العدد 7 - محلي
 

شتاء أردني ساخن، بدأ أيامه الأولى بقرار حل مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكّرة، وزاد الأمرَ إثارة، «تذرّعُ» حكومة نادر الذهبي بمشروع المجالس المحلية تمهيداً لتأجيل الانتخابات. لكن الذهبي الذي شكّل لجنة حكومية برئاسته لإعداد قانون جديد للانتخاب، غادر الدوّار الرابع، مفسحاً المجال أمام فريق حكومي جديد.

المساحة الزمنية الفاصلة بين حل «النيابي» يوم 23 تشرين الثاني/نوفمبر، وتكليف سمير الرفاعي بتشكيل الحكومة الجديدة يوم 8 كانون الأول/ديسمبر، شهدت حراكاً تمحور جلّه حول مناقشة مواصفات قانون الانتخاب المزمع إعداده، وحول طبيعة المرحلة الانتقالية التي تنتظر الأردن في المدى المنظور. هذا الحراك مرشح للاستمرار إلى حين تقديم أجوبة رسمية لملفَّي الانتخابات وقانونها، ومشروع المجالس المحلية.

الشفافية

التساؤلات الكثيرة التي سادت في البلاد بعد قرار حل مجلس النواب بشأن أسباب الحل وموعد إجراء الانتخابات، تعود أساساً إلى تخلي حكومة الذهبي عن مسؤوليتها الدستورية في تقديم إجابات للمواطنين على تلك التساؤلات.

فإذا كان الملك عبد الله الثاني قد مارس صلاحيته المنصوص عليها في المادة 34/3 من الدستور «للملك أن يحل مجلس النواب»، فإن هيئة الوزارة هي المكلفة بحسب منطوق المادة الدستورية 131 «بتنفيذ أحكام هذا الدستور»، الذي تنص المادة 74 فيه على أنه «إذا حُلّ مجلس النواب لسبب ما، فلا يجوز حل المجلس الجديد للسبب نفسه...»، إذ كيف للمرء أن يتبين سبب حل مجلس ما، دون الإفصاح رسمياً عن ذلك.

رئيس كتلة جبهة العمل الإسلامي في المجلس المنحلّ حمزة منصور، عزا قرار الحلّ لعدم رغبة الحكومة (المقصود حكومة الذهبي) «بوجود مجلس النواب في الوقت الحالي، لأن أمامها تشريعات تريد إقرارها بعيداً عن المجلس وأي سلطة رقابية على قراراتها». غير أنه لم يبخل على المجلس بالنقد، إذ رأى أن «المجلس تواطأ مع الحكومة، وكان دائم الثناء عليها بكل ما تقوم به».

ورأى منصور أن «عمل المجلس تحسّن في الشهور الأخيرة بعد الانتقادات الشديدة لطبيعة عمله وأدائه منذ انتخابه»، لكنه لم يصل إلى تحسين صورته إلى الحد الأدنى من تطلعات الشعب».

يعتقد منصور أن حل المجلس لو جاء «بتوافق بين القوى الوطنية وعلى أساس قانون جديد وعملية انتخاب حقيقية، لما كانت هناك مشكلة»، لافتاً إلى «أننا لا نعرف إلى الآن على أي أساس ستجري الانتخابات المقبلة وبأي قانون».

سميح المعايطة، كاتب عمود في صحيفة الغد، يرى أن اللجنة الوزارية برئاسة نادر الذهبي، والتي كانت مكلفة بتعديل قانون الانتخاب، لم تكن لديها أية رؤية جاهزة لنظام الانتخاب المنشود. أكد ذلك وزير التنمية السياسية، عضو اللجنة الوزارية تلك، موسى المعايطة، نافياً أن يكون قد تم التداول بأية صيغة انتخابية، بما في ذلك تخصيص حصة من المقاعد النيابية وفق مبدأ القائمة النسبية، إلى جانب نظام الصوت الواحد.

غير أن حزب جبهة العمل الإسلامي أعرب في بيان له عن أمله في أن يكون حل المجلس بداية لإصلاح سياسي شامل، وتجاوز الصوت الواحد المجزوء الذي «ثبت عدم عدالته وعدم قدرته على إفراز مجلس نيابي على مستوى المسؤولية الوطنية». وذكّر الحزب بما شاب الانتخابات النيابية الأخيرة من «مخالفات قانونية وعدم حيادية السلطة التنفيذية التي أشرفت على الانتخابات»، ما جعل المجلس عرضة للنقد الشعبي المتواصل بحسب البيان، مرجحاً أن يكون ذلك «أحد الدوافع التي أدت إلى حل هذا المجلس»، ومطالباً بإجراء انتخابات برلمانية تتصف «بالنزاهة والشفافية والحيادية».

