية الدولية للإنتاج الفني، TRAVEL CHANNEL والمركز العربي للخدمات السمعية والبصرية وغيرها.

كما عمل مع مخرجين تلفزيونيين وسينمائيين كُثر؛ نجدت أنزور، حاتم علي، هيثم حقي وساندرا، فضلاً عن عمله مع مغنين ذاع صيتهم، مثل حسين الجسمي في مسلسل «صراع على الرمال»، خالد الشيخ، لطفي بشناق، هالة الصباغ وفهد الكبيسي.

شهادة أخرى للناصر جاءت من خلال اختياره للمشاركة في الفيلم الوثائقي «الموسيقى العربية: ما بين التنافر والتناغم» من إنتاج PBS Public Broadcasting Service إحدى كبريات شركات الإعلام في أميركا، ولقائه مع الموسيقي والموزع والمنتج الأرجنتيني الشهير غوستافو سانتاولالا، الحاصل على جائزة الأوسكار لعامي 2006-2007، وتبادلهما العزف معاً.

للناصر قصّة حب أخرى، إنها قصة حبه للتراث، وهو الذي أعاد توزيع 17 أغنية من الفولكلور الفلسطيني صدرت في ألبوم «زريف» لفرقة الفنون الشعبية الفلسطينية في رام الله العام 2005، إضافة إلى ألبوم «يا بو ردين» الذي يتضمن 10 أغنيات مختارة من التراث الأردني العام 2008، وإعادة توزيعه لأغنيات متفرقة أخرى.

خيار الناصر العمل في الموسيقى لم يكن سهلاً في ظل صعوبات يواجها الفنان في الأردن، إلا أن موهبته بقيت متفوقة على الدوام، وأثبتت خصوصيتها رغم المعيقات.

طارق الناصر: هوية موسيقية خاصة
 
01-Jan-2010
 
العدد 7