العدد 3 - الملف
 

بدأت المطبوعات الساخرة في الأردن أوائل التسعينيات، متأخرةً كثيراً عن زميلاتها العربيات. فالصحافة المصرية الساخرة بدأت منذ أكثر من قرن ونصف القرن، ويُعدّ عبد الله النديم أحد آباء المجلات الساخرة، ومن أشهرها «التبكيت والتنكيت» 1881، و«الأستاذ» 1892. وفي العام 1937 صدرت «البعكوكة».

وفي سورية صدرت العام 1910 ثلاث صحف ساخرة: النفاخة ليوسف عز الدين في دمشق، شكول في حلب، والإخاء في حماة، كما أصدر صدقي إسماعيل في أوائل الخمسينيات وبفترات غير منتظمة صحيفة الكلب.

وفي بيروت، أصدر نجيب حانا العام 1910 صحيفة الحمارة.‏ ‏ وفي العراق صدرت العام 1931 صحيفة حبزبوز لصاحبها نوري ثابت.

في الأردن، هناك تاريخ متواضع في هذا المجال. فعلى سبيل المثال، صدرت صحيفة ذات طابع ساخر، حملت اسم الصريح للصحفي هاشم السبع. لكن المطبوعات الساخرة، كما الكتابة الساخرة المنتظمة في الأردن، مدينة لاسمين كبيرين: محمد طمليه ويوسف غيشان. الأول أصدر، بصورة متعثرة، الرصيف 1991، ثم قف!؛ والثاني تولى بانتظام رئاسة تحرير عبد ربه منذ العدد الأول، 11 آب/أغسطس 1996 إلى العدد 45 في 15 حزيران/يونيو 1997. كما تولى غيشان، بصورة منتظمة، وبعضها لفترات طويلة، تحرير الصفحات الساخرة في عدد من المجلات والصحف: صفحة «لهلوب» في صحيفة البلاد، التي بدأ محمد طمليه عددها الأول، ثم تعثر في الثاني، وشاركه غيشان لاحقاً قبل أن يتولاها منفرداً ويحوّل اسمها إلى «شغب لوجيا»، منذ العدد 39، 6 تشرين الأول/أكتوبر 1993 إلى العدد 170، 19 حزيران/يونيو 1996، إذ انتقل غيشان إلى عبد ربه، فتابع الصفحة الساخرة ثلاثة كتّاب: إبراهيم السطري، محمد القرنة ومحمد عقل.

خلال فترة إصدار «شغب لوجيا» أصدر غيشان صفحتين باسم «سياسة ونص» في شيحان، 3 أيلول/سبتمبر 1994 – 22 تشرين الأول/أكتوبر 1994. كما أصدر صفحة ساخرة في مجلة المسيرة، وبعدها أصدر صفحتين ساخرتين في مجلة سوا سوا بعنوان «يوميات شاب ودّوه عَ الكتّاب»، من حزيران/يونيو 2001 إلى شباط/فبراير 2002، وصفحتين ساخرتين بعنوان «مشاغبون بلا حدود»، في مجلة الحياة الأسبوعية، من 27 تموز/يوليو 2006 إلى 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2006.

أما صفحة «نهارك سعيد» في العرب اليوم، فقد انطلقت مع انطلاق الصحيفة العام 1997، وتناوب الإشراف عليها موسى حوامدة وإبراهيم جابر إبراهيم، وهي في الواقع ليست صفحة ساخرة ضمن خطة بعينها، وإنما مساحة لتجميع المقالات الساخرة.

وتولى أحمد أبو خليل إصدار صفحة «كفّ عدس» في ملحق «اليوم السابع» في العرب اليوم، 2003 - 2005. كما كتب في صحيفة «ے»، صفحة «حتى باب الدار»، بين تشرين الأول/أكتوبر 2007 وحزيران/يونيو 2009، وعند تحوّل «ے» إلى مجلة شهرية، أُفردت له صفحة جديدة بعنوان «دقة عَ المسمار».

الرصيف

صدر العدد الأول من الرصيف في 6 حزيران/يونيو 1991، ورأس محمد طمليه تحريرها، أما رسمياً، ولأسباب إدارية وقانونية، فكانت محاسن الإمام هي رئيسة التحرير المسؤولة.