الناطق الرسمي باسم التيار الوطني الديمقراطي فهمي الكتوت، انتقد من جهته عدم إعلان حكومة نادر الذهبي عن مبررات حل البرلمان الذي هو «نتاج طبيعي للسياسات الحكومية ولإخضاع العملية الانتخابية لقانون الصوت الواحد منذ 16 عاماً»، لافتاً إلى أن هذا الأداء الرسمي بمجمله «يشكل جزءاً من عملية إدارة الأزمات».

وشدّد الكتوت الذي ينضوي في تياره أحزاب الشيوعي الأردني و«حشد» والبعث التقدمي وشخصيات مستقلة، على أن قانون الصوت الواحد أضرّ ليس فقط بالأحزاب السياسية، وإنما بمجمل منظومة العمل السياسي في الدولة، ما سمح «بتطاول السلطة التنفيذية على مجلس النواب الذي كان غائباً عن ممارسة دوره الرقابي على الحكومة»، مستدلاً على ذلك بغيابه عن مناقشة ملف «المديونية التي ارتفعت في عهد الحكومة الذهبية بحوالي بليون ونصف البليون دينار، رغم تسديد مثل هذا المبلغ من عائدات التخاصية».

ومثلما أصدرت حكومة الذهبي موازنة الدولة للسنة المالية 2010 بقانون مؤقت، رجّح الكتوت أن تلجأ الحكومة الجديدة إلى استغلال الفراغ التشريعي «لاستصدار قانون ضريبة الدخل الجديد بقانون مؤقت»، بالنظر إلى حجم الضغوط التي تمارسها المؤسسات المالية وبخاصة البنوك لخفض ضريبة الدخل على مداخيلها، وفق الكتوت الذي توقّع بأن تمرّر السلطة التنفيذية ما تعطّل تمريره في الدورة الاستثنائية الثانية للمجلس المنحل.

الكتّاب الصحفيون كانوا في مقدمة من تناولوا بالتعليق والتحليل قرار حل المجلس، عازين ذلك إلى ضعف أداء المجلس التشريعي والرقابي، وحجم الامتيازات التي نجح في «استمطارها» في ظل توسع حكومة الذهبي في سياسة الاسترضاء والأعطيات للنواب لكسب ولاء المجلس المضمون أصلاً بالنظر للمناخ الذي انتُخب فيه.

«المختلط» سيد الموقف

لكن النقاش الأكثر أهمية تركَّز في جانب رئيسي منه حول تعديلات قانون الانتخاب، وتطوير إجراءات العملية الانتخابية التي شدد عليها الملك عبد الله الثاني في رسالته للرئيس الذهبي في اليوم التالي لحل المجلس. فأجرت كبريات الصحف اليومية ندوات حول قانون الانتخاب المنشود، ونشرت المزيد من الدراسات الخاصة بقانون الانتخاب، كما أصدرت أحزاب ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات سياسية تصوراتها للصيغة القانونية المناسبة.

من أبرز التطورات على هذا الصعيد، النتائج التي خرج بها التحالف الوطني الأردني لإصلاح الإطار القانوني للعملية الانتخابية الذي كان أطلقه المركز الوطني لحقوق الإنسان أواسط العام 2009، فقد أوصى هذا التحالف في مؤتمره العام الذي اختتم به ورش العمل التي عقدها في محافظات المملكة، بجملة تعديلات جوهرية على قانون الانتخاب، في مقدمتها الاستعاضة عن نظام الانتخاب الحالي بما يُعرف بنظام الانتخاب المختلط الذي يعطي الناخب صوتين، أحدهما لمرشح الدائرة، والآخر لقائمة نسبية على مستوى المحافظة. تتفق هذه الصيغة مع إحدى صيغتين تضمنتهما الأجندة الوطنية 2006-2015، مع الفارق أن التحالف اختار أن تكون القائمة النسبية على مستوى المحافظة، وليس على مستوى المملكة كما جاء في الأجندة الوطنية.

كما أوصى التحالف بإنشاء هيئة وطنية عليا مستقلة ودائمة للإشراف على الانتخابات، وإلى تطويرات نوعية بما يخص اعتماد ورقة اقتراع تتضمن صور المرشحين لإنهاء التصويت الأمّي، وحصر حق الاقتراع في الدائرة الانتخابية للقاطنين فيها منذ أكثر من عام لإنهاء ظاهرة نقل التسجيل من دائرة إلى أخرى. فضلاً عن مضاعفة عدد مقاعد الكوتا النسائية بهدف تخصيص مقعد لكل محافظة تفوز به المرشحة الحائزة على أعلى الأصوات في محافظتها.

