العدد 7 - الملف | ||||||||||||||
عندما استلمت مريم اللوزي العام 2000، مهامها مديرةً لثانوية الجبيهة للبنات، أدركت من البداية أنها لا تستطيع التعويل كثيراً على الميزانية الشحيحة التي تتوفر لها كل عام، وأن عليها إن أرادت تحقيق إنجاز حقيقي أن تشرك معها في المهمة طرفاً آخر غير الحكومة، وكان هذا الطرف هو المجتمع المحلي للمدرسة، الذي كان هو مجتمعها في الأساس، فاللوزي التي تحمل درجة الدكتوراه في التربية، هي ابنة الجبيهة، وابنة المدرسة التي تعلّمت فيها إلى الثالث الإعدادي، وعادت إليها معلمة لغة عربية، بعد تخرجها العام 1980 في الجامعة الأردنية، لتعمل فيها 16 سنة، تُوّجت بتعيينها مديرة لها. بدأت منذ اليوم الأول في مدّ الجسور بين المدرسة والأهالي، ففعّلت مجلس أولياء الأمور، وقامت وبالتعاون مع المعلمات والمرشدة التربوية بالتواصل معهم من خلال تطبيق نظام يقوم على المتابعة الفردية لكل طالبة، يتمّ من خلاله رصد أدائها الدراسي، وانضباطها داخل المدرسة. حفزت المعلمات على إعطاء حصص تقوية للطالبات بعد الدوام، وعند وجود نقص كانت تستعين بمعلمين من مدرسة الذكور المجاورة. أولت اهتماماً كبيراً للأنشطة اللامنهجية، من رياضة وموسيقى ورسم ومطالعة، وفعّلت المكتبة المدرسية لتصبح جزءاً أساسياً من اليوم الدراسي، ومثالاً على ذلك فقد فازت مجموعة من طالبات المدرسة العام الفائت بمجموعة من الروايات العالمية كجائزة في مسابقة في اللغة الإنجليزية نظمتها السفارة البريطانية. اللوزي وضعت برنامجاً جعلت بموجبه الطالبات يقرأن هذه الكتب، يشاهدن الأفلام السينمائية التي اقتبست عنها، ثم يقمن بتمثيلها. بدأت بتنظيم بازارات تسوّق فيها الأمهات إنتاجهن من الملابس، والزهور والمطرّزات وأعمال القش والمخللات والمعجنات، وكانت هذه البازارات ناجحة لدرجة أنها شكّلت مورد دخل إضافي جيد للكثير منهن. هذه الطريقة في الإدارة ساعدتها على بناء شبكة علاقات واسعة وراسخة في المجتمع المحلي، وقد استطاعت، بذكاء، استثمارها إلى حدودها القصوى، فمعظم موارد المدرسة هي حصيلة تبرعات نقدية وعينية من الأهالي، تبرعات شملت الأثاث والصيانة ووسائل تعليمية كان من بينها لوح إلكتروني يعمل باللمس وبلغت تكلفته 12 ألف دينار. بل إنها وفي الوقت الذي يرتجف فيه تلاميذ المدارس من البرد في أنحاء المملكة، استطاعت تأمين تكلفة تشغيل التدفئة المركزية الموجودة في المدرسة، وبحسبها فإن مجموع التبرعات النقدية التي استطاعت الحصول عليها للمدرسة العام 2008 وحده كان 30 ألف دينار. دعم المجتمع المحلي لا يقتصر على تقديم المال، ففي حالات غياب المعلمات يمكن أن تحّل أمهات طالبات هن معلمات متقاعدات محلّهن، كما يقدّم أولياء أمور طالبات محاضرات تثقيفية كلٌ في اختصاصه، كما تقام في كل عام حملات تنظيف شاملة للمدرسة يشارك فيها الأهالي بالجهد وبمواد التنظيف. نتيجة لكل هذا، بدأت المدرسة، وفي زمن قياسي، بالتنافس مع أعرق المدارس الخاصّة في المملكة، ففي السنة التي استلمت فيها اللوزي الإدارة كانت الجبيهة الثانوية في ذيل قائمة مدارس تربية عمان الثانية في نتائج الثانوية العامة، وبعد عام واحد فقط وبالطاقم نفسه من المعلمات احتلت المركز الأول على مستوى المديرية. تلك كانت البداية فقط، لأنها في السنوات اللاحقة حافظت وفي كل عام على موقع لها ضمن قائمة المدارس العشر الأولى في المملكة في متوسط معدلات الطلبة، كما أنها خرّجت العديد من أوائل التوجيهي، ففي العام 2006، خرّجت الأولى والثانية في الفرع الأدبي والثانية في الفرع العلمي، وفي العام 2007، خرّجت الأولى في الفرع العلمي، كما خرّجت العام 2009، الرابعة على الفرع العلمي. كونها ابنة المنطقة، ومعظم الطالبات بنات لأقارب أو مصاهرين أو جيران، هو كما تقول: «سلاح بحدَّين»، فمن ناحية توفر العائلية في الأردن فرصاً عديدة لتحصيل الدعم بأنواعه، ولكنها من ناحية ثانية يمكن أن تشكّل «صداعاً»، عندما يتوقع الكثيرون وللاعتبارات المعتادة المجاملة والمحاباة. اللوزي تمكنت من تجاوز الجانب السلبي للعلاقات الاجتماعية، وتطبيق العدالة بصرامة على الجميع، وذلك عندما بدأت وكما تقول بنفسها، فقد تخرّجت بناتها الخمس من المدرسة، وطيلة سنوات دراستهن لم تدخل واحدة منهن مكتبها بصفتها ابنتها. وهي تروي حادثة عندما كانت في أحد الأيام تقوم بجولة، فشاهدت ابنتها مع صديقة لها تتمشيان في أحد الممرات، وعندما لمحتها ابنتها شهقت قائلة: «المديرة، وركضت الاثنتان واختبأتا تحت طاولة، وقد لفت نظري أنها قالت: المديرة، ولم تقل أمي». نجاح مريم اللوزي في إدارة المدرسة كان جزءاً من نجاحها في إدارة حياتها التي واجهتها، بداية تفتّحها على الحياة، بمأساة، فقد كانت في السادسة من عمرها عندما توفي والدها العام 1964، بجلطة دماغية، وترك سبعة أطفال، أكبرهم في الخامسة عشرة، والسابع كان جنينا في بطن والدتها التي اضطرت إلى أخذ مكانه في الأرض، ليكون على مريم الصغيرة أن تأخذ مكان أمها في المنزل، فكانت تخبز وتغسل الملابس وتنظف المنزل قبل خروجها إلى المدرسة، وعندما تعود تطبخ الغداء لأخوتها ثم تحمله لأمها مسافة 2 كم. بعد أن أنهت الثالث الإعدادي، وفي الوقت الذي تزوجت فيها بنات صفها، اختارت هي أن تمشي 4 كم كل صباح ومثلها كل ظهيرة إلى صويلح حيث تقع أقرب مدرسة ثانوية للبنات، وفي جيبها قرشين مصروفاً لها. هذه الشعلة ما زالت متوقدة داخلها، فهي تحضر إلى المدرسة قبل السابعة صباحاً، وتتأخر أحياناً إلى الرابعة مساء، وتدفع من جيبها الخاص لتسدّ النقص أحياناً. |
|
|||||||||||||