كعادته، لم يحسب طمليه جيداً شروط إصدار مطبوعة في الأردن: مكتب ومحررون وطباعة وورق ومطابع وهاتف وإمكانات مالية. كان يمتلك فقط الرغبة بإصدار مطبوعة ساخرة، ويحظى بدعم من رائد الفاروقي صاحب مقهى «الفاروقي»، لكن هذا الدعم لم يستمر بسبب استمرار الخسائر، فكان أن تعثرت المطبوعة، ثم توقفت العام 1993.

في مطلع العام 1994 تضامنَ «المتحمسون الأوغاد» من أصدقائه لدعمه واستئناف إصدار الرصيف، حتى إن خالد مساعدة فتح بيته مكتباً لها، وتعاقب على العمل في البيت مجموعة من الأصدقاء للتحرير والكتابة والتحليل وجمع الأخبار في حركة دؤوبة لإنجاح المشروع. يصف متحمس آخر من كتّاب الرصيف، هو جهاد محيسن، الوضع بقوله: «كان طمليه الربان الأوحد للمطبوعة، يقرأ ويحرر المواد التي تصل، كما كان يكتب وباتجاه هدف واحد: تغيير الواقع عن طريق السخرية منه، لأن الكتابة الساخرة هي الوسيلة الوحيدة لتوصيل رسالة التغيير للناس».

تعاقبَ على المشاركة في الرصيف في مراحلها المختلفة، محررون وكتّاب من بينهم: أحمد طمليه، سامي الزبيدي وعلي العامري. كما ساهم فيها عدد من رسامي الكاريكاتير في فترات مختلفة: عماد حجاج وفايز مبيضين.

وأمام حالة الإفلاس، اضطرت الصحيفة بعد تعثرات وانقطاعات، للتوقف نهائياً منتصف العام 1996.

قف!

رغم تجربة الرصيف المرة، تحمس إسماعيل، شقيق محمد طمليه، لإصدار صحيفة جديدة هي قف!، معتمداً على مبلغ يتيم كان يمتلكه (7000 دينار). هكذا فجأة في العام 1996 صدرت قف!، ورأس محمد طمليه تحريرها، فيما تولى إسماعيل موقع مدير التحرير، وكان محمد يكاد يؤلفها منفرداً باستثناء بعض المساهمات من أحمد وإسماعيل طمليه، أما بعض الأسماء التي كانت تظهر فهي أسماء وهمية لمحمد طمليه نفسه، مثل: لطفي أبو عون، كمال حمدان، عامر النمروطي.

إضافة إلى عدم وجود ممولين للصحيفة، لم يكن هناك اهتمام جدّي بالحصول على الإعلان الذي لا تستمر مطبوعة من دونه. يصف أحمد ذيبان، هذا الوضع الكاريكاتيري بقوله: «كنت أعمل في موقع يجيز لي نشر إعلانات في الصحف، فبحثت عن هذه المطبوعة لمدة ثلاثة أيام كي أنشر إعلاناً فيها، حيث لا يوجد رقم هاتف ولا صندوق بريد، ولا عنوان واضح للصحيفة، وبعد معاناة شديدة عثرت عليه، فقد استأجر طمليه شقة مقراً للصحيفة في منطقة شبه نائية على أطراف عمان، حتى اسمها (طاب كراع) لا يخلو من طرافة».

وأمام هذا الوضع اضطرت قف! للتوقف هي الأخرى نهائياً في العام 1997.

عبد ربه

لعل عبد ربه هي المطبوعة الأولى وربما الوحيدة التي توافرت لها شروط النجاح والاستقرار والاستمرار، مالياً وإدارياً، مع توافر فريق متميز من الكتّاب الساخرين ورسامي الكاريكاتير والصحفيين والمصورين المحترفين، وهو ما افتقدته بجدارة صحيفتا طمليه: الرصيف وقف! اللتان صدرتا بحماسة أصدقاء وكتّاب «معوزين». تكفي الإشارة إلى فريق عبد ربه كما وردت تسمياتهم: كبير القراصنة يوسف غيشان، المستشار حين يصحو محمد طمليه، رئيس التحرير «الظنين» عمر النادي، مدير العمليات نزيه أبو نضال، طلائع التحرير عبد الهادي المجالي وإكرام المحتسب، المشحبرون خلدون وإسماعيل. ثم اختفى طمليه واستُبدل بخلدون خضير الحميري. أما المساهمون من خارج هيئة التحرير فكثيرون، منهم: أحمد أبو خليل، سليمان عويس، أحمد طمليه، باسل طلوزي، هاشم غرايبة، إبراهيم الخطيب، عبد الجبار أبو غربية ، إبراهيم السطري، رمزي خوري الذي كان يكتب ويترجم الصفحات الأخيرة من المجلة بالإنجليزية. حتى الرياضة أُفرد لها قسم ساخر بقلم عوني فريج. وعلى صفحات «عبد ربه» ظهرت للمرة الأولى كاتبات ساخرات: إكرام المحتسب، رهام الفرا، أماني عليان وغادة الكاتب. وفتحت عبد ربه صفحتين لمن أسمتهم: «حمَلة الكوبونونات» من القراء. كما أعلنت عن مسابقات في الكتابة الساخرة.

حرصت عبد ربه على استقبال عدد من الساخرين العرب المتميزين على صفحاتها مثل: وليد معماري، أحمد عمر وأحمد مطر. كما حرصت على تغطية المشهد العربي الساخر من خلال أبرز رموزه وكتاباته في المراحل المختلفة. وانفتحت على المشهد العالمي الساخر، فنشرت لعدد من رموزه المعروفين. كما كانت تترجَم صفحتان إلى اللغة الانجليزية.

لقد دخلت السخرية بقوة على أبواب الصحيفة وزواياها، حتى في الأبراج والرياضة والمسابقات والكلمات المتقاطعة ورسائل القراء، وبخاصة عالم الكاريكاتير والصور.

حاولت عبد ربه رفع سقف حرية النقد ضد الحكومة، بكشف ممارساتها وفضح سياساتها، وتقزيم رموزها، أو ما أسماه بعض أركانها «تقليل هيبة الدولة» كي يصير المواطن قادراً على التجرؤ عليها، بالنقد الساخر والتعليق والنكتة والمقابلة والتحقيق والكاريكاتير ومقالب عبد ربه واللعب بالصور: بالشلوت، براعم عبد ربه، تغيير الملابس وقصّات الشَّعر. وكان أن ردت الحكومة باعتقال يوسف غيشان وعمر النادي وحلْق شَعرهما، ولكن عبد ربه لم تحنِ هامتها أمام حلاّق الجويدة. فبعد الاعتقال، قام «حلاّق» الصحيفة باستدعاء «الظنينين» الكباريتي رئيس الوزراء ونائبه عبد الهادي المجالي، والحلاقة لهما زلبطة، وفق شريعة «حموربّه» حيث «ضَوَّيا» غلاف العدد 27 من الصحيفة.

استمرت المعركة بالطبع، فقد تم استدعاء عبد الهادي راجي المجالي، واعتقاله لاحقاً، كما أُعتدي بالضرب على باسل طلوزي وكُسرت نظارته، وفي سياق مشابه تم اختطاف الشاعر الضرير ماجد المجالي إلى منطقة معزولة وضربه بقسوة شديدة.. وصولاً إلى إغلاق عبد ربه من خلال إشهار القانون الهمايوني المعروف بتقديم الصحف ضماناً بـ300 ألف دينار فقط لا غير! والذي ردّه القضاء لاحقاً، لكن بعد خراب البصرة.. فقد تم إغلاق عبد ربه مع العدد 45، وإثر الإغلاق وتوزُّع كادر المجلة عاودت عبد ربه الصدور لفترة وجيزة وبصورة متعثرة وبصفحات أقل، ثم ما لبثت أن توقفت. فيبدو أن الضحك ممنوع إلى إشعار آخر حتى لو جاء من شر البلية!

المطبوعات الساخرة: مسيرة متعثّرة لأن «الضحك ممنوع»
 
01-Sep-2009
 
العدد 3