حزب جبهة العمل الإسلامي دعا من جهته لتبني النظام الانتخابي المختلط الذي يستند إلى الصيغة التي توصلت إليها الأجندة الوطنية دون الدخول في التفاصيل، واصفاً إياها بأنها «أقرب إلى الصواب والعدالة والمصلحة الوطنية من قانون الانتخاب المعمول به حالياً».

اللجنة التوجيهية الملكية للأجندة الوطنية كانت قد توافقت على النظام الانتخابي المختلط كبديل لنظام الصوت الواحد «غير القابل للتحويل» بحسب التوصيف الدولي له، غير أن اللجنة قدمت وجهتَي نظر لتطبيق هذا النظام. الأولى ارتأت أن يكون للناخب صوتان؛ واحد يقترع به لمرشح في دائرته على أساس أن تكون الدوائر فردية ولها نصف المقاعد، والثاني يقترع به لصالح قائمة نسبية على مستوى المملكة لها النصف الآخر من المقاعد. أما وجهة النظر الثانية، فانطلقت من التمسك بالصوت الواحد على أساس أن يعطى إما لمرشح في الدائرة، وإما لقائمة حزبية تخصَّص لها حصة قابلة للزيادة التدريجية من مقاعد المجلس.

أما التيار الوطني الديمقراطي، فيرى بحسب الكتوت أن القائمة النسبية الكاملة على مستوى الوطن هي الأنسب لتطوير الحياة السياسية والحزبية في البلاد، لكنه يؤيد الأخذ مرحلياً بنظام الانتخاب المختلط وفق الصيغة الأولى التي جاءت بها الأجندة الوطنية بغية النهوض التدريجي بالحياة السياسية والبرلمانية، أي على أساس تخصيص نصف مقاعد المجلس النيابي للدوائر الفردية، والنصف الثاني للقائمة النسبية على المستوى الوطني بحيث يكون للناخب صوتان؛ أحدهما للدائرة، والآخر للقائمة.

لكن، إلى جانب هذه المواقف الرئيسية التي تعطي أفضلية للنظام الانتخابي المختلط، احتلت مقالات وتحليلات عديدة في وسائل الإعلام، تنحو بالحوار نحو التحذير من أبعاد قد ينطوي عليها إجراء تعديلات جوهرية على قانون الانتخاب، من مثل عدّها مقدمة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين أو لتكريس الوطن البديل، ولهذا أصبحت تعابير مثل «الديموغرافيا»، و«الجغرافيا»، و«المحاصصة» كثيرة التداول لدى مناقشة تعديلات قانون الانتخاب.

مجالس تنموية

على صعيد آخر، تراجعت مكانة مشروع المجالس المحلية في المحافظات في الحوارات الوطنية إثر حل «النيابي» بعد أن كان يحتل قصب السبق قبل الحل بأيام. الكاتب الصحفي سميح المعايطة، كان أحد القلائل الذين عادوا لبحث هذا المشروع، إذ تساءل في مقالة له، 13 كانون الأول/ديسمبر، عمّا إذا كان تطبيق اللامركزية قريباً أمراً ممكناً. المعايطة كشف لـ ے تشكّكه بإمكانية تطبيق المشروع بنجاح في غضون أربعة أشهر بحسب ما صرّحت به حكومة الذهبي، عادّاً تشكيل الحكومة الجديدة فرصة لإعادة دراسة المشروع بعمق، والتأكد من عدم خلق هياكل دون مضامين.

على صعيد آخر، أكد كتاب التكليف الملكي لحكومة سمير الرفاعي إجراء الانتخابات المقبلة قبل نهاية الربع الأخير من العام 2010، مشدداً على أن تكون أنموذجاً في النزاهة والحيادية والشفافية، وعلى تعديل قانون الانتخاب وتحسين جميع إجراءات العملية الانتخابية.

لكن أقطاب الحكومة الجديدة الثلاثة؛ الرئيس الرفاعي ونائبيه رجائي المعشر ونايف القاضي، لديهم مواقف معلنة سابقة تتمسك كأفضلية بنظام الصوت الواحد المعمول به، ما يفيد أن الحكومة الجديدة لن تبدي حماسةً لإجراء تعديل جوهري على قانون الانتخاب، لكن بالمقابل ثمة قناعة واسعة ظهرت في الحوارات العامة وإن كانت لا تستند إلى أساس علمي، مفادها أن الانتخابات المقبلة ستكون نزيهة.

بعد حلّ «النيابي»: ربما لا تعديل جوهرياً على قانون الانتخاب وربما لا تزوير أيضاً!
 
01-Jan-2010
 
العدد 7