توّج مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية مطلع العام 2009 مسيرة خمسة عشر عاماً من أدائه المتميز بنيله المرتبة الثانية بين أفضل خمسة مراكز في آسيا وإفريقيا، بحسب دراسة أجراها برنامج العلاقات الدولية بجامعة بنسلفانيا (فيلادلفيا) في الولايات المتحدة الأميركية.

محلياً، حدثان سياسيان مفاجئان هذا العام؛ هما حل مجلس النواب ورحيل حكومة نادر الذهبي، اقترنا في ذهن قطاع واسع من الرأي العام، باستطلاعي رأي أجراهما المركز. الأول حول الأداء النيابي في أواسط العام، حيث أظهرت النتائج أنّ أغلبية الرأي العام غير راضية عن أداء المجلس (المنحل).

أما الاستطلاع الثاني بمناسبة مرور عامين على تشكيل حكومة الذهبي، فقد نشرت نتائجه قبل يوم واحد من استقالة الحكومة، وبحسب خلاصة الاستطلاع، فإن المواطنين وقادة الرأي يعتقدون أنّ «الفريق الوزاري غير مقنع».

الاستطلاع الأخير، مثْل استطلاعات كثيرة غيره، تعرض المركز خلاله لضغوطٍ لمواءمة نتائجه ضد الحكومة، فيما كانت تستهدف الضغوط في استطلاعات سابقة تحسين صورة الحكومة. وكادت مقاومة المركز لهذا «التدخل المشين» في الاستطلاع الأخير، أن تؤدي إلى إقالة مدير المركز نواف التل من وظيفته.

في المراحل المبكرة من عمل الاستطلاعات، كان المركز يتعرض لانتقاد هيئات ونخب لا تروقها نتائج الاستطلاعات، من المعارضة والأوساط الحكومية والصحافة على السواء، إلى أن كرّس المركز مصداقيته، وأصبحت الاستطلاعات من مكونات الحياة السياسية، تترقب نتائجها وسائل الإعلام وقوى المجتمع المدني والأوساط الرسمية.

الإعلامي ومدير مكتب فضائية الجزيرة في عمّان، ياسر أبو هلالة، يرى أنّ المركز تميّز عن مؤسسات أكاديمية مماثلة في أنّه طرق مواضيع ذات صلة بالنقاش السياسي الساخن في المملكة، محافظاً في المجمل على «استقلالية صعبة» بسبب «مراودة أوساط رسمية، له، عن نفسه».

ويرى أبو هلالة أنّ محافظة المركز على استقلاليته تمثل تحدياً لأنّه لا يمتلك حصانة قانونية، بل هو تابع لقرار أكاديمي، مفسراً صمود المركز بسببين؛ الأول ذاتي، وهو أنّ «المدير الأسبق للمركز الذي واكب نهضته، مصطفى الحمارنة، تمتع بقدرة عالية على إدارة العلاقات داخل الجامعة وخارجها بما يحمي المركز ويوفر له حصانة معنوية، وتواصل كوادر المركز الشابة السير في هذا الطريق».

أما السبب الثاني، فيكمن في أنّ إنتاج المركز المتميز من البيانات والمعلومات والأبحاث، وفّر له نوعاً من الشراكة مع المؤسسات الإعلامية والبحثية بحيث باتت تؤمن له «شبكة حماية خارجية»، بهذا المعنى، فقد قوي عود المركز، ولم يعد لقمة سائغة.

تأسس المركز العام 1984 كوحدة أكاديمية في الجامعة الأردنية لتعنى، بشكل أساسي، بإجراء الدراسات والأبحاث في مجال النزاعات الإقليمية والعلاقات الدولية والأمن. لكن المركز وسّع، في ضوء الانفراج الديمقراطي في المملكة العام 1989، مجالات البحث لتشمل الإصلاح السياسي والديمقراطية والاقتصاد والتنمية والبيئة.

نجح المركز في توفير عنصر الإدامة لعمله من خلال الأخذ بسياسة الابتعاث لباحثين متميزين، حيث يعود هؤلاء للعمل في المركز بعد حصولهم على درجة الدكتوراه. مدير المركز التل، ذكر لـ ے أنّ الابتعاث شمل حتى الآن سبعة خريجين، يعمل منهم حالياً في المركز محمد المصري ومحجوب الزويري. ويضيف التل: «نستعد حالياً لابتعاث خمسة باحثين جدد».

ينفّذ المركز برامجه المتنوعه من خلال الأعمال البحثية وتنظيم المؤتمرات والندوات وورش العمل وإصدار المطبوعات إلى جانب استطلاعات الرأي. ومن بين أهم المشاريع التي يعمل عليها المركز راهناً «دور العشيرة السياسي في الأردن واليمن والعراق».