العدد 7 - محلي
 

الطريقة الأقصر للتعرف على أولويات حكومة سمير الرفاعي، هي ملاحظة اختياره زيارة دائرة مكافحة الفساد في جولاته الميدانية الأولى، واتخاذ إجراءات هادفة لـ«حفز» النمو الاقتصادي، في مقدمتها إصدار قانون مؤقت ملحق بقانون الموازنة بقيمة 305 ملايين دينار لسداد ديونٍ محلية على الحكومة، والبدء بقراءة مشروعي قانوني ضريبة الدخل والمبيعات ليصار إلى إصدار قانونين مؤقتين لهما قبل نهاية العام 2009.

من ذلك كله، يمكن استنتاج دواعي حل البرلمان. إذ بالإضافة إلى سوء أدائه والتزوير الكثيف الذي صادر مصداقيته، فإنه يُنظر إلى هذه المرحلة على أنها فرصة تاريخية لتطبيق «إصلاحات فورية» وسريعة دون المرور في مجلس للنواب، «80 من أعضائه على الأقل كانوا معينين تعييناً، وكل منهم يريد أن يقبض ثمن صوته بصرف النظر عن المصلحة الوطنية وواجباتهم في التشريع والرقابة»، وفق ما أكده سياسيّ عمل في الديوان الملكي وطلب عدم الإفصاح عن اسمه.

بهذا فإن هذه الفرصة تماثل ما مثّلته حكومة علي أبو الراغب، من حيث استهداف تحقيق إصلاحات، بخاصة في الجانب الاقتصادي في غياب البرلمان.

خرجت السلالة السياسية لعائلة الرفاعي من رحم الدولة الأردنية أسوة بالسلالات التي كانت تخرج من «توب كابي» (الباب العالي) إبان الدولة العثمانية. فهذه الأسرة تعود جذورها إلى سمير الرفاعي (الأول) الذي عمل في سلك البيروقراطية الأردنية، وخدم رئيساً للوزراء في عهد الملك عبدالله الأول والملك الحسين.

الرفاعي الابن: زيد، زاملَ الحسين في طفولته، وعلى العكس من والده سمير (الأول)، لم يتدرج في البيروقراطية، وإن عيّن سفيراً لفترة قصيرة، بل جاء إلى رئاسة الوزراء من القصر، وبقي فاعلاً في الدولة باستثناء عقد من الزمان تلا أحداث نيسان/أبريل 1989.

أما سمير (الثاني) ابن زيد الرفاعي، فقد نشأ في طفولته نشأة أمراء، وعاش حياة مرفهة وفّرت له حاشية من المربيات والخدم والطهاة والسائقين. كما درس في أرقى المدارس في العالم، وكان في الوقت نفسه قريباً إلى الأمراء من أفراد العائلة المالكة في مثل سنّه، لكنه لم يرتبط بعلاقة زمالة مع الملك عبد الله الثاني بسبب فرق السن، مثلما ارتبط والده زيد مع الحسين.

أكمل تعليمه الجامعي في جامعات عريقة، فقد نال شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من هارفارد، ودرجة الماجستير من كامبردج، بعد ذلك عاد إلى الأردن ليعمل في مكتب ولي العهد آنذاك الأمير الحسن بن طلال، وتدرج في وظائف عدة في مكتب الأمير إلى أن أصبح مدير مكتبه الخاص.

كان سمير من أوائل من التحق بخدمة الملك عبد الله الثاني بعد اعتلائه العرش، وعُيّن أميناً عاماً للديوان الملكي، وتدرج إلى أن عُيّن وزيراً للبلاط العام 2003 في غياب منصب رئيس الديوان، أي أنه كان فعلياً رئيساً للديوان الملكي، لكنه غادر هذا الموقع «في فترة احتدام المعارك واستمرارها بين الأقطاب آنذاك: سعد خير، فيصل الفايز، مروان المعشر، باسم عوض الله، الشريف محمد اللهيمق وحلفائهم»، بحسب مقرب من سمير طلب عدم ذكر اسمه، مضيفاً أنّ سميراً لم يعرف كيف يتعامل مع هذه «الدربكة»، وابتعد عنها مبكراً.

بعدها انتقل مكتب سمير من «بسمان» إلى بناية المستشارين، وفي هذا مؤشر ليس فقط على تقلص النفوذ، وإنما أيضاً على «الانحسار الوجاهي». وكان قبل ذاك قد قرر مغادرة الديوان الملكي للعمل في القطاع الخاص حسب أحد أصدقائه، إلاّ أنه ظل يعيش حالة من الضغط النفسي بسبب إحساسه أن عليه أن يشغل يوماً ما الموقع نفسه الذي شغله جده (سمير)، وأبوه (زيد)، وجدّه لأمه (بهجت التلهوني)، وعمه (عبد المنعم).

يقول صديق قريب من سمير طلب عدم ذكر اسمه إن «سمير شعر براحة نفسية عندما عُين وزيراً للبلاط، إذ اعتقد في حينه أنه إن لم يصبح رئيساً للوزراء، فعلى الأقل احتل منصب وزير بلاط، مثل جدّه سمير (الأول)، وبذلك يكون قد وصل إلى أقرب كسر عشريّ». يُذكر أن الجد سمير الرفاعي كان قد شغل منصب أول وزير للبلاط العام 1950.

سياسياً، عُرف عن سمير (الثاني) مواقفه الأقرب إلى المحافظين منها إلى الليبراليين، لكنه مع الليبراليين في التوجه نحو اقتصاد السوق، وإن اختلف معهم في بعض التفاصيل العامة، كما هي الحال في موضوع الخصخصة، حيث كان سمير يفضّل أن تكون الأولوية لرأس المال العربي، لاعتقاده بأنه «أرحم» من رأس المال الغربي في مستوى اندفاعته لتسريح فائض العمالة، وما يتمخض عن ذلك من رفع معدلات البطالة، بكل ما لذلك من أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية.

أما على الصعيد السياسي، فالرئيس الجديد أقرب إلى المحافظين وعلى رأسهم والده، زيد. فحتى استلامه دفة الوزارة، كان يبدي تاريخياً اعتراضاً شديداً على تعديل قانون الانتخاب، ولم يبدر منه أي حماسة علنية باتجاه دمقرطة التشريعات الناظمة للعمل العام، وبخاصة قانون الأحزاب والاجتماعات العامة والجمعيات. وبما يخص علاقته مع الصحافة، فهو أميل إلى سياسة «الاحتواء» منه إلى سياسة «الاسترضاء».

لكن يُحسب له أنّ واحدة من أهم الخصائل التي يمتّع بها عندما كان في الديوان الملكي، أنه على عكس من جاء قبله، ومن حلّ بعده، لم يكن يحجب عن الملك مَن يختلف معه في الرأي، كما لم يُعرف عنه أنه ينقل معلومات للملك بهدف الدس ضدّ خصوم أو أشخاص لا يروقون له، كما اشتهر بذلك مدير المخابرات السابق محمد الذهبي.

حينما نشرت وكالة عمون خبر تكليف سمير الرفاعي برئاسة الحكومة، وقع الخبر على الأوساط السياسية وقوع الصاعقة، إذ كانت كل الإشاعات والتحليلات تشير إلى تكليف الملك عبد الله الثاني لرئيس الديوان الملكي ناصر اللوزي بتشكيل الحكومة، وبخاصة أن خبراً لوكالة الأنباء الفرنسية توقّع ذهاب الأمور في هذا الاتجاه. هذا مع أنّ إشاعةً بتكليف سمير قد سرت قبل ذلك بأشهر عدة، لكنه كان ينفيها لكل الناس.

في ضوء ذلك، انهمكت النخب والأوساط السياسية في البحث عن إجابة، تفسر لماذا تم اختيار سمير رئيساً للوزراء في هذه الفترة بالذات. حتى الآن ليست هناك إجابة شافية، وإن كان الاعتقاد يذهب بالمرء إلى أنّ الملك يريد هذه المرة أن يتعامل مع هذا الجيل الشاب الذي هو جيله ليعاونه في الحكم، بخاصة أنه يعرف سميراً منذ الطفولة وفي معيته عمل سمير موظفاً، وهو يعرف قدراته. كما من المؤكد أن الملك لاحظ ما لاحظه آخرون، أن عمل سمير كسياسي ورجل تنفيذي في القطاع الخاص في الأردن والإقليم، طوّر من قدراته الإدارية بشكل ملحوظ. ومن خلال عمله في أعلى حلقات الدولة الأردنية، ولاحقاً في مواقع متقدمة في القطاع الخاص، فقد بات على معرفة أكثر دقة وتفصيلاً بما تعانيه البيروقراطية الأردنية من ترهل، وحاجتها إلى إعادة الهيكلة من أجل تفعيل الأداء. وربما يبرز نجاح الحكومة في هذا المجال مهارات الرفاعي وقدراته القيادية، وسيصنع ذلك فرقاً مهماً في مسيرة الدولة والمجتمع، وإلاّ سيكون أداؤه محدوداً مثل بقية من سبقوه إلى الدوار الرابع في عهد الملك عبد الله الثاني.

لقد أحب سمير عمله الذي كان يقوم به في القطاع الخاص، إذ أمضى أسابيع عدة في الصيف الماضي في جامعة هارفارد، لتلقّي دورة مكثّفة تزيد من مهاراته في القيادة والإدارة، وتوسّع قاعدته المعرفية في اقتصادات السوق.

وبما أنّ الملك عبد الله الثاني لا يخفي خيبة أمله من الحكومات التي تعاقبت على الدوار الرابع في عهده، فإنّ هدفه الأول في هذه المرحلة هو تطبيق رؤيته وبرامجه الإصلاحية والتنموية. وربما يفسر هذا إلى حدٍّ ما المعركة التي كانت مستمرة بين الديوان الملكي ورؤساء الحكومات، وبين باسم عوض الله والكلّ.

أما الآن، فإن سمير الرفاعي يجمع فعلياً، كما يقول سياسي طلب عدم ذكر اسمه، بين وظيفته السابقة وزيراً للبلاط وبين رئاسته الحالية للحكومة، بمعنى أنّ الديوان الملكي سيكون حاضراً بقوة في هذه الحكومة، ليس بالمواجهة بل بالتناغم،كما جرى في الجلسة الأولى لمجلس الوزراء حيث كانت الملفات الخاصة بمصفاة البترول وميثاق الشرف للحكومة وتشكيل اللجان الوزارية المنبثقة عن مجلس الوزراء، جاهزة من جانب الديوان الملكي، حيث تم تكليف خبراء وجرت الاستشارات السريعة اللازمة، وقام رئيس الديوان الملكي بالتنسيق مع رئيس الحكومة بهدوء من أجل تطبيق «الرؤية الملكية».

ويقيناً أنّ الرفاعي لا يرى حرجاً في ذلك، بل على العكس، فهو من أشد المتحمسين لصيغة عمل فاعلة بين الديوان الملكي ورئاسة الوزراء.

تشكيل الرفاعي للحكومة وظروف عمله، أثارا أسئلة عدة لم يُجب عنها حتى الآن، ولعل الزمن كفيل بتقديم الإجابات في المدَيَين القصير والمتوسط. لكنّ اللافت للنظر هو حجم الإشاعات: لماذا دخل أشخاص وخرج أشخاص بعينهم، وهي إشاعات لا علاقة لها بالواقع، لكن الوسط الصحفي والمدونات والمواقع الإلكترونية وحتى الرئيس المكلف، زادوا من حجم التوقعات، وبخاصة أن الرئيس المكلف اختفى ولم يكن معروفاً مكان وجوده، وكان يقال إنه يجتمع مع من يريد تكليفه في منزله في «بدر»، بينما كان يجتمع معهم في المكتب الخاص في قصر «باب السلام».

لم يكن سمير بعيداً عن والده أثناء تشكيل الحكومة. فهناك شخصيات مهمة وفاعلة في الفريق الوزاري من ترشيح الأب، ومن هؤلاء رجائي المعشر نائب رئيس الوزراء ونايف القاضي وزير الداخلية.

رجائي دخل الوزارة مع زيد الرفاعي وزيراً للاقتصاد الوطني ثم وزيراً للاقتصاد والتجارة، في وزاراته الثانية والثالثة والرابعة خلال السنوات 1974-1976 و1985-1988. فيما ارتبط القاضي والرفاعي الأب بصداقة حميمة، حيث جمعهما الالتقاء على مفاصل سياسية أساسية خلال السنوات العشر الأخيرة.

التقى الرئيس المكلف بالمعشر بعد الاتصال به، ووافق الأخير على الدخول في الوزارة نائباً للرئيس. بعدها طلب المعشر مقابلة الملك، بحسب مصدر في الديوان الملكي طلب عدم ذكر اسمه، «وقابله جلالة الملك فعلاً».

المعشر ليس أول وزير يخدم في معية الأب والابن، بل سبقه إلى ذلك سامي جودة، والد ناصر جودة وزير الخارجية الحالي، إذ حمل حقيبة المواصلات في حكومة سمير (الأول)، الخامسة خلال الفترة 1958-1959، وتزوج من ابنته لمياء، ثم حمل حقيبة وزير دولة للشؤون البرلمانية في حكومة زيد الرفاعي الرابعة في الفترة 1985- 1988.

أما رجوع توفيق كريشان وعبد السلام العبادي إلى الوزارة، فهو نابع من الرؤية المحافظة نفسها التي تريد لهذه الوزارة أن تُدعَّم بقيادات عشائرية وجهوية وليس بقيادات سياسية ناشئة. وبما يخص باسم السالم، فقد رفض حقيبة الطاقة التي عُرضت عليه، وقرر أن يعود للعمل في القطاع الخاص، بعد أن خدم على التوالي وزيراً للعمل ثم وزيراً للمالية منذ حكومة عدنان بدران، مروراً بحكومة معروف البخيت وانتهاء بحكومة نادر الذهبي.

تكهنات سرت في البداية مفادها أنّ الهدف من دخول المعشر إلى الوزارة هو إحراج العرب اليوم واحتوائها، لكن صحفياً بارزاً في الصحيفة أكّد

لـ ے أن شخصية مثل طاهر العدوان، رئيس التحرير، تحظى باحترام وتقدير من المجتمع بسبب مسيرتها السياسية والإعلامية الطويلة، لن تسمح بوقوع أي تغيير في الخط السياسي والمهني للصحيفة»، وأضاف المصدر أنّ هذا «لا يعني أن صحفيي العرب اليوم وكتّابها سيتخلّون فجأة عن احترامهم وتقديرهم للمعشر بمجرد أن أصبح نائباً لرئيس الوزراء، ولهذا ستستمر العرب اليوم في فتح ملفاتها المعهودة، والزمن كفيل بتأكيد هذا الموقف».

على صعيد آخر، تعرضت الحكومة فور الإعلان عن أسماء أعضائها، لنقدٍ تمحور حول فكرة أن الحكومة الجديدة أقرب إلى تعديل منها إلى تشكيل جديد، وذلك لعودة عدد كبير من الوزراء من الحكومة السابقة إلى الحكومة الجديدة، مع أنّ أي قراءة في التغييرات والتعديلات على التشكيلات الحكومية منذ تأسيس الإمارة حتى أيامنا هذه، تكشف أنّ هذه الظاهرة قديمة، وإن تكن أوسع أو أضيق من وزارة إلى أخرى، لكنها ليست جديدة أو ظاهرة مقتصرة على حكومة الرفاعي.

التحديات كبيرة جداً أمام هذه الحكومة، ليس بسبب ما يواجه الأردن من معوقات موضوعية سببها شحّ الموارد، والإقليم المتفجر من حولنا، بل أيضاً لفشل كل الحكومات تقريباً في زمن الملك عبد الله حتى هذه اللحظة في الخروج من المآزق التي وضعنا أنفسنا فيها، فإذا استمرت هذه الحكومة على نهج سابقاتها بتبني النهج الاقتصادي نفسه الذي لم يخفف بنيوياً من مشكلتَي الفقر والبطالة، وأغمضت عينيها عن الإصلاح السياسي، فإن التاريخ سيذكر ذلك مثلما يذكر مثالب الحكومات السابقة، أما إذا التقطت اللحظة التاريخية وقادت البلاد وساهمت في إخراجها من أزماتها، فسيكون سمير (الثاني) قد أنقذ السلالة والبلاد والعباد.

سمير (الثاني) ابن زيد الرفاعي: أولويّة التناغم مع الديوان الملكي
 
01-Jan-2010
 
العدد